حثّ الإسلام على الصدقة، والصدقة الجارية، ووعد بالمثوبة لفاعلها، واستمرار الأجر له بعد رحيله عن الدنيا، قال تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً)، «سورة المزمل: الآية 20»، وقال الله سبحانه وتعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، «سورة آل عمران: الآية 92». ومن الصدقات الجارية «الوقف»، وهو من أعمال البر التي حثّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالوقف صدقة جارية، أصلها ثابت، وثوابها دائم لا ينقطع، فهي تنفع الإنسان في حياته وبعد مماته، كما أن أعمال البر تتفاضل بحسب حاجة الناس وعموم النفع، كما أن الوقف يحافظ على أصل المال وينميه، ويرسخ قيم الإسلام ومبادئه في التصدق والبر والإحسان. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»).
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها، «صحيح البخاري 2756».
وإن الوقف يعد من الصدقات الجارية، فأصله ثابت، وعطاؤه مستمر لا ينقطع، ويقصد به التقرب إلى الله تعالى، ذلك أن الوقف تبرع دائم بعقار أو مال، والتنازل عن ملكيته لله تعالى، فلا يجوز بيع العين الموقوفة ولا هبتها ولا التصرف بها، بل يحبس أصلها وينفق من ريعها وعائداتها في المصارف الشرعية التي حددها الواقف.
ويسهم الوقف في أعمال البر والخير والإحسان، وخدمة المجتمع وتنميته، كالوقف لبناء المساجد وصيانتها والعناية بها، ووقف الأيتام والفقراء، ورعاية المرضى، وطلبة العلم، وكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، والحفاظ على البيئة، والرفق بالحيوان، ونحو ذلك من وجوه الخير والإحسان.
ويحظى الوقف داخل دولة الإمارات العربية المتحدة باهتمام بالغ من القيادة الرشيدة، وتحرص الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف دائماً على إحياء سنة الوقف والدعوة له وتنميته، والتبصير بأهدافه وفق أساليب معاصرة تتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، مما يؤدي إلى تقوية ينابيع الخير في النفوس، وتجسيد مبادئ التكافل الاجتماعي، ويفتح آفاقاً تنموية للعمل الخيري بما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع.
ونحن مدعوون للمساهمة في إحياء سنة الوقف لنحقق التعاون على البر الذي أمرنا الله تعالى به، فقال عز من قائل: (... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ...)، «سورة المائدة: الآية 2».
فلنحرص أشد الحرص على المشاركة في تنمية الوقف الخيري لنحقق قول الله تعالى: (... وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة الحج: الآية 77».
فتوى
هل يجوز دفع المال بدلاً عن الصيام لمن يشق عليه الصوم؟
أجاب المركز الرسمي للإفتاء أنه: «لا يجزئ دفع المال (فدية الصوم) بدلاً عن الصيام لمن يقدر على القضاء، لقوله تعالى: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، وإنَّما تستحب الفدية لمن عجز عن الصوم عجزًا مستمرًا في جميع فصول السنة كحال كبير السنّ الذي صار لا يقوى على الصوم أو المريض مرضًا مزمنًا، ففي الموطأ عن مالك أنَّه بلغه: أنَّ أنس بن مالك رضي الله عنه كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي - أي: يطعم عن كل يوم مسكينًا -، قال مالك: ولا أرى ذلك واجبًا.
قطوف
قال أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»، وقال رضي الله عنه أيضاً الجُود حارس الأعراض، وقال عليٌّ رضي الله عنه السَّخاء ما كان ابتداءً، فأمَّا ما كان عن مسألة فحياء وتذمُّ، وقال الكَرَم أعطف مِن الرَّحم، وقيل لحكيم: أيُّ فعلٍ للبَشَر أشبه بفعل الباري تعالى، فقال: الجُود.