أبوظبي (وام)
يرأس سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، وفد دولة الإمارات المشارك في محادثات المناخ العالمية التي تستضيفها المملكة المتحدة في مدينة غلاسكو، حيث تلعب الإمارات دوراً محورياً في التواصل مع قادة العالم والوفود المشاركة بشأن التعامل مع تداعيات تغير المناخ والحد منها. ويشكّل مؤتمر الأطراف «COP26» أحدث فرصة للدول الـ197 الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لمناقشة ووضع الأطر الرسمية لخطط تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050. وتستضيف المملكة المتحدة بالشراكة مع إيطاليا هذا المؤتمر الذي يستمر لمدة أسبوعين من 31 أكتوبر وحتى 12 نوفمبر القادم، وتشارك فيه وفود من 197 دولة ستركز على اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن تغير المناخ، وستجدد الإمارات خلال الحدث عرضها لاستضافة مؤتمر الأطراف «COP28» في عام 2023.
وقال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: «نتطلع إلى التعاون مع المجتمع الدولي للوصول إلى اقتصاد منخفض الكربون يضمن حماية البيئة وتقليل الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى خلق فرص اقتصادية دائمة، وسنبقى كذلك شريكاً ملتزماً لدعم جهود العالم في الحد من آثار تغير المناخ، وإيجاد حلول مناخية عملية شاملة من شأنها تحقيق نمو اقتصادي مستدام». وأضاف سموه: «إذا حظينا باستضافة المؤتمر، سنبذل ما بوسعنا ليكون شاملاً ومواكباً لمتطلبات واحتياجات الدول المتقدمة والنامية، وأن يضمن مشاركة جميع القطاعات، بما فيها الحكومية والخاصة والأكاديمية والمجتمع المدني، للتركيز على تبني حلول عملية لتغير المناخ». وتابع سموه: «مع تسارع وتيرة المخاطر المناخية التي تهدد جميع دول العالم، نتعامل مع هذه المسؤولية الكبيرة بكل تواضعٍ وتصميمٍ لدعم المجتمع الدولي من خلال السعي إلى وضع أجندة طموحة للعمل المناخي تركز بالدرجة الأولى على تطبيق الحلول العملية الفعالة، وتسلط الضوء على الفرص المتاحة لإحداث التغيير المنشود». وأكد سموه: «فيما نحتفل باليوبيل الذهبي لدولة الإمارات، فإننا مستمرون ببناء شراكات قوية ترسي دعائم التقدم الاقتصادي والعمل البيئي وحل التحديات العالمية».
تركيز راسخ
وتمضي دولة الإمارات قدماً في مسيرتها الطموحة لبناء اقتصاد منخفض الكربون يسهم في حماية البيئة وتقليص الانبعاثات وتوفير الفرص الاقتصادية المستدامة، ونجحت الدولة في اتخاذ عدد من الخطوات غير المسبوقة على المستويين الإقليمي والعالمي بفضل التزامها الراسخ بالحد من الانبعاثات الكربونية، حيث أطلقت المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي 2050، وكجزء من هذه المبادرة، تخطط الإمارات لاستثمار 600 مليار درهم في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة بحلول عام 2050.
وقال معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي: «بفضل رؤية الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومن خلال توجيهات القيادة الرشيدة، تحرص دولة الإمارات على التعاون مع المجتمع الدولي لإرساء مبادئ الاستدامة في جميع القطاعات.. واستثمرت الدولة على مدار السنوات الـ15 الماضية بشكل كبير في التقنيات النظيفة التي تساعد في الحد من تداعيات تغير المناخ والتكيف معها، وذلك بالتوازي مع تنويع الاقتصاد وتطوير قطاعات جديدة، وخلق وتعزيز فرص النمو الاقتصادي والاجتماعي.. ونركز على تسريع التقدم في الحلول والتقنيات النظيفة القابلة للتطبيق على نطاق تجاري واسع لتعزيز إدارة الموارد والأمن الغذائي والمائي.. ويتوافق هذا النهج بشكل وثيق مع مبادرتنا الاستراتيجية سعياً لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، والتي ستحدد فرص النمو في المرحلة التالية من مسيرتنا التنموية من خلال تطوير مجالات معرفية جديدة، وقطاعات جديدة، ومهارات جديدة، وفرص عمل جديدة. وبالحديث عن عرض الإمارات لاستضافة مؤتمر الأطراف «COP28»، أضاف معاليه: «سنستفيد من علاقاتنا الدولية وخبرتنا في تنظيم الفعاليات التي تركز على معالجة التحديات العالمية، والجمع بين الأطراف المعنية، وذلك من أجل تسريع الحلول المناخية التي تحمي البيئة وتدعم قطاعات الأعمال في الوقت نفسه». وتماشياً مع التزام الدولة بالتحول في قطاع الطاقة، أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» عن توقيعها اتفاقية شراكة استراتيجية مع شركة مياه وكهرباء الإمارات تحصل بموجبها على جميع احتياجات شبكتها الكهربائية من خلال الكهرباء المُنتَجة من مصادر الطاقة النووية والشمسية النظيفة ابتداءً من يناير 2022، الأمر الذي يتماشى مع المبادرة الاستراتيجية للإمارات سعياً لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
وقالت معالي مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة: «لطالما حرصت دولة الإمارات على المساهمة في التصدي للتحديات العالمية انطلاقاً من إيمانها العميق بدورها البناء على الساحة العالمية، ونحن على ثقة بأن العمل المشترك هو الوسيلة الأمثل لإحراز التقدم المنشود، وتحظى هذه المنهجية الطموحة بدعم من التزامنا المتواصل بأن نكون في مقدمة الجهود الرامية للتصدي لتداعيات تغير المناخ في المنطقة، كما أننا نركز على تسخير سجلنا الحافل في العمل المناخي وإيجاد الحلول المستدامة المبتكرة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة».
استراتيجية ثلاثية المحاور
وستتمكن دولة الإمارات من تلبية حاجتها للطاقة الكهربائية في المستقبل من خلال مزيج يشمل الغاز والطاقة الشمسية والنووية. وقالت معالي مريم المهيري: «دولة الإمارات سباقة أيضاً على صعيد الطاقات الجديدة صفرية الانبعاثات مثل الهيدروجين، وذلك في إشارة إلى امتلاك دولة الإمارات كافة المقومات اللازمة والمزايا المنافسة لتصبح من أكبر المنتجين العالميين للهيدروجين منخفض الكربون بأقل التكاليف. وفي ضوء الأهمية المحورية لتقليص الانبعاثات، وهو جانب سيشكل محوراً رئيسياً من الحوارات التي سيشهدها مؤتمر الأطراف السادس والعشرين، تمضي دولة الإمارات قدماً نحو تبني منهجية شاملة للعمل المناخي».
وقالت معالي مريم المهيري: «ندرك أن القطاع الزراعي وإنتاج الغذاء يقف وراء أكثر من ثلث الانبعاثات العالمية، لذا تعاونا مع الولايات المتحدة الأميركية للإعلان عن (مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ) العالمية الرامية إلى تكثيف وتسريع الجهود العالمية للابتكار والاستثمار في البحث والتطوير ضمن جميع جوانب التقنيات الزراعية الذكية. وتهدف (مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ)، المبادرة الإماراتية - الأميركية المشتركة المزمع إطلاقها خلال مؤتمر الأطراف السادس والعشرين، إلى تشجيع العمل المناخي الذي يسهم بإحداث نقلة نوعية في القطاع الزراعي، ودعم الزراعة لتصبح واحدةً من حلول التصدي للأزمة المناخية، وتعزيز مرونتها، وخلق فوائد مشتركة من العمل المناخي. وسيتم إطلاق المبادرة خلال مؤتمر الأطراف (COP26) بدعم أكثر من 30 دولة، و(مؤسسة بيل وميليندا غيتس)، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO)، وتهدف دولة الإمارات من خلال هذه المبادرة إلى دعم الاستثمارات الزراعية الملحّة، ومعالجة تحديات الغذاء العالمية، وزيادة النمو الاقتصادي المستدام، وستعلن دولة الإمارات في نوفمبر القادم عن مبادرات رائدة أخرى تتماشى مع خطط العمل المناخي للمجتمع الدولي».
شراكات تمهد للنجاح
تعتبر الشراكات مرتكزاً رئيسياً لدولة الإمارات والعالم عموماً لإيجاد حلول فعالة لقضية التغير المناخي، فقد استثمرت 16.8 مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة في ست قارات، وهي تستضيف المقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا» منذ عام 2019، وذلك ضمن نهج مد جسور التواصل والتعاون مع المجتمع الدولي سعياً لتحقيق تقدم فعلي يلبي مصالح جميع الأطراف. وبفضل الجهود التي بذلتها لتحقيق الريادة الإقليمية في العمل المناخي والتحول نحو نظم الطاقة وبيئات الحياة الأكثر استدامة، باتت دولة الإمارات اليوم في صدارة دول العالم على مستوى العمل المناخي الإيجابي، كما أنها ملتزمة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ منذ عام 1995، وقبل ذلك، كانت الإمارات من الموقعين على اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون، وبروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنزفة لطبقة الأوزون، وضمّت صوتها في عام 2005 إلى 191 دولة أخرى وافقت على بروتوكول كيوتو الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وفي عام 2019، استضافت أبوظبي النسخة الأولى من «اجتماع أبوظبي للمناخ» تأكيداً على جهودها المحلية ودعمها العالمي للكوكب والاقتصاد والإنسانية. وإلى جانب إثراء الحوارات المحلية عبر تنظيم الحوار الإقليمي للتغير المناخي في شهر أبريل الماضي، شارك وفد إماراتي هذا العام في قمة القادة الافتراضية حول المناخ التي استضافها الرئيس الأميركي جو بايدن تمهيداً لمؤتمر الأطراف السادس والعشرين. ويأتي تطلع دولة الإمارات لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تأكيداً على العمل المناخي الجاد والطموح والمستمر الذي تبذله الدولة، لاسيما أنها تواصل دعوة الحكومات والشركات ومنظمات المجتمع المدني للتعاون والتكاتف لإطلاق الحلول المناخية العملية، ورفع سقف الطموحات وخلق مسار مستدام ودائم للنمو الاقتصادي.
مبادرات نوعية سباقة
تعد دولة الإمارات الأولى في المنطقة في تطبيق تقنيات التقاط الكربون في القطاع الصناعي.. ففي عام 2016، تعاونت شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» مع شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» لإطلاق مشروع «الريادة»، أول منشأة لالتقاط واستخدام وتخزين الكربون على المستوى التجاري التي تلتقط 0.8 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون من شركة حديد الإمارات. وتنفرد دولة الإمارات أيضاً بكونها أول دولة عربية تستفيد من الطاقة النووية ذات الانبعاثات الصفرية، وعند استكمال مفاعلاتها الأربعة، يتوقع لمحطة براكة للطاقة النووية أن تلبي 25 % من احتياجات الطاقة الكهربائية في دولة الإمارات دون انبعاثات. ويتزايد كذلك استخدام أنظمة الزراعة المغلقة في دولة الإمارات، ومنها المزارع العمودية المؤتمتة التي تعزز الأمن الغذائي وتساهم في التحول إلى نظم غذائية أكثر استدامة.
دور بناء عالمياً
كانت دولة الإمارات أولى بلدان المنطقة التي تصادق وتوقع على اتفاق باريس للمناخ في عام 2015، الذي التزمت الدول الموقعة عليه بالعمل للإبقاء على ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي بحلول العام 2030.. كما كانت الإمارات أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن التزامها بتقليص الانبعاثات ضمن مختلف النشاطات الاقتصادية. ونتيجة لهذه الرؤية المستقبلية، تفخر دولة الإمارات اليوم باحتضان وتشغيل ثلاث من أكبر محطات الطاقة الشمسية وأقلها تكلفة حول العالم -ومنها محطة «نور أبوظبي» التي تقع في منطقة سويحان بإمارة أبوظبي وتعد أكبر محطة مستقلة للطاقة الشمسية قيد التشغيل حول العالم، وتضم 3.2 مليون لوح شمسي وتولد 1.2 جيجا واط من الطاقة الكهربائية.. وتساهم هذه المحطة بالحؤول دون انبعاث 1 مليون طن متري من الكربون سنوياً، ما يعادل إزالة 200 ألف سيارة عن الطرقات.
وفد الدولة
يضم وفد الدولة المشارك في هذا الحدث ممثلين عن الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية والعديد من مؤسسات القطاع الخاص، وذلك بالتنسيق بين وزارة التغير المناخي والبيئة ومكتب المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي. وسيسلط الوفد الضوء على سجل الإمارات المتميز بمجال العمل المناخي على مدى ثلاثة عقود، وسيجدد عرضها لاستضافة مؤتمر الأطراف «COP28» في عام 2023.