تحقيق: إيهاب الرفاعي
ما بين إعلانات وعروض ترويجية عن مشاريع عقارية وفرص استثمارية لا تفوّت، وبين عروض ترويجية لخدمات بنكية جديدة والمشاركة في سوق الأسهم العالمية وسرعة الاستفادة من انخفاض أسعار البتكوين، وصولاً إلى عروض مجانية لتنظيف المنزل، يعقبها شراء جهاز التنظيف، يتلقى يوسف عشرات المكالمات اليومية دون اعتبار لظروفه الخاصة أو الوظيفية، ولا اهتمام بأوقات راحته أو نومه، وهو ما جعله يخرج عن شعوره ويفقد أعصابه أكثر من مرة بسبب تلك المكالمات التي لا تتوقف، وتسبب له أضراراً بالغة، دون أن يعرف كيف يتصرف، وإلى من يلجأ لحمايته، وما السبيل لوقف هذا السيل من المكالمات الهاتفية التسويقية التي لا تراعي خصوصية، وتسبب الإزعاج المستمر.
كثير من المواطنين والمقيمين طالبوا بضرورة وجود قوانين رادعة تحد من تلك الانتهاكات والإزعاج المتكرر الذي لا يتوقف، خاصة في ظل وجود ممارسات غير قانونية تتمثل في بيع قاعدة بيانات العملاء المتمثلة في أرقام هواتفهم الخاصة، دون علمهم ومن غير سند قانوني لذلك، فضلاً عن الخصوصية المستباحة والإزعاج المتواصل وعشوائية الشركات والاتصالات.
وترى شركات التسويق الهاتفي أن لها حقاً في التواصل مع العميل المستهدف، مع الالتزام بآداب الحوار واحترام رغبة العميل في عدم استكمال المكالمة، مؤكدة أن التسويق الهاتفي أصبح ضرورة تفرضها ظروف الحياة العصرية، ويمكن تلافي السلبيات التي تسبب الإزعاج للعميل، والبحث عن وسائل أخرى تحقق الهدف للشركات وتحول دون إزعاج العميل في الوقت نفسه.
ورغم جهود دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي للحد من عشوائية الاتصال الهاتفي والإزعاج المستمر الذي يسببه استخدام الهاتف في عرض المنتجات والسلع الترويجية، والمتمثلة في فرض العقوبات والغرامات على الشركات المخالفة، ودعوة جميع أصحاب المنشآت التجارية في إمارة أبوظبي إلى احترام خصوصية المستهلك وعدم التسويق عبر الاتصال الهاتفي المباشر، وأن المنشآت المخالفة ستكون عرضة للعقوبة في حال ورود شكوى من المستهلكين، وكذلك جهود تنظيم هيئة الاتصالات التي قررت إظهار رقم المتصل ليتعرف المتلقي هوية المتصل قبل أن يقرر الرد أو عدم الرد، إلا أن تلك الوسائل لم تكن رادعة بشكل كافٍ لوقف سيل المكالمات التسويقية المستمرة، سواء من بقية الإمارات الأخرى أو من خارج الدولة.
تسريب بيانات العملاء
يطالب المشتركون بمحاسبة المسؤولين عن تسريب بياناتهم وأرقامهم إلى هذه الشركات، ووضع القوانين التي تحد من ممارستهم العشوائية التي تسبب الإزعاج المستمر، وانتهاك الخصوصية، وحمايتهم من الاتصالات المتواصلة.
ويؤكد سالم أحمد المزروعي أن شركات التسويق الهاتفي لا تراعي أي خصوصية للأفراد، وتستبيح أوقات راحتهم، وتصر على إزعاجهم بهدف جذب عملاء جدد لهم، وهو شخصياً يرفض أي منتج يصل إليه بهذا الأسلوب حتى لو كان المنتج مفيداً له، نظراً للإزعاج المستمر من مندوبي هذه الشركات له.
ويطالب يوسف الحمادي، أحد المتضررين من الاتصال الهاتفي التسويقي، بضرورة وضع قوانين وآليات لمنع هذه الظاهرة التي أصبحت مزعجة بالمقاييس كافة، موضحاً أنه تلقى في يوم واحد أكثر من 38 اتصالاً هاتفياً تسويقياً من مختلف الشركات، وللأسف كانت هناك أكثر من مكالمة لمندوبين مختلفين في الشركة نفسها، حيث اتصل به مندوب واعتذر له بأنه غير مهتم بمعرفة هذا المنتج ولا مميزاته وأنه مشغول، وبعدها بأقل من نص ساعة تلقى اتصالاً آخر من مندوبة للشركة ذاتها تحاول إقناعه بالانتظار للاستماع لمميزات الاستثمار في العقارات حالياً، وهذا يؤكد أن هذه الشركات تصر على الضغط على العميل حتى يقبل بأي طريقة بمنتجاتها، ومهما اعتذر لا يمكن احترام رغبته ولا خصوصيته.
وتساءل الحمادي عن كيفية تسريب بيانات المشتركين بهذه السهولة لشركات التسويق العقاري رغم خصوصيتها التي يحميها القانون، وطالب بمعاقبة كل من يقوم بنقل بيانات العملاء إلى أي جهة أخرى من دون موافقة العميل نفسه على ذلك.
وأضاف ناصر أحمد آل علي أن ظروف عمله تحول دون إغلاق هاتفه، حيث يضطر إلى ترك الهاتف مفتوحاً، وللأسف يتعرض لضغط كبير بسبب هذه الشركات التي لا تراعي أي أوقات راحة، خاصة الشركات التي تتصل من خارج الدولة ولا تراعي فروق التوقيت، وهذا يسبب له إزعاجاً مستمراً، ولا يعلم كيف يتخلص منه، ورغم قيامه بعمل حظر للمئات من الأرقام المزعجة لشركات التسويق الإلكتروني، إلا أن المكالمات ما زالت مستمرة ولم تنقطع وكل لحظة تظهر أرقام جديدة.
خاصية إظهار الجهة المتصلة
أوضح أحمد الشامسي، مدير اعتماد النوعية في هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، أن الهيئة أطلقت خاصية إظهار اسم الجهة المتصلة الخاصة بإظهار أسماء شركات القطاع الاقتصادي، ويشمل جميع المؤسسات والشركات العاملة في الدولة، وكانت الهيئة قد بدأت التطبيق التجريبي لهذه الخاصية في 2022، لتكون أول جهة في المنطقة تطبق هذه الخاصية، حيث تعمل خاصية إظهار اسم الجهة المتصلة والتي تعرف بمبادرة كاشف على تعريف المتعامل بالجهة التي تتصل به، حتى في حال كونه لا يحتفظ برقمها في ذاكرة جواله، وتهدف هذه الخاصية التي أطلقتها الهيئة بالتعاون مع مزودي الخدمة إلى التخفيف من الاتصالات المجهولة التي كان يستقبلها المتعاملون وإتاحة معلومات لمستقبل المكالمة عن جهة الاتصال قبل إجابته على المكالمة.
وأضاف الشامسي أن الهيئة قامت بسن التشريعات المتعلقة بهذه الخاصية، والتي تأتي كجزء من منظومة التطوير الهادفة إلى تعزيز ثقة المتعاملين بالمكالمات الواردة من أرقام شركات القطاع الخاص، وتقليل المشاكل الناجمة عن الاتصالات مجهولة المصدر، وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز ثقة المتعاملين بالخدمات التي يقدمها قطاع الاتصالات، من خلال تمكين المتعاملين من التعرف على أسماء الجهات التي تتصل بهم، الأمر الذي يمنحهم حرية الرد من عدمه، كما يعطيهم نوعاً من الاطمئنان عند تلقي المكالمة والتحدث مع الجهة المتصلة.
خاصية
تعتبر خاصية إظهار هوية المتصل خط التعريف الأول بجهة الاتصال، وتؤكد الهيئة أنه يجب على المتعاملين الالتزام بتوجيهات الجهات الخاصة بالحفاظ على المعلومات الشخصية، وتوخي الحذر وعدم الإدلاء بالمعلومات الشخصية مثل رقم الحساب والأرقام السرية وكلمات التعريف وغيرها لأي متصل كان.
رأي شركات التسويق
في المقابل ترى شركات التسويق الهاتفي أن تواصلها مع العميل حق لها يجب أن تلتزم به وفق معايير تضمن عدم إزعاج العميل والحصول على موافقته في عرض المنتج في بداية المحادثة.
وتؤكد علياء محمد، مسؤولة بإحدى شركات التسويق عبر الهاتف، أن عملية استخدام الهاتف للترويج عن المنتجات والسلع المختلفة أصبحت ضرورة تفرضها متطلبات الحياة العصرية، والتي تستلزم سرعة التواصل بين العملاء المحتملين ومندوبي المبيعات، وإذا كان هناك تجاوزات من البعض، فيجب عدم تعميم المشكلة على عملية التسويق برمتها، موضحة أن مندوب التسويق يجب أن يسأل العميل في بداية المكالمة إذا ما كانت ظروفه تسمح بتلقي المكالمة أم أن ظروفه لا تسمح، وعندها يعتذر المندوب أو المندوبة وتُنهى المكالمة، وأحياناً يسأل العميل إذا ما كان على استعداد لاستقبال المكالمة في وقت آخر يحدده العميل بنفسه أم أنه غير مهتم ووقتها يتوقف الاتصال بالعميل، وبالتالي لا يوجد أي انتهاك للخصوصية مادام العميل تفهم طبيعة عمل المندوب.
وأشارت علياء إلى أن بعض العملاء لا يستوعب طبيعة عمل مندوب التسويق وينفعل عليه، وأحياناً يقوم بسبه ليس بسبب خطأ المندوب، ولكن لظروف خاصة بالعميل وضغط يمكن أن يمر به العميل قبل اتصال المندوب مباشرة، ونحن نتفهم ذلك ونعتذر ولا نكرر الاتصال بالعميل مرة أخرى. وردت علياء على عمليات بيع بيانات العملاء بين الشركات، موضحة أن قسم التسويق الهاتفي لا يعلم شيئاً عن الأرقام التي تصل إليه، نظراً لوجود قسم مختص بتوفير هذه الأرقام، وأحياناً تكون مجرد أرقام من دون أسماء، وهذه النسخة يتم توزيعها على جميع مندوبي التسويق في الشركة، وهذا ما يوضح سبب اتصال أكثر من شخص للشركة نفسها بالعميل نفسه رغم اعتذاره عن تلقي المكالمة أو أنه غير مهتم بالمنتج والسلعة المعروضة عليه، إلا أن هذه المعلومة سجلها المندوب الذي تواصل معه ولا يعلمها بقية المندوبين، ويمكن حل تلك المشكلة إذا ما قامت الشركات بعمل نظام مباشر يربط جميع المندوبين ببعضهم بعضاً.
«اقتصادية أبوظبي»: الإغلاق للشركات المخالفة
أكد محمد منيف المنصوري، المدير التنفيذي لقطاع الشؤون التجارية في دائرة التنمية الاقتصادية بأبوظبي، أن «اقتصادية أبوظبي» تلقت 5 شكاوى وقامت بدراساتها وأصدرت مخالفة واحدة و4 إنذارات بحق المخالفين لقرار منع التسويق الهاتفي، مؤكدة أن التسويق عبر الهاتف أسلوب غير حضاري في التسويق، ويتسبب في إزعاج المستهلكين وانتهاك خصوصيتهم من خلال الاتصال في جميع الأوقات دون مراعاة لظروف ومتطلبات المستهلك، فضلاً عن الإلحاح الشديد في عرض الخدمات، حتى في حال رفض المستهلك الاستمرار في المكالمة أو عدم الرغبة في اقتناء المنتج أو الخدمة، بالإضافة إلى تكرار الاتصال بالمستهلك على الرغم من رفض الخدمة أو العرض مسبقاً.
وأشار المنصوري إلى أن الدائرة عملت على فرض عقوبات رادعة للشركات المخالفة من أجل القضاء على هذه الظاهرة بالكامل، موضحة أن العقوبات تشمل غرامات مالية تتراوح بين 3 آلاف و10 آلاف درهم، وتصل إلى حد الإغلاق على المنشآت التجارية المخالفة التي تمارس التسويق عبر الاتصال الهاتفي في الإمارة، حيث تعتبر مخالفة للتعميم الذي أصدرته الدائرة بمنع التسويق عبر الاتصال الهاتفي.
وحدد المنصوري القنوات الخاصة بتلقي الشكاوى المتعلقة بالتسويق الهاتفي، وذلك من خلال قنوات التواصل الخاصة بمركز اتصال حكومة أبوظبي أو من خلال منصة «تم» الحكومية، موضحاً أن قرار منع ممارسات التسويق عبر الهاتف في الإمارة، جاء بعدما تزايدت الشكاوى خلال الفترة الأخيرة من العديد من فئات المجتمع من مواطنين ومقيمين حول التسويق الهاتفي، وهو ما سبب لهم إزعاجاً بسبب اتصال مندوبي التسويق في كل الأوقات تقريباً، كما أن بعض هؤلاء المندوبين يستجدون المستهلك، ويقومون بإلحاح شديد لعرض منتجاتهم أو خدماتهم بشكل ينتهك خصوصية المستهلك، إضافة إلى أن بعض الأنشطة التسويقية عبر الهاتف تتم بغرض الاحتيال والنصب.
حاجز بين الجمهور والمنتجات
يؤكد الخبير الاقتصادي محمد المهري أن شركات التسويق الهاتفي تتعدد بشكل كبير ما بين تسويق عقاري واستثماري وبورصة بجانب البنوك، بخلاف شركات بيع الخدمات التي تكون للأسف أغلبها شركات نصب تعرض منتجات بأسعار مبالغ فيها وغير مضمونة، والأمثلة على ذلك كثيرة.
وأضاف المهري أن مشاكل هذه الشركات ليست في مندوبي التسويق، بل في مديري وأصحاب هذه الشركات الذين دربوا المندوبين وأعطوهم التوجيهات بضرورة تحقيق نتائج إيجابية ومبيعات تضع المندوب تحت ضغط نفسي كبير، فيضطر إلى الإلحاح والضغط على العميل، فتكون النتائج عكسية والآثار سلبية.
وتناول المهري الخطوات الواجب اتباعها للحماية من هذه الشركات عن طريق عمل حجب للأرقام، وبعدها التهديد بالشكوى ومحاسبتهم، وأيضاً الاعتذار بمجرد الكشف عن نفسه، وأنك غير مهتم، وفي حالة اهتمامك بالمنتج وليس لديك الوقت يمكن الطلب منه مراسلتك على الإيميل أو الـ«واتس»، وهذا حل يمنع الإزعاج.
وأشار المهري إلى أن الآثار السلبية لشركات التسويق الهاتفي تسببت في وجود حاجز بين الجمهور ومنتجات هذه الشركات بسبب كثرة الإزعاج، وبين أن هناك مشكلة كبيرة، وهي بيانات العملاء وتفاصيلهم كافة والتي يتم بيعها للجهات المختلفة دون معرفة الشخص نفسه، لذلك يجب على كل شخص يتعرض لهذه الاتصالات إلى الشكوى مباشرة حتى تتعرض الشركات لغرامات عديدة تحد من هذه الظاهرة وتمنعها.
وطالب المهري بقية الدوائر الاقتصادية في أنحاء الدولة كافة أن تتخذ الخطوات نفسها التي قامت بها «اقتصادية أبوظبي» بمعاقبة الشركات المخالفة وتغريمها، وقتها ستمتنع عن الاتصال وانتهاك خصوصية العملاء والأفراد، مؤكداً ضرورة البحث عن وسال دعائية أخرى أكثر ابتكاراً لا تسبب إزعاجاً للعميل، وهو ما يعيد العميل مرة أخرى الارتباط بهذه المنتجات.
واعتبر أن تكاتف الجميع من وسائل الإعلام والاستشاريين الاقتصاديين، وعمل برامج توعية في مختلف الوسائل لتوعية الجمهور بسلبيات هذه الظاهرة، وكيفية التعامل معها، ستحد من الآثار السلبية والإزعاج المستمر لهذه الشركات.
حبس وغرامة
أكد المحامي علي الحمادي أن القانون شدد على ضرورة احترام خصوصية الأفراد والجمهور ووضع العقوبات التي تحد من أي انتهاك للخصوصية أو الاستغلال السيئ للموارد المتاحة بشكل يمثل ضرراً للآخرين، موضحاً أن المادة 72 مكرر 3 تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبالغرامة التي لا تزيد على «50.000» (خمسين ألف درهم) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استغل أو استخدم خدمات الاتصالات في الإساءة أو الإزعاج أو إيذاء مشاعر الآخرين أو لغرض آخر غير مشروع.
شروط ومعايير
أكد محمد عيسى، اختصاصي تسويق، أن عملية التسويق الهاتفي تتطلب معايير عدة وشروطاً يجب توفيرها من أجل نجاح العملية، موضحاً أن التسويق الهاتفي الناجح يعتمد على معايير عدة، يتم تدريب العاملين فيها بشكل مدروس، أهمها تحديد الجمهور المستهدف في التسويق الهاتفي، وأيضاً توضيح المنتج من خلال تقديم عرض مختصر عن المنتج، وكذلك الاهتمام بتوافر البيانات الصحيحة ومعرفة اسم العميل الصحيح، وأهم شرط في الشروط اختيار الوقت المناسب لأن ذلك أساس نجاح عملية التسويق، ويجب أن يعتذر المندوب إذا اتصل في وقت غير مناسب دون إلحاح أو ضغط، وأخيراً تدوين كافة ملاحظات العميل حتى تتم الاستفادة منها بعد ذلك.
وبين عيسى أن هذه المتطلبات للأسف لا يلتزم بها أغلب مندوبي التسويق الهاتفي، وهذا ما تسبب في وجود انطباع سيئ عن مندوبي التسويق، لذلك يجب البحث عن حلول لتلافي تلك المشاكل، ومنها إرسال رسائل نصية إذا ما كان يرغب العميل في هذه السلعة أو المنتج بإعادة إرسال رسالة ليقوم بعدها مندوب التسويق بالاتصال على العميل واستعراض المنتج بناء على رغبة العميل ودون انتهاك لخصوصيته.