أحمد مراد، أحمد عاطف (القاهرة)
يعتز أبناء الشعب السعودي بجذورهم الراسخة الضاربة في عمق التاريخ والجغرافيا، وارتباطهم بقيادتهم منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، ويتجلى هذا الارتباط اليوم احتفالاً بـ«يوم التأسيس»، الذي تحتفل به المملكة للمرة الأولى، كرمز للعمق التاريخي والثقافي والحضاري، منذ وضع اللبنة الأولى لتأسيس المملكة عام 1727 م الموافق 1139 هـ.
ويوم التأسيس يوم يجدد فيه السعوديون اعتزازهم بالجذور الراسخة للدولة السعودية، والارتباط الوثيق بينهم وبين قادتهم، والتمسك بما أرسته المملكة من الوحدة والاستقرار والأمن، والفخر بحضارة الدولة السعودية.
ويقول خبراء وأساتذة تاريخ، إن الاحتفاء بـ«يوم التأسيس» في المملكة العربية السعودية هو احتفاء بدولة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ والجغرافيا، لافتين إلى أنها كانت هي الأساس الذي تشكلت من خلاله وحدة أبناء الجزيرة العربية في تاريخها الحديث بعد أن عانت لعقود الشقاق والنزاعات.
وأضاف الخبراء لـ«الاتحاد»: إن إعلان المملكة العربية السعودية بالاحتفال بذكرى «يوم التأسيس» لا ينفصل عن هذا النهج الثابت في تعزيز الوحدة ونبذ الفرقة، موضحين أن المملكة قوة اقتصادية كبرى لا يستهان بها في الاقتصاد العالمي، إضافة لدورها الإقليمي الداعم للأمن والاستقرار.
من جانبه، قال أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة الدكتور محمد عفيفي: إن ملوك السعودية المؤسسين نجحوا في تكوين قوة عظمى، ودولة كبرى عندما قضوا على الخلافات والنزاعات الإقليمية ووحدوا القبائل السعودية تحت راية دولة واحدة، موضحاً أن فكرة تجميع القبائل في كيان واحد أمر تاريخي عظيم يحسب لهم، ويقف عنده التاريخ طويلاً؛ لأنه وضع نقطة فاصلة في تاريخ المنطقة العربية، وغيّر وجه التاريخ منذ ذاك اليوم.
وأضاف عفيفي لـ«الاتحاد»: إن توحيد السعودية كان قبل ظهور الثروات البترولية، أي أن الذهب الأسود ليس سبب توحيد والقبائل السعودية المختلفة، وإنما قوة الرغبة في الوحدة والالتفاف حول القيادة في دولة قوية كانت الدافع الحقيقي وراء تأسيس الدولة السعودية.
حقب تاريخية
وتعود جذور يوم التأسيس إلى حقب تاريخية عديدة منذ أن استقرت قبيلة بني حنيفة، إحدى القبائل العربية القديمة، في وسط الجزيرة العربية خلال مطلع القرن الخامس الميلادي، الأمر الذي ترتب عليه تأسيس مملكة اليمامة التي أصبحت جزءاً من الدولة النبوية، وكان استقرار بنو حنيفة متركزاً في منطقة العارض في نجد، وخاصة في وادي حنيفة.
وخلال منتصف القرن التاسع الهجري، الموافق 1446 ميلادياً، تمكن الأمير مانع بن ربيعة المريدي الحنفي من العودة إلى منطقة وسط الجزيرة العربية التي سكنها أسلافه، ونجح في تأسيس مدينة الدرعية، والتي أصبحت فيما بعد نقطة الانطلاق نحو تأسيس الدولة السعودية الأولى.
وأكد أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة أن ظهور الثروة البترولية كان الفصل الثاني في حياة الدولة السعودية، حيث شكل الطفرة التي غيرت نمط الحياة ونمط التعامل بين المملكة العربية السعودية والبلدان المحيطة بها، سواء المحيط العربي أو العالمي.
ويقول عفيفي، إن الثروة البترولية وضعت السعودية في قلب السوق العالمي، وجعلتها قوة اقتصادية كبرى لا يستهان بها، لافتاً إلى أن قادة المملكة، منذ اكتشاف النفط، دأبوا على استغلاله في تعزيز النهضة العمرانية والاقتصادية في المملكة، ونجحوا في بناء وتأسيس حضارة عملاقة من الدرعية إلى الرياض.
والسعودية قوة إقليمية في موقعها العربي والعالمي، ولا يمكن لمستقبل المنطقة العربية أن يكون واضحاً من دون أن تشارك المملكة في رسمه، بحسب عفيفي.
مرحلة جديدة
وعلى مدار أكثر من 280 عاماً، تعاقب أبناء وأحفاد الأمير مانع بن ربيعة المريدي الحنفي على حكم إمارة الدرعية، وبعدها كانت الدرعية على موعد مع مرحلة جديدة في تاريخها بدأت عندما تولى الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن مقاليد الحكم فيها خلال منتصف عام 1139 هـ، الموافق لـ 22 فبراير من عام 1727م، حيث نجح الإمام محمد بن سعود، بمجرد وصوله إلى سدة الحكم، في تأسيس الدولة السعودية الأولى، واتخذ من مدينة الدرعية التي تبعد عن الرياض بـ 20 كيلومتراً عاصمة لدولته.
وفي أعقاب الإعلان عن تأسيس الدولة السعودية الأولى، شرع الإمام محمد بن سعود، المولود في الدرعية خلال العام (1090 هـ / 1679 مـ)، إلى وضع الدعائم الأساسية للدولة الوليدة. وعمل على تأسيس روابط وأركان الوحدة فيها، رافعاً شعار «الوحدة والتآلف»، وبدأ مهمته بمدينته الدرعية، ووحد شطريها، وجعلها تحت حكم واحد، وساعده في هذا الشأن معرفته التامة بالدرعية وتاريخها، حيث نشأ وترعرع فيها، وكان مشاركاً في الأحداث أثناء عهد جده وأبيه عندما توليا إمارة الدرعية، الأمر الذي أكسبه خبرة كبيرة في أصول وشؤون الحكم، فضلاً عن تمتعه بحس إداري، ونظرة مستقبلية لإنشاء حضارة مزدهرة.
ويشير الباحث والمحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي إلى أن احتفال المملكة العربية السعودية بيوم التأسيس في 22 فبراير لتخليد اليوم الذي أسس فيه الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى، يأتي ترسيخاً لتاريخ مُمتد منذ ثلاثة قرون.
وأضاف مبارك لـ «الاتحاد»: إن يوم التأسيس يُعد ذكرى وطنية وفخراً للمملكة العربية السعودية يستحضر من خلالها الأحفاد تضحيات الآباء والأجداد، وما أبدوه من تحديات في سبيل بناء وطن يمتد تاريخه لثلاثة قرون، لافتاً إلى أن الدولة السعودية تُعتبر دولة ممتدة عبر تاريخها. وأوضح مبارك أن المملكة هي الأساس الذي تشكلت من خلاله وحدة أبناء الجزيرة العربية في تاريخها الحديث.
حداثة
ساهمت الدولة السعودية الأولى في إرساء مبادئ الأمن في الجزيرة العربية، واستمرت مجهوداتها في التوحيد والصمود حتى عام 1824، حيث أعلن الإمام تركي بن عبد الله بن سعود تأسيس الدولة السعودية الثانية والتي أسسها الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود وعرفت بـ«إمارة نجد»، واتخذت من الرياض عاصمة لها، واستمرت حتى عام 1891. ثم جاء مؤسس الدولة السعودية الحديثة، والملك عبد العزيز آل سعود الذي أعلنها للعالم أن القبائل التي مرت بثلاث مراحل من التوحيد أصبح لها دولة تعرف باسم المملكة العربية السعودية.
ويؤكد الباحث والمحلل السعودي خالد مجرشي أنه بتتابع الملوك على السعودية حتى وقتنا الحالي، والجميع يسير على نهج الحكام الأوائل الذين جمعوا الأقاليم المتنازعة وحولوها إلى دولة تضاهي أقوى الدول في الحداثة والوحدة والقوة.
وأضاف مجرشي لـ«الاتحاد»: إن الاحتفال بـ«يوم التأسيس» له أهمية كبرى، فمنذ ذلك اليوم تشهد المملكة ملاحم في التطوير الداخلي وتحسين حياة السعوديين، إضافة إلى أنها دولة عصرية متقدمة ذات جذور تاريخية تفخر بالماضي وتستعين به لتستشرف الحاضر والمستقبل.
بعد مرور 10 أعوام على انتهاء الدولة السعودية الثانية، وبالتحديد في الخامس من شوال عام 1319 هجري، الموافق للخامس عشر من يناير عام 1902 ميلادي، أسس الملك السعودي الراحل، عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، الدولة السعودية الثالثة بعدما تمكن من استعادة الرياض، عاصمة أجداده، والعودة بأسرته إليها.
وبعدها واصل الملك عبدالعزيز آل سعود كفاحه على مدى 30 عاماً من أجل توحيد دولته، حيث تمكن من ضم جنوب نجد وسدير والوشم عام 1902، وبعدها تمكن من ضم القصيم في عام 1904، ثم الأحساء في 1913، وعسير عام 1919، وحائل في 1921، بعدها تمكن من ضم منطقة الحجاز عام 1925.
وفي 1930، اكتمل توحيد منطقة جازان، وبعدها بعامين، وبالتحديد في 23 سبتمبر 1932، أصدر الملك عبدالعزيز آل سعود مرسوماً ملكياً برقم 2716 للإعلان عن توحيد المملكة، وتحويل اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد إلى المملكة العربية السعودية، وهو ما يوافق اليوم الوطني السعودي الذي تحتفل به المملكة في 23 سبتمبر من كل عام.
إنجازات
نجح الإمام محمد بن سعود في تنظيم الأوضاع والموارد الاقتصادية للدولة السعودية الأولى، وحقق إنجازات عديدة في مجال التوسع في البناء، وتنظيم أسوار الدرعية، وأقام حياً جديداً في منطقة سمحان، وهو حي الطرفية، ونقل إليه مركز الحكم بعد أن كان حي غصيبة هو مركز الحكم لفترة طويلة.
وتوالت الإنجازات والنجاحات في عهد مؤسس الدولة السعودية الأولى، ومنها نشر الاستقرار في الدولة التي شهدت استقراراً كبيراً وازدهاراً في مجالات متنوعة، فضلاً عن الاستقلال السياسي وعدم الخضوع لأي نفوذ في المنطقة أو خارجها، وأصبحت مدينة الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومصدر جذب اقتصادي، واجتماعي، وفكري، وثقافي، وقد هاجر الكثير من علماء الدول العربية والإسلامية إلى الدرعية من أجل تلقي التعليم الذي كان سائداً في وقتها، وخلال هذه الفترة ظهرت مدرسة جديدة في الخط والنسخ.
واحتضنت الدولة السعودية الأولى العديد من المعالم الأثرية العريقة، مثل: حي غصيبة التاريخي، ومنطقة البجيري، وسوق الدرعية، وحي الطريف الذي وُصف بأنه من أكبر الأحياء الطينية في العالم، وسُجل في قائمة التراث الإنساني في منظمة «اليونسكو».
ولفت الباحث والمحلل السياسي السعودي، إلى أن كل أمة من الأمم يحق لها أن تفخر بتاريخها وتحتفي به وتعيد التذكير به، وإعلان المملكة العربية السعودية عن ذكرى «يوم التأسيس» لا ينفصل عن هذا النهج الذي يسعى لتأصيل امتدادات الدولة السعودية الضاربة في جذور التاريخ.
وأكد مبارك آل عاتي أن يوم التأسيس لن يكون بديلاً لليوم الوطني الذي يحتفل به في 23 سبتمبر، وهو ذكرى يوم توحيد المملكة العربية السعودية، أما يوم التأسيس فهو يوم تأسيس الدولة السعودية قبل 300 عام.
مكانة حضارية
على مدى العقود التسعة الماضية، تولى حكم المملكة العربية السعودية 7 ملوك، بداية من المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، الذي استمر في الحكم حتى 1952، ثم الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود الذي استمرت فترة حكمه من 1953 وحتى 1963، ثم الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود الذي حكم المملكة من 1964 إلى 1974.
وبعدها جاء الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود الذي استمرت فترة حكمه من 1975 إلى 1981، ثم الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود الذي حكم المملكة خلال الفترة من 1982 إلى 2004، ثم الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الذي استمرت فترة حكمه من 2005 إلى 2014، وأخيراً الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي بدأ حكمه منذ عام 2015 إلى الآن.
وسار أبناء الملك السعودي الراحل، عبدالعزيز آل سعود، على نهج أبيهم للنهوض بالمملكة اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، وحضارياً، حتى أصبحت واحدة من أهم وأبرز الدول المحورية في العالم، وتحظى بمكانة حضارية مرموقة سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.