لمياء الهرمودي (الشارقة)
أكد عدد من التربويين أهمية غرس ثقافة الابتكار لدى النشء في مرحلة عمرية مبكرة، بما يعزز لديهم العناصر اللازمة لاكتشاف مواهبهم وطاقاتهم الابتكارية والإبداعية، خاصة في ضوء ما توليه قيادتنا الرشيدة لمحور الابتكار وتحويله إلى منهاج عمل يومي في مختلف مجالات الحياة. وأشاروا في تصريحات لـ«الاتحاد» إلى أن غرس بذور الابتكار في نفوس الطلبة والطالبات وبين المعلمين في المجتمعات المدرسية والأكاديمية، والتعليمية منهجية تتبعها دولة الإمارات العربية المتحدة، من أجل خلق أجيال قادمة تصنع مستقبلاً باهراً متطوراً تتجه إليه أنظار العالم أجمع. وتتصدر الإمارات عربياً في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2019. إذ يعتبر الابتكار من أهم المحاور الوطنية لرؤية الإمارات 2021، حيث تنشد الدولة من خلال ذلك تحقيق اقتصاد معرفي ومتنوع ومرن تقوده كفاءات إماراتية ماهرة، وتعززه أفضل الخبرات بما يضمن الازدهار بعيد المدى لدولة الإمارات وشعبها. ولفتوا إلى أن سياسات الابتكار في دولة الإمارات العربية المتحدة تهدف إلى تعزيز وسيلة مستدامة للاستثمار في الطاقات البشرية الإماراتية، وتحفيز النشاط الاقتصادي للدولة، بعيداً عن الاعتماد على النفط، بالإضافة إلى تعزيز القدرات التنافسية العالمية، وتحويل مفهوم الابتكار إلى عمل وثقافة مؤسسية فعّالة ودائمة في حكومة دولة الإمارات، فضلاً عن أن الابتكار يعتبر أداة حكومية تستهدف زيادة وتيرة الابتكار في أي اقتصاد، وحل مشكلات اجتماعية واقتصادية متنوعة مثل: انخفاض مستويات الإنتاجية، أو الموضوعات الاقتصادية المتعلقة بالطاقة، والبيئة، أو بالصحة.
قالت مجد الشيخ حسين مدير المدرسة الأميركية للإبداع العلمي في الشارقة: في المدرسة الأميركية للإبداع العلمي، نسعى لخلق البيئة المُلائمة لتنمية الابتكار والتميز، وتستمد المدرسة رؤيتها المنبثقة من الأجندة الوطنية لرؤية الدولة 2021، ولصناعة قادة مبتكرين يجب علينا أولاً الاهتمام بتنمية الابتكار بين طلبتنا ومعلمينا، فنحرص جاهدين على دعم الكادر التعليمي في إيجاد أساليب جديدة لخدمة العملية التعليمية، ما ينعكس بصورة مميزة على الطلاب في جميع المراحل، وذلك من خلال إطلاق العديد من المُبادرات وورش العمل المهنية على مدار العام، والتي نسعى من خلالها إلى غرس وتعزيز ثقافة واستراتيجيات التعلم الابتكاري المعاصر، مع الحفاظ على الأصالة والتراث.
من جهتها، أكدت سندس النجار مدير مدرسة المروج الإنجليزية الخاصة في الشارقة: انطلاقاً من أهمية الابتكار ودوره في رقي الأمم والدول عالمياً، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتشجيع كافة فئات المجتمع على الاكتشاف والابتكار وأولت عناية فائقة لأصحاب المواهب والعقول المفكرة والمكتشفة، لما في ذلك من دور كبير في تحقيق الاقتصاد التنافسي المعرفي الذي يحقق الاستدامة ويضمن ازدهاراً بعيد المدى لدولة الإمارات وشعبها، فوضعته محوراً أساسياً من محاور رؤية الإمارات والأجندة الوطنية 2021. وكوفئت جهود الدولة في هذا المجال بتحقيقها مركزاً متقدماً في مؤشر الابتكار العالمي وتصدرها جميع الدول العربية.
وأكدت على أهمية التعليم ومؤسساته ودوره في بناء المجتمع وتحقيق أهداف الدول، اعتبر الابتكار في المدارس جانباً أساسياً في معايير إطار تقييم أداء المدارس وانجازاتها، فأصبح ذلك المفهوم في التعليم أكثر من مجرد كلمة رنانة، بل وسيلة للتعلم والتعليم لما له من دور كبير في التشجيع على البحث والاستكشاف واستخدام مهارات التفكير العليا لحل المشكلات، وليس بالضرورة من خلال استخدام التكنولوجيا، بل من خلال إيجاد الحلول المبتكرة غير التقليدية والعملية لتلك المشكلات، مما يسهل عملية اندماج الطلبة في الحياة.
التفكير خارج الصندوق
بينما أكد إبراهيم بركة مدير عام مدارس الشعلة أن الابتكار يقوم بصورة أساسية على إيجاد حلول ذكية من خلال التفكير خارج الصندوق، فإن أكثر البيئات خصوبة لاحتضان الابتكار هي المدرسة وبالأخص المجتمع الطلابي فيها، لأن عقول الطلاب في هذه المراحل العمرية تكون منفتحة بحرية على الأفكار الإبداعية، غير متأثرة بالقيود المجتمعية التي قد تؤثر عليها لاحقاً في المراحل الأكثر نضجاً.
وقال: بالنسبة للمعلمين، فمما لا شك فيه أن الأجيال الحالية لم تعد تستهويها الأساليب التعليمية التقليدية، مهما كان المعلم متمكناً من مادته العلمية، لذا فلا بد له وأن يلجأ لاستراتيجيات مبتكرة في التدريس وتقييم أداء الطلبة وتطوير مهارات التعلم لديهم. ولتحقيق مبادئ الابتكار لا بد لقيادات المدارس بداية أن تتبنى فكر الابتكار وسياسة الباب المفتوح لاستقبال المبادرات الطلابية، وأن تخطط وتتابع إطلاق برامج ومبادرات مدرسية تنمي مهارات الابتكار لدى الطلبة، وتستقطب الأفكار المبدعة لديهم وتوجهها بصورة هادفة، حتى تترجم مبادئ الابتكار إلى واقع ملموس يحدث أثراً داخل وخارج البيئة المدرسية.
وعلى صعيد المعلمين، فقد أكدت رشا حسن رئيس الدارسات الاجتماعية والتربية الأخلاقية في المدرسة الأميركية للإبداع العلمي على إمكانية تحقيق وتنفيذ مبادئ الابتكار من خلال الاستناد إلى أبعاد ستة أساسية للابتكار في التعليم ومهارات القرن الحادي والعشرين وهي: التعاون وتفعيل مهارات التواصل والاتصال، وبناء المعرفة وتطوير التفكير الناقد، بالإضافة إلى التنظيم الذاتي والتقييم، وحل المشكلات بطرق ابتكارية جديدة، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعليم التكنولوجي.
بدورها، أكدت سناء محمود منسقة الدراسات الاجتماعية والتربية الأخلاقية على الآليات والاستراتيجيات التي يمكن اعتمادها لتشجيع الابتكار، وأبرزها تحويل الغرفة الصفية إلى ورش عمل كبيرة لصناعة الإبداع، حيث يشارك الطلاب في تصميم نواياهم التعليمية ومعايير نجاحهم. اعتماد فكرة الطالب المعلم أو المعلم الصغير: وهي إحدى الاستراتيجيات التي تسهم في تشجيع الابتكار وتساهم في رفع مستوى التعليم لدى الطلبة، حيث يسعى الطالب والمعلم إلى ابتكار طرق وأساليب واستراتيجيات تناسب أقرانه وتساعدهم في اكتساب معارف وعلوم جديدة، بالإضافة إلى إقامة المعارض الافتراضي، وهي طريقة ابتكارية عرض من خلال الطلاب مشاريعهم وتقديمها بأساليب مبتكرة مُقدمين الفرص للجميع لمشاهدة المشاريع والأعمال المميزة.
تصميم المستقبل 2071
وتبنت الدولة «البرنامج المهني لتصميم المستقبل 2071» والذي يستقطب نخبة من المواهب الشابة من خريجي الجامعات والكليات والمؤسسات الأكاديمية في دولة الإمارات والعالم، للتعاون مع دولة الإمارات في تصميم اقتراحات وأفكار رائدة لتصميم مستقبل الحكومات وتنمية المجتمعات. للاستفادة منها في صنع تغييرات جذرية على منظومة العمل داخل الحكومات، وإطلاق مشاريع استثنائية ومستقبلية لدولة الإمارات تماشياً مع خطة الخمسين.
وتأخذ الدولة خطوات ومبادرات مقدامة لتشجيع الابتكار، منها تأسس مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي عام 2014 لتحفيز ثقافة الابتكار، وتطوير العمل في القطاع الحكومي من خلال منظومة متكاملة، لتعزيز تنافسية حكومة دولة الإمارات بحيث تكون ضمن الحكومات الأكثر ابتكاراً على مستوى العالم. ومن إنجازات المركز، إطلاق منصة ابتكر التي تعد الأولى من نوعها باللغة العربية للابتكار الحكومي، وتهدف إلى تعزيز الكفاءات في العالم العربي وبناء جيل من المبتكرين العرب وقادة المستقبل. بالإضافة إلى إطلاق دبلوم الابتكار بالتعاون مع جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، وهو الأول من نوعه.
صناع المستقبل
وأكدت الطفلة موزة محمد الهوتي، منتسبة لمركز الطفل بخورفكان التابع «لأطفال الشارقة» على أن إطلاق منهج الابتكار في الدولة ساعد الأطفال على التفكير خارج الصندوق، وأطلق بصيرتهم للنظر إلى المستقبل من منظور مختلف ومتنوع، لإيجاد حلول وابتكارات تسهم في تطوير كل ما هو حولنا. وقالت: لقد شجعني الابتكار على تجربة مواهبي ومهاراتي في مختلف المجالات، لقد قمت بابتكارات متعددة منها مشروع «الطاولة الذكية» وابتكار فكرة القارئ الإلكتروني، وحصلت على وسام المبتكر الرقمي، وأنا سعيدة بذلك، ومتحمسة في أن أبتكر مشاريع أخرى تسهم في خدمة المجتمع.
بدوره، أكد الطالب على حميد اللوغاني، في الصف الخامس بالمدرسة الأميركية للإبداع العلمي، على أن الابتكار بالنسبة له ساهم في تنمية مهارة التفكير الإيجابي والتفكير خارج الصندوق، كما أن الابتكار يشجع الطالب على تعلم مهارات عديدة منها استخدام برامج البرمجة، والحاسب الآلي وبرامج الذكاء الاصطناعي والتوصيلات الكهربائية.
وقال: من أجل أن نبتكر يجب أن يكون لدينا مشكلة ونبحث عن حل لها بطريقة مبتكرة تساهم في حل هذه المشكلة والابتكار علمني الصبر، والبحث من أجل تحويل هذه الفكرة إلى شيء ملموس يخدم المجتمع، ونحن في دولة لا مستحيل، ودولتنا الغالية تقدم لنا كل الدعم من أجل تحقيق ما نطمح له، ومن خلال ابتكاراتي قدمت فكرة الدراجة التي تحول الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية، بالإضافة إلى ربوتات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وشاركت في العديد من المسابقات وحصلت على مراكز متقدمة، وهذا ما جعلني أطمح بأن أبدع في ابتكار ابتكارات جديدة تخدم المجتمع.
اكتشاف المبتكرين
قال الدكتور سعيد مصبح الكعبي عضو المجلس التنفيذي ورئيس مجلس الشارقة للتعليم: إن ثقافة الابتكار يجب أن تكون منهجاً تسير عليه الدول، والابتكار هو أساس خلق الفروقات بين مجتمع وآخر، وتتميز بذلك الحضارات، والبيئة المدرسية إحدى أهم الحاضنات التي يتم من خلالها اكتشاف المبتكرين ورعايتهم. وأضاف: يتم اكتشاف ورعاية الطلبة المبتكرين بطرق تربوية تكون معروفة من قبل الأكاديميين من خلال أساليب تربوية وتعليمية محددة، وعند اكتشافهم فإنه يتوجب على المعلمين الاهتمام بالطلبة المبتكرين من خلال التواصل والتعامل معهم، وتوكيل المهام والمهارات التي تسهم في تطوير ودعم الطالب المبتكر.
وأشار إلى أهمية أن يكون المعلمون متمكنين، وملمين بسبل وطرق رعاية الموهوبين، بحيث يتم تدريبهم وتأهيلهم بطرق التعامل مع فئة الطلبة الموهوبين والمبتكرين من قبل الجهات المعنية والمختصة، كما يجب أن يوضع الطالب الموهوب في الطريق الصحيح حتى يواصل طريق التميز، والابتكار، وبذلك فإن المدرسة تعتبر أحد أهم مصانع المبتكرين، والتي من خلالها يتم تخريج أجيال من الطلبة الموهوبين والمبتكرين الذين يشاركون في خلق فروقات إيجابية ومتميزة على مستوى المجتمع والدولة. مؤكداً على أهمية تضافر الجهود بين كافة المؤسسات لتحقيق الهدف المرجو؛ اذ أن اليد الواحدة لا تصفق، مشيراً إلى أن مراكز الناشئة ومراكز الأطفال، ووزارة التربية والتعليم والجهات المعنية الأخرى لها دور بارز أيضاً في اكتشاف المواهب والمبتكرين.