دينا جوني (دبي)
لا تترك راجاماتمو بادورو المفوض العام لجناح جزر القمر بلباسها التقليدي الملوّن، أي زائر يغادر الجناح من دون أن يرى ويلمس قرون الفانيليا السوداء، التي تعدّ ثاني أغلى التوابل في العالم بعد الزعفران. وتروي الأساطير، وفقاً لبادورو، أن البحارة جلبوا الفانيليا إلى جزر القمر في القرن الثامن عشر، لتصبح بعد مئات السنين واحدة من البلدان المنتجة والمصدرة لهذه النبتة.
وما إن تطأ قدماك داخل جناح جزر القمر حتى تهب عليك روائح التوابل الممزوجة بزهرة الإيلانغ لانغ الصفراء، فيصبح من الصعب التمييز بينها. وتشرح بادورو بحماسة عن مراحل نبتة الفانيليا من الزراعة إلى التلقيح والحصاد والتجفيف وصولاً إلى بيعها واستخدامها، في رحلة طويلة لا يتخيل المرء خلال استمتاعه بتناول القشدة والكاسترد أو الحلويات التي تعلوها طبقة من الآيس كريم، مدى صعوبتها وتعدد مراحلها ودقتها.
وتشير بادورو إلى فرادة الطريقة التي تنمو وتحضّر بها نباتات الفانيليا، التي لا تكتسب نكهتها إلا بعد موتها، أي بعد تجفيفها واسودادها لكي تعطي مذاقها الأخّاذ. إذ تحتاج زهور الفانيليا لكي تتحول إلى عناقيد من القرون الخضراء، إلى التلقيح اليدوي. وتظل كل زهرة مفتوحة لمدة 24 ساعة فقط، فإن لم تُلقح تذبل وتموت. وهي تُزرع على شكل كرمة أي شجر متسلق على أعمدة خشبية، وتحتاج من خمسة إلى ستة أسابيع لتنمو، وبعدها ستة أشهر لتنضج.
وأضافت: يحتوي كل قرن أخضر من الفانيليا على سائل زيتي يتضمن الآلاف من البذور السوداء الصغيرة. وبعد حصاد القرون، تبدأ فترة المعالجة الدقيقة التي تبدأ بـ«قتل» القرون، أي تعطيل الخلايا وأنسجة الثمار مما يسمح للأنزيمات بالتفاعل لكي تبدأ القرون باكتساب رائحة الفانيليا المميزة، باستخدام وسائل عدة منها الغمس في المياه الساخنة، أو داخل الفرن، أو بالخدش أو التجميد. وبعد ذلك تلف قرون الفانيليا ببطانيات وتترك لمدة 10 أيام لرفع درجة الرطوبة. ثم تبدأ عملية تقليل الرطوبة، عبر تعريضها خلال النهار للشمس حيناً، ومن ثم لفها مجدداً بالبطانيات وحفظها في الظل، إلى أن تجف وتتحول إلى اللون الأسود أو البني الغامق جداً بعد حوالي ستة شهور. ونجاح عملية التجفيف يحفظ في القرون مادة الفانيلين التي تستخرج في النهاية للاستخدام. وتعتبر زهرة الفانيليا من أهم المحاصيل الزراعية في جزر القمر، وتلعب دوراً محورياً في اقتصادها، وهي تأتي في المرتبة الثالثة ضمن أهم المواد التي تصدرها البلاد إلى الخارج بعد زيت زهرة الإيلانغ لانغ، والقرنفل.
وتقول إن زراعة الفانيليا تراجعت قليلاً في جزر القمر، مما دفع بعض المزارعين إلى استبداله بمحاصيل أخرى استهلاكية. وتعود أسباب تراجع الأسعار إلى المنافسة الشديدة في الإنتاج مع دول أخرى قادرة على إغراق السوق بمحاصيلها.
ويستقطب قطاع الفانيليا 70% من اليد العاملة في جزر القمر. وبالرغم من أن مدغشقر هي ثاني أكبر دولة في العالم في إنتاج الفانيليا بعد إندونيسيا، إلا أن بادورو تعتبر أن لفانيليا جزر القمر نمطاً خاصاً في الرائحة والنكهة، يرجع إلى الابتعاد عن الإنتاج الضخم، وبالتالي نمو المحاصيل بطريقة طبيعية من دون استخدام مواد كيميائية.