طه حسيب (أبوظبي)
في إطار الاحتفاء بعام الخمسين، وتحت عنوان «الإمارات نحو المئوية الأولى.. أفق الابتكار في اقتصاد المعرفة»، عقدت «الاتحاد» ندوة استشرفت خلالها رؤية الإمارات للخمسين المقبلة. شارك في فعاليات الندوة جمال سيف الجروان أمين عام مجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، والسفير أحمد الحوسني، والدكتور محمد البشاري أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، وعدد من محرري صحيفة «الاتحاد». وسلط المشاركون الضوء على التحديات والفرص التنموية، ومسارات اقتصاد المعرفة وأهميته في الخمسين عاماً المقبلة، لاسيما أن الإمارات تتمتع ببنية رقمية ومنصات الابتكار المتنوعة، وتطرقت الندوة أيضاً إلى سياسات التسامح، كونها تعزز قوة الإمارات الناعمة في الخمسين المقبلة.
أدار الندوة سعيد الصوافي، رئيس قسم «وجهات نظر»، مرحباً -في مستهل تقديمه الفعاليات- بالحضور، وموجهاً لهم الشكر على تلبيتهم الدعوة.
وقال الصوافي: «أيام قليلة ونحتفل باليوم الوطني الخمسين، بذكرى تأسيس الدولة، وأيضاً ببداية جديدة تنطلق خلالها نحو المستقبل بكل ثقة وطموح».وأضاف: نعيش أجواء مفعمة بالرؤى الواعدة في وطن اللامستحيل، والندوة تقدم إطلالات عميقة على الفرص التنموية في الخمسين عاماً المقبلة، وعلى التوجهات المستقبلية في سياسة الإمارات الخارجية التي تتطلع للمزيد من التواصل والتعاون مع جميع دول العالم، وعلى سياسات التسامح التي تعزز قوة الإمارات الناعمة وتسجل للدولة مبادرات عالمية ببعد إنساني.
مبادئ تركز على الاقتصاد
وأكد الصوافي أن الإمارات وضعت مبادئ عشرة للخمسين عاماً المقبلة تتمحور حول التنمية والتركيز على الاقتصاد وعلاقات حسن الجوار والتسامح وجذب الموهوبين والمبدعين. وأضاف: قدمت الإمارات، ولا تزال، خطوات استباقية في مواجهة الأزمات وفي الطاقة المتجددة والتسامح والتعايش والسلام، ودأبت على ترجمة رؤاها إلى واقع.. إلى خطط ومشروعات تتحقق على الأرض، وتلهم الأجيال الصاعدة داخل الإمارات بل في العالم كله.وانتقلت الكلمة إلى جمال سيف الجروان أمين عام «مجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج»، الذي أثنى على صحيفة الاتحاد، ووصفها بـ«المؤسسة السباقة في تنظيم الندوات، التي يحرص على المساهمة فيها لتقديم رسائل واضحة». وأكد الجروان أهمية التركيز على الاقتصاد، خاصة بعد عام ونصف العام من «الجائحة». وأكد الجروان أن الاقتصاد المحلي يتعافى والنشاط يدب في شرايين اقتصاد الدولة في قطاعات مثل السياحة وتجارة التجزئة، وغيرهما. ولفت الجروان الانتباه إلى أنه خلال «الجائحة» تراجعت الاستثمارات الخارجية في معظم الدول بنسبة 40 في المئة، لكن هذا التراجع لم يحدث في الإمارات، وعلى العكس من ذلك، يقول الجروان: جذبت الإمارات استثمارات خلال «الجائحة»، وأبلغ دليل على ذلك صفقة شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» بقيمة 10 مليارات دولار مع تحالف يضم عدداً من المؤسسات الاستثمارية، بقيادة شركة أبولو جلوبال مانجمنت «أبولو»، المدرجة في بورصة نيويورك.
ويشير الجروان إلى أن القطاع المالي لم يتضرر من «الجائحة»، حيث كانت السيولة متوافرة وحجم التداول النقدي في الأسواق مطمئناً. وأضاف الجروان، في مداخلته أيضاً، أن التجارة الخارجية من أهم نقاط قوة دولة الإمارات، خاصة أن الموقع الجغرافي المتميز للدولة يجعلها تتعامل مع قرابة ملياري نسمة، فالإمارات تستقبل بضائع، وتقوم بإعادة تصديرها إلى أوروبا وأفريقيا، ولعبت موانئ الدولة دراً مهماً، خاصة موانئ دبي وأبوظبي وميناء خليفة، من خلال خطط تشغيلية ناجحة.
وتطرق الجروان إلى الشبكة الرقمية في الدولة، على اعتبار أنها من مكامن القوة في اقتصاد الإمارات، قائلاً: اليوم لدينا بكل فخر شبكة هاتفية قد تكون الأفضل في العالم. وأضاف الجروان: نبارك للقيادة الرشيدة أنها تجني الآن ما قدمته في السابق، فالاستثمار الأجنبي لم يتوقف، واقتصار الإمارات متميز.
قيادة أكدت تميزها
وجه سعيد الصوافي تساؤلاً للجروان حول مدى جاهزية الاقتصاد العالمي لجائحة جديدة؟ وأجاب الجروان بأن الاستعداد يجب أن يكون في مجال الطيران والشبكة الرقمية والعمل الحكومي، وبالنسبة للإمارات، فإن الشعب وقيادته فريق واحد خرج من الأزمة بنجاح، والقيادة تظهر في أوقات الأزمات، وعبارة «لا تشلون هم» تحققت من خلال تعامل كفؤ وأداء حكومي متميز في مواجهة «الجائحة»، وأثبتت القيادة الإماراتية نجاحها في الخروج من الأزمة بأقل تكلفة وبأعلى درجة من الكفاءة.
رسالة للشباب
وعن أهمية الانخراط في اقتصاد المعرفة القائم على الذكاء الاصطناعي والعلوم المتقدمة، وجه الجروان ما يصفه برسالة مهمة يريد توجيهها من خلال هذه الندوة، تتمحور حول أهمية تركيز الشباب على بنية الإمارات الرقمية بالعلوم المتقدمة والرياضيات، فهذه الاتجاهات هي التي تحقق الفارق، وتضمن تلبية احتياجاتنا في المرحلة المقبلة.
كما قدم حسين الحمادي، رئيس قسم الاقتصاد في صحيفة الاتحاد، مداخلة لفت خلالها الانتباه إلى أهمية خطة دعم القطاع الخاص التي تميزت بها الإمارات أثناء «الجائحة»، حيث انتهج المصرف المركزي سياسة عقلانية. وتعقيباً على مداخلة الحمادي، أكد الجروان أن خطة الدعم التي تبناها المصرف المركزي بلغت 130 مليار درهم، وتعامل من خلالها بمنطق يراعي متطلبات السوق، ضمن خطوة جعلت الإمارات أول دول عربية تطلق حزمة إنقاذ ودعم وتحفيز، أثناء «الجائحة».
وعن أفق «السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة في الخمسين عاماً المقبلة»، أشار السفير أحمد الحوسني إلى أن وزارة الخارجية، واكبت تأسيس دولة الإمارات، وأشار الحوسني إلى أن معالي أحمد خليفة السويدي المؤسس الأول لوزارة الخارجية، جلب المتخرجين والعناصر المتعلمة إلى الوزارة، وشكل فيها نخبة من الشباب حديثي التخرج من المواطنين بتكوين نواة لتمثل الدبلوماسيين الإماراتيين، بوزارة الخارجية.
واستعرض الحوسني نمو حجم التمثيل الدبلوماسي في الدولة وتطوره، حيث بدأ العمل بفتح سفارات معدودة جداً، في بعض العواصم المهمة من الدول العربية والأجنبية. وبعد ذلك شهدت الإمارات انفتاحاً واسعاً على العالم الخارجي، أفرز شراكات استراتيجية وسياسية واقتصادية وتجارية وثقافية وعلمية وتربوية وصحية، مع العديد من الدول في مختلف قارات العالم، ما عزز المكانة المرموقة التي تبوأتها الإمارات في المجتمع الدولي..
ولدى الحوسني قناعة بأن الإمارات، بفضل علاقاتها القوية مع دول العالم، حققت إنجازات تُبلور شخصيتها، وحنكة القائمين على إدارتها، بفضل رؤية المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، وباني نهضتها، وتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والمبادرات الخلاقة التي أطلقتها دبلوماسية الإمارات، بقيادة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الذي شكل رافعة قوية في ترسيخ دبلوماسية الإمارات في العالم الخارجي.
دبلوماسية لتطوير الاستثمارات
واستند الحوسني إلى إحصائيات مفادها أن عدد الدول التي لديها علاقات دبلوماسية مع الإمارات يصل إلى 192 دولة، فيما ارتفع عدد سفارات الدولة في الخارج إلى 84 سفارة و20 قنصلية، إضافة إلى 4 بعثات دائمة، بينما بلغ عدد السفارات الأجنبية لدى الدولة 113 سفارة، و74 قنصلية عامة، و16 مكتباً تابعاً للمنظمات الإقليمية والدولية.
وتوصل الحوسني، في مداخلته بالندوة، إلى نتائج، أهمها أن الدبلوماسية الإماراتية نجحت في إرساء بيئة اقتصادية واستثمارية ملائمة ومواتية لنمو قطاع الأعمال الإماراتي، وتمهد الطريق أمام القطاعات التنموية للاستثمار في دول العالم، عبر اتفاقيات أبرزها «تجنب الازدواج الضريبي، وحماية تشجيع الاستثمار»، التي تضمن حماية وتشجيع الاستثمارات الإماراتية حول العالم، وبلغ عددها نحو 163 اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي وحماية تشجيع الاستثمار، فيما يبلغ عدد اتفاقيات مذكرات التفاهم لتنظيم خدمات النقل الجوي 165، ما أتاح للناقلات الوطنية تسيير رحلاتها إلى مختلف دول العالم.
ويرى الحوسني أن وزارة الخارجية تدعو دائماً إلى رفع المعاناة عن الإنسان، بصرف النظر عن جنسه أو دينه، مشددة على ضرورة تعميق قيم السلام العالمي وحل النزاعات بالطرق السلمية وعبر الحوار. وتعزز وزارة خارجية الإمارات عبر سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية أواصر الصداقة والتعاون مع دول العالم على الصعد كافة.
مبادئ الخمسين
في الخمسين عاماً المقبلة، يتوقع الحوسني أن دبلوماسية الإمارات ستحمل معها مبادئ الخمسين المقبلة، برسالة تجسد معاني الأخوة الإنسانية، وتحفز العمل الإنساني المشترك التي تعبر عن روح التضامن والاحترام المتبادل وقيم التسامح وبناء السلم المجتمعي والدولي.
ويرى الحوسني أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات، فيما أصبح الاقتصاد عرّاب السياسة، وهو يهدف إلى توفير أفضل حياة لشعب الإمارات، وفي الأعوام الخمسين المقبلة ومبادئها العشرة، ستعمل دبلوماسية الإمارات الرقمية، بكل حرفية واختصاص باقتصاد المعرفة، وفتح أبواب الابتكار لتحقيق أكبر قدر ممكن في اغتنام الفرص الاقتصادية وتنمية علاقاتها الاستثمارية الخارجية.
نموذج ُملهِم
أكد جمال سيف الجروان في ختام الندوة أهمية الأمن القومي في ضمان النمو الاقتصادي، وقال إن الإمارات نجحت في تحقيق سبق بقطاعات تنموية عديدة، من خلال دور القيادة الرشيدة التي جعلت الإمارات تتمتع بمزايا تنافسية، ولديها رؤية ثاقبة تتم ترجمتها إلى خطط واعدة.. وأشار الجروان إلى أن بعض الدول تسعى للاستفادة من التجربة الإماراتية، التي باتت نموذجاً في المنطقة، وهذه الدول تتخذ - حسب الجروان- خطوات مماثلة، وتخطط للمستقبل، ما يؤكد أن تجربة الإمارات ملهمة، ووصفتها للنجاح ليست سرية، بل يهمها أن تستفيد الدول العربية من تجربة بدأت منذ عقود، فقوة الدول الشقيقة من قوة الإمارات.
صنع المستقبل بالتعاون الإنساني
أكد أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة الدكتور محمد البشاري في ورقة قدمها للندوة بعنوان «سياسات التسامح تعزز قوة الإمارات الناعمة في الخمسين المقبلة»، أن الإمارات من خلال إكسبو 2020 دبي قرّبت المسافات أكثر فأكثر بين شعوب العالم، خاصة أن المعرض انطلق تحت شعار «تواصل العقول وصنع المستقبل»، ضمن فعالية كبرى تنشد من خلالها توسيع نطاقات التعارف عبر إثبات الكفاءة الإنسانية في المواكبة والريادة، وتسخير التطورات التقنية والرقمية وصنع المستقبل بالتعاون الإنساني.