سارة إبراهيم شهيل
من بين المسؤوليات العديدة التي تناط بها مؤسسات القطاع الاجتماعي، يمثل الاضطلاع بالدور الوقائي جانباً ذا أهمية قصوى في دفع عجلة الإنجاز، بما يتضمنه من سبل تغيير منظور أفراد المجتمع لدحض السلوكيات المؤذية والحض على السلوكيات المثمرة. ولا عجب في هذا التوجه، فهل يعقل أن يطال التغيير الإيجابي فرداً غير قانع بما هو خير له؟!
وبينما يشكّل تغيير منظور المجتمع بشتى أفراده أساساً تُبنى عليه أهداف القطاع الاجتماعي، تظل بعض التساؤلات محيطة به، فتغيير المنظور لا بد له من منبع أساسي تتدفق من خلاله الجهود، وأدوات التوعية التي ينتجها القطاع لا تأتي من فراغ، بل يسبقها وابل من عمليات التخطيط والتنسيق التي لا يتم العمل بدونها.
إن نجاح مؤسسات القطاع الاجتماعي في تغيير منظور أفراد المجتمع يعتمد في الأساس على النهوض بخطط التوعية ذاتها.. هذا هو المنبع والأصل الذي منه تنحدر الجهود تجاه الهدف، إذا كان التوجه غير سليم، كيف له أن يصب في المكان المقصود؟
ولكن كيف لنا أن نستغل مرحلة التخطيط خلال إحداث التغيير؟ هل الأمر أشبه بحفر منبع النهر وبالتالي يتواتر هطول الغيث حتى يتغير المجرى إلى المصب، أم هل هناك ضرورة لحفر المجرى كاملًا وتمهيد الطريق من بدايته لنهايته بما يهدر الوقت والجهد؟ هل تقاس الأمور بحجم المجهود المبذول أم بالنتائج؟ وكيف يكون التطوير المستدام؟
توليد الزخم
وفقاً لبيانات النسخة السابعة من القمة العالمية للحكومات، تفشل نحو 80 في المائة من مبادرات القطاع العام الهادفة إلى إحداث تغيير في تحقيق أهدافها، على مستوى العالم، نظراً للتركيز على الالتزام الصارم بوضع الخطط وتنفيذها كما هي.
ومثل تلك البيانات تؤكد عدم ضرورة تمهيد الطريق كاملاً، خطوة بخطوة. فماذا إن اتضح عدم جدوى إحدى الآليات المقترحة على سبيل المثال؟ ماذا إن طرأ جديد في هذا الواقع المتغير الذي نعيشه؟
لقد أثبتت أغلب المبادرات الناجحة الحاجة لوجود رؤى جديدة وتحفيز ذاتي للتحسين واعتماد التوجه الرامي إلى بناء القدرات والتحفيز وتواتر النجاحات بإشراك جميع الأطراف. وبينما تتطلب منهجيات العمل وجود خطط محكمة في سياق عمليات نظامية واضحة، كثيراً ما يكون وضع الخطط بتفاصيلها عقبة في طريق التطبيق مع ما ينجم عنها من تصلب وافتقار للمرونة، الذي لا يضمن توليد الزخم واستدامة العمل.
في الواقع، قليلاً ما يتم تنفيذ المبادرات الناجحة كما خُطِط لها، بل يأتي الوصول للهدف بفضل التغيير والتحسين المستمر واستعدادية فريق العمل لحل المشكلات على نحو نشط، من خلال مراقبة وتقييم الأداء والتوصل للحقائق، بما يتضمن الإنجازات والعثرات.
تنفيذ
وهناك عوامل أخرى تلعب دوراً في وجود الفجوة بين التخطيط والتنفيذ. لعل أكثرها وضوحاً هو التفاوت وعدم التوازن بين الشقين، وكأن بعض المؤسسات تعاني انفصالاً عن الواقع. هل الانغماس في التخطيط يؤدي لإغفال الجانب الإنساني أو عدم استيعاب المغزى الحقيقي للعمل الاجتماعي؟
على الرغم من الدور الحاسم للعمل الإداري، يبقى التنفيذ هو الجوهر. وقد شهدنا مدى كفاءة العديد من المؤسسات الوطنية في شتى القطاعات، ومنها على سبيل المثال «جمارك دبي»، التي تبدي مرونة فائقة في التكيف مع المتغيرات المتسارعة التي تشهدها التجارة وحركة المسافرين في كافة أنحاء العالم بفضل تركيز الجهود على آليات تنفيذية سريعة.
وبالنظر إلى التقارير الصادرة عن «مركز ماكنزي» مؤخراً، يتضح أن سر التحولات الفعّالة لخدمات القطاع العام يكمن في الفهم العميق للسلوك البشري، وتتضاعف فرص نجاح المؤسسات التي تشرك موظفي خدمة العملاء في التخطيط للتحولات الجذرية لأنهم يلمسون الاحتياجات الحقيقة لأفراد المجتمع بشكل مباشر ومستمر.
الحل
هذا التمسك بضمان مواصلة المسيرة والولاء للجوهر الحقيقي للعمل ضرورة قصوى. لقد بات التحول نحو الرشاقة المؤسسية واقعاً لا بد منه وحلاً جذرياً لتحفيز الدور الوقائي للقطاع الاجتماعي في عالم تحفّه المتغيرات من كل جانب.
المدير العام لمركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء