طه حسيب (دبي)
بمناسبة اليوم العالمي للمياه، نظم مركز تريندز للبحوث والاستشارات، في مركز دبي للمعارض ندوة بعنوان: «مستقبل الأمن المائي: التحديات وفرص التعاون»، شارك فيها كوكبة من الخبراء والباحثين والمتخصصين، وتضمنت هذه الندوة، التي يُسدل بها «تريندز» الستار على سلسلة فعالياته في «إكسبو دبي 2020»، ثلاث جلسات نقاشية رئيسية، ركزت الأولى على تحديات حوكمة المياه وإدارتها، وناقشت الثانية نهج الإمارات لضمان الأمن المائي، مسلطةً الضوء على استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036، بينما تناولت الثالثة العلاقة بين الحوكمة ودبلوماسية المياه، والأدوات التي توفرها دبلوماسية المياه لتقليص التركيز على الموارد الطبيعية المتنازع عليها.
قضية الأمن المائي ترتبط بالأمن الغذائي وما يترتب عليه من تحديات أهمها: التغير المناخي وتداعيات «كورونا» والفقر، ما يستوجب التعاون الدولي لمواجهة هذه القضية.
تحدي شح المياه
أكد الشيخ الدكتور ماجد القاسمي شريك ومؤسس شركة سوما ماتر، في الكلمة الرئيسية للندوة، أن منطقة الشرق الأوسط تشترك في نقطتين هما: اللغة العربية وشح المياه، إذ تمثّل الأراضي القاحلة، والمناخ الصحراوي، وتحدي المياه العذبة تحدياً مشتركاً بالنسبة لكل هذه البلدان. وأشار القاسمي إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة انتقلت خلال فترة 50 عاماً ونيفاً، من العيش في مجتمعات داخل حدود بيئتنا، إلى نعمة الوصول إلى مياه وفيرة ساعدتنا على النمو الاقتصادي السريع، ووجدنا أنفسنا نعود إلى طرق أسلافنا القديمة، حيث تُستخدم الأفلاج، في العين، وأنواع أخرى من القنوات لنقل المياه إلى المجموعات السكانية، وكان هناك احترام كبير لهذا المورد المائي وصيانته والمحافظة عليه.
وأضاف القاسمي: مع حوكمة المياه، ننظر في الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية لضمان وصول مواردنا المائية إلى كل الأطراف المعنية: المجتمعات التي تعيش حول موارد المياه، وتلك التي تحتاج إلى موارد المياه. وأكد أننا جميعاً نريد ضمان القدرة على المحافظة على المياه وتأمينها للمستقبل القريب والبعيد. ولمواجهة هذا التحدي في منطقة تدعم استخدام المياه وتشجعه، ينبغي علينا أن نفكر في كيفية تطوير آليات تجعلنا نتعاطى مع التكلفة الحقيقية للمياه، وضمان تبني الدول والشركات والأفراد فعّالية أحسن في أنماط السلوك بخصوص الطلب على الماء، مع الحرص في الوقت نفسه على التحوط والاستعداد للصدمات المفاجئة لاقتصادنا ومجتمعنا.
هذه الصدمات - يقول القاسمي- يمكن أن تأتي بأشكال عدة، بعضها من صنع أيدينا وبعضها الآخر لا سلطة لنا عليه. وعلى سبيل المثال، فإن الحروب وتغير المناخ قد تكون لها أسباب مختلفة، ولكنها جميعها لديها القدرة على التأثير بشكل كبير على الأمن المائي.
إن الوصول إلى مياه الشرب النظيفة والآمنة يمثّل حقاً كونياً وأولوية الأمن المائي الأولى. ثم يليه الصرف الصحي، والزراعة، ثم كل الأنشطة الاقتصادية الأخرى. ولكي تزدهر بلداننا، يجب تأمين الماء في كل واحد من هذه المستويات.
ولفت القاسمي الانتباه إلى أنه في منطقتنا تمثِّل المياه الجوفية الاختيار الأول بالنسبة للمياه العذبة. غير أن هذا جعلنا نستخدم ونستهلك بكثافة ما يعتبر في الحقيقة احتياطياً طبيعياً محدوداً جداً. كما أن البدائل الحالية لتوليد المياه العذبة تعتمد اعتماداً كبيراً على الطاقة والبنية التحتية الباهظة. ومع ذلك، فإن هذا لا يضمن أمناً مائياً من ناحية اقتصادية.
ونوّه القاسمي بأن الإمارات لديها استراتيجية للأمن المائي تهدف إلى تقليص إجمالي الطلب على الماء بنسبة 21 في المئة، وزيادة إنتاجية المياه، وزيادة إعادة استخدام المياه المعالَجة إلى 95 في المئة، وزيادة سعة التخزين الوطنية للمياه.
استدامة الحياة
وقال الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، في الكلمة الترحيبية للندوة، إن انعقاد هذه الندوة جاء بالتزامن مع احتفال «إكسبو 2020 دبي» بأسبوع المياه موضحاً أن الأمن الغذائي يعتمد كلياً على الأمن المائي، وأي تنمية مستدامة لا تتم في غياب الأمن المائي.
وحسب العلي هناك تقديرات تؤكد أن العالم سيحتاج سنوياً إلى 114 مليار دولار لتحقيق هدف الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي بأمان بحلول نهاية هذا العقد.
ضغوط على المياه
وركزت الجلسة الأولى التي حملت عنوان: «حوكمة المياه: التحديات والعقبات»، والتي أدارتها نوفر رمول الإعلامية في مؤسسة دبي للإعلام، على تحديات حوكمة المياه وإدارتها.
الأمن المائي الحضري
استهل الجلسة الدكتور حسن أبوالنجا، نائب رئيس منتدى الشرق الأوسط للمياه في ألمانيا، مؤكداً أن الأمن المائي الحضري من أكبر التحديات في العديد من الدول العربية التي تتميز بأنها المنطقة الأكثر ندرة في المياه عالمياً، فجميع الدراسات الحديثة التي ركزت على قياس الأمن المائي الحضري ليست شاملة، مضيفاً أننا نحتاج إلى تعظيم الاستفادة من التكنولوجيا والرقمنة في استهلاك المياه وإدارتها، مع تطبيق التدابير الاحترازية للحماية من الهجمات السيبرانية، ووضع سياسات وحلول تقي من تسرب المياه في الشبكات.
حوكمة المياه
وأكد الدكتور أسيت ك. بيسواس، أكاديمي وأستاذ زائر بجامعة غلاسكو، ومدير الشركة الدولية المحدودة لإدارة المياه في سنغافورة، والرئيس التنفيذي لمركز العالم الثالث لإدارة المياه في المكسيك، أن دول المنطقة لا تشهد شح مياه، ولكنها تعاني مشكلة إدارة المياه وحوكمتها، مشيراً إلى أن قطاع المياه المدنية يعاني مشكلة استخدام وعدم ترشيد؛ لأن سكان المنطقة يستهلكون أعلى معدل من المياه عالمياً، إذ يستهلك الفرد منهم بين 700 إلى 1.200 لتر من المياه يومياً، فيما يحتاج الفرد ليعيش حياة مزدهرة إلى 75 لتراً من المياه فقط، مبيناً أن ما نسبته 35 إلى 45% فُقد في شبكات المياه بالمنطقة. ونوه بأن تحقيق التوازن بين الأمنين المائي والغذائي يحتاج إلى ترشيد الاستهلاك والتعاون، فليس ثمة دولة قادرة على تحقيق الأمن الغذائي بمفردها، مستشهداً بسنغافورة التي تستورد 90% من احتياجاتها الأساسية، ما دفعها لوضع خطة استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي بحلول عام 2030، لتغطي 30% من احتياجاتها ذاتياً.
التغير المناخي
أكدت سيسيليا تورتاجادا، أستاذة الابتكار البيئي بكلية الدراسات متعددة التخصصات بجامعة غلاسكو، أن النمو السكاني والاقتصادي، والتوسع الحضري، وندرة الموارد، والتغير المناخي، كلها عوامل ساعدت على زيادة الضغط ليس فقط لتلبية متطلبات المياه، ولكن لتلبية متطلبات الطاقة والغذاء للسكان أيضاً.
ابتكار الحلول
ورأت جانا إلكوفا المتخصصة في الابتكار واستراتيجية النظم البيئية، أن قضية التغير المناخي بدأت تلقي بظلالها على الأمن المائي، وتفاءلت بأن لدى المبتكرين القدرة على إيجاد الحلول لمواجهة قضية شح المياه، فالمغرب مثلا تمتلك تجربة جيدة الحصول على المياه من استمطار الضباب والسحب.
حلول ومقترحات
وحملت الجلسة الثانية عنوان: «معالجة الأمن المائي: الحلول والمقترحات دروس مستفادة من دولة الإمارات العربية المتحدة»، وأدارتها علياء العوضي الباحثة في «تريندز»، وركزت على استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036، وتحلية المياه، وتلقيح السحب، ومخزونات المياه الجوفية.
تحلية واستمطار
وأشار الدكتور حسني غديرا، مدير إدارة الخدمات البحثية بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إلى أن معظم مصادر المياه في منطقة الخليج العربي تأتي من مياه البحر التي تجري تحليتها وتنقيتها في المحطات الحديثة. كما قررت الإمارات، ملء خزانات المياه الجوفية المبتكرة لتصبح مخزونا استراتيجيا يغطي الاحتياجات الأساسية لمدة 90 يوماً، إضافة إلى مشاريع تلقيح السحب والاستمطار.
تكامل الأدوار
وأكد الدكتور شهاب العامري، مدير قسم الأصول المائية في شركة أبوظبي للنقل والتحكم «ترانسكو»، على ضرورة الاستفادة من التقدم التكنولوجي في أنظمة إدارة المياه، مضيفاً أن إمارة أبوظبي أنشأت واحداً من أكبر الخزانات الجوفية ضمن جهودها لتعزيز أمنها المائي.
حماية المياه الجوفية
تحدث عمر سيف مستشار المدن الذكية والمستدامة والمرنة في شركة «دبليو اس بي»، عن العلاقة بين المياه والطاقة والغذاء في الإمارات من حيث صلتها بأمن المياه الجوفية والأمن الغذائي، وقال إن هناك الكثير من الدروس المستفادة من جهود الإمارات لتحقيق الأمن المائي بالاستناد على سياسات ناجعة: فسياسة الصمود والمرونة تقوم على استراتيجيات لتحلية المياه وتنويع مصادر المياه، أما الاستدامة والاستمرارية فتتحققان بتنويع مصادر الطاقة الكهربائية وتقليص الفجوة بين الماء والغذاء، بينما تظهر الحوكمة عبر الدمج بين وزارات المياه والطاقة التي أدت إلى تضافر الجهود وترشيد الاستهلاك وتقليل الهدر المائي، مؤكداً أن تحقيق الأمن المائي يحتاج إلى استراتيجية وسياسة زراعية جيدة وفعالة، تعتمد على تعزيز الاستدامة وتوظيف التكنولوجيا، وتمكين إنتاج الغذاء المحلي المستدام.
استراتيجية مستدامة
من جانبه، أشار فيصل علي راشد، مدير أول إدارة الطلب على الطاقة في المجلس الأعلى للطاقة بدبي، إلى أن المياه تشكل جزءاً حيوياً من استراتيجية دبي المستدامة لإدارة الطلب على الطاقة، مضيفاً أنه توجد فرصة لتحقيق الاستخدام الأمثل لموارد المياه المحلية وتحسينها، ما يقلل تكلفة تشغيل وحدات جديدة وإنشائها لتحلية المياه في أفق عام 2030، وهذا ما تركز عليه استراتيجية دبي، مضيفاً أن من أهم الفوائد النهائية للاستراتيجية المتكاملة لإدارة الموارد المائية في دبي تتمثل في: خفض استهلاك الفرد من المياه المحلّاة والتكلفة المرتبطة بذلك.
التعاون ودبلوماسية المياه
وحملت الجلسة الثالثة والأخيرة عنوان: «الأمن المائي في النظم المائية العابرة للحدود: التعاون ودبلوماسية المياه»، وأدارها الدكتور كريستيان ألكساندر، رئيس قسم الدراسات الاستراتيجية، في «تريندز».
ودعا «لويك شاربينتير»، مدير سياسة الابتكارات المائية في مؤسسة مياه أوروبا ببروكسل، جميع المستفيدين من الأنهار العابرة للحدود الالتزام بجودة المياه وكمياتها والحفاظ على الأنهار من التلوث.
انخفاض جودة المياه
أكدت الدكتورة فرح حجازي، الباحثة في برنامج التغير المناخي والمخاطر ب«معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام»، أن أفريقيا تشهد انخفاضاً في مستوى جودة المياه بسبب السحب الجائر من الموارد المائية، مما يؤدي إلى نشوء النزاعات بين دول القارة. ونبهت إلى أن مشكلة تلوث المياه الجوفية أصبحت متفاقمة في منطقة حوض بحر الغزال التي تقع بين جنوب السودان وأفريقيا الوسطى، مشددة على أهمية تحسين قدرة الدول الأفريقية على حل النزاعات البينية كمدخل مهم لإدارة مشاكل المياه في القارة.
موارد الماء النهرية
استنتج أشوك سوين أستاذ ورئيس قسم بحوث السلام والنزاعات في جامعة أبسالا - السويد، أستاذ كرسي «اليونسكو» للتعاون المائي الدولي، أن دول الأنهار العابرة للحدود تحتاج إلى استخدام دبلوماسية ذكية لإدارة قضية المياه، بما يسهم في تعزيز التعاون وتخفيف النزاعات المائية. وأكد أن المياه ينبغي أن تساهم في صنع السلام وليس الحروب، وينبغي أن يكون للقيادات السياسية دوراً مهماً في تسوية النزاعات المائية من خلال الحوار.
نزاعات تنهك البيئة
واختتمت أعمال الجلسة الثالثة، هاسميك بارسيغيان، رئيسة برلمان الشباب الأوروبي من أجل المياه، ومديرة طاقة المستقبل بمجلس الطاقة العالمي، قائلة إن ارتفاع درجات الحرارة العالمية المستمر سيؤدي إلى جفاف وشح الموارد المائية، ما يهدد الأمن الغذائي. كما أن التغير المناخي يؤدي بدوره إلى تعظيم هشاشة الوضع الغذائي العالمي، ويعزز من النزاعات والصراعات المسلحة بسبب نقص المياه، ما سينعكس على الوضع الصحي والاقتصادي الإقليمي والعالمي.
رؤى وتصورات بناءة
وفي ختام الندوة، أكدت سمية الحضرمي مدير إدارة المؤتمرات والاتصال الاستراتيجي في «تريندز»، أهمية تعزيز الحوار العالمي البناء كأساس لتحقيق الأمن المائي المستدام للشعوب والمجتمعات كونه أحد أهم التحديات المستقبلية.