نوف الموسى (دبي)
أبرز ما يتفرد به جناح دولة الإمارات العربية المتحدة، المستضيفة لـ «إكسبو 2020»، هو الاحتفاء الاستثنائي بقصص الناس المقيمين على أرضها، من استطاعوا بناء مشاريع نوعية، انتقلوا بها إلى مستويات تدعم التوجهات التنموية للدولة، من خلال استثمار فُرص النماء والتطور والانفتاح، والتي تمثل حجر الأساس لنهضة المجتمعات، عبر تأسيس نسيج اجتماعي منسجم، ويتناغم فيه الأشخاص كل واحد في دوره ومجاله ومسؤوليته نحو المشاركة في إنتاج الحالة الإبداعية، فالأخير لا يقتصر فقط على صناعة التقنيات والتكنولوجيا، بل وكذلك القدرة على بناء مسارات إنتاجية تدعم الاقتصاد المحلي من جهة، وترفع من مستوى الوعي بالأنظمة الغذائية الصحية من جهة أخرى، من مثل مشروع «المزارع العضوية»، الذي يمثل نقلة ضرورية، فيما يتعلق بالأمن الغذائي بالدرجة الأولى، إلى جانب تحقيق مبدأ استدامة البيئة الطبيعية في الإمارات، وجميعها محاور شكلت طبيعة الحوار مع يزن القضماني، ممثلاً إحدى قصص النجاح، عبر إدارته لـ «إمارتس بيو فارم»، من بين أكبر المزارع العضوية في دولة الإمارات، معتبراً اختياره للمشاركة في الجناح الإماراتي، إنما تكريم وفخر، ويعكس الفرص الكبيرة التي أتاحتها دولة للإمارات، لكل من يعيش على أرضها، في أن يبني مشروعه الخاص، ويتطلع بنفسه نحو المزيد من التطوير لمشروعه وتكثيف الجهود، لدعم المسيرة الوطنية لدولة الإمارات ككل، والبحث عن وسائل ابتكارية تعزز علاقة المجتمع بالثقافة الزراعية وأهميتها في المجتمعات الحضرية.
حضور يحيى القضماني والد يزن القضماني في السبعينيات، ومشاركته للنهضة الزراعية التي بدأها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات، شكلت الثقل المعرفي والتاريخي لاستمرار يزن القضماني في القطاع الزراعي، من ولد في مدينة العين، وسافر بعدها إلى كندا، لاستكمال دراسته في مجال «الإدارة المالية»، وبعودته إلى الإمارات، عمل مع والده، في مجال البيوت المحمية والمناظر الطبيعية، وهي مجالات اعتبرها يزن لا تختص بالزراعة بشكل مباشر، بل أقرب إلى المواد الزراعية، حيث أسس والده في عام 1997، مصنع الإمارات للأسمدة البيولوجية، القائم على فكرة استدامة البيئة الطبيعية، قائلاً: «وقتها، كان يتم استيراد مواد عضوية لمخلفات حيوانية من المزارع، من خارج دولة الإمارات، وهي أسمدة غير معالجة، وتسببت في نقل أمراض وآفات وحشرات، ومنه جاءت فكرة مصنع الأسمدة لحماية البيئة، من خلال معالجة حرارية للمخلفات البقرية والدواجن، لا تتم فيها أي إضافات كيميائية، وتعتبر أسمدة عضوية بالكامل».
الاهتمام بالأرض
اللافت من السرد القصصي لـ« يزن القضماني» هي طبيعة العلاقة بين الوالد وابنه، وكيف تم نقل الاهتمام بأهمية الأرض، والاعتناء فيها، والنظر إلى مهنة الزراعة، كامتداد بين الأجيال، وذلك لقيمتها الحضارية، وأثرها الإنساني، في كون الأرض بطبيعتها تقدم للفرد حس الانتماء والاتصال والأمان، فيمكن اكتشاف ذلك بصورة أوسع، عندما يتحدث يزن القضماني، عن الثقافة المجتمعية، وكيف لها دور كبير في استمرارية جودة الأنظمة الغذائية، مبيناً أن هناك توجهاً للناس نحو الصحة الغذائية والاهتمام بجودة ما يأكلونه، والوعي بخطورة الأغذية المعدلة وراثياً، أو التي يستخدم فيها مبيدات كيميائية، يدفعه اهتمام دولي وعالمي بحماية البيئة، مثلما هو حدث «إكسبو 2020»، من يحمل بين مضامينه دعوة صريحة ومباشرة نحو ابتكارات ومشاريع تحفظ كوكب الأرض، وتهدينا مساحات إبداعية لابتكار وسائل تحفظ بيئاتنا الطبيعية وأنظمة المناخ، والزراعة بطبيعتها مكون أساسي، لدعم أنظمة الحياة، سواء في المجتمعات البشرية أو مجتمعات الكائنات الحيّة، فنحن بالمحافظة على بيئاتنا الطبيعية إنما نحفظ بذلك التوازن البيئي للكائنات غير البشرية.
60 صنفاً
قبل الحديث عن أكثر من 60 صنفاً، من جميع أنواع الخضراوات، وعدد محدود من الفواكه، الذي تنتجه مزرعة «إمارتس بيو فارم»، من المهم الإطلاع على دورة الحياة للمخلفات الخضراء، ومخلفات مزارع الأبقار والدواجن، أي الحركة التي يم فيها الإنتاج الطبيعة لتركيب التربة الطبيعية، والناتج من مشروع مصنع الإمارات للأسمدة البيولوجية، لأنه بمعرفتنا للقيمة الرئيسة لمبادئ الزراعة العضوية، ستزداد قدرتنا على إدراك تأثير ذلك على تفاصيل حياتنا اليومية وأنظمتنا الغذائية، يطلعنا يزن القضماني، أنه في الإمارات، هناك الكثير من مزارع الأبقار ومزارع الدواجن ولها مخلفات بشكل كبير، من أجل الاستفادة منها، لا بد من معالجتها، لتكون آمنة، إضافة إلى سماد الطحالب، ومخلفات الأسماك، وأن فعل التسميد بطبيعيته يوفر مساحات للتفكير في أشكال إعادة التدوير للبيئة الطبيعية وكيفية قدرتها على إنتاج قوتها الزراعية مع تنقية بسيطة، تحفظ لها جودة الحياة الطبيعية، قال حولها يزن القضماني: «بالنظر إلى التربة الطبيعية، فهي مزيج بين كل تلك الجزئيات الخاصة بالنباتات والحيوانات، وما نفعله هو تعزيز التربة، لإتمام عملية الإنتاج النباتي».
تجارب زراعية
أغلب الخضراوات الأساسية، بحسب يزن القضماني يتم إنتاجها في مزرعة «إمارتس بيو فارم»، تتضمن منتجات البقوليات والورقيات، ولديهم تجارب زراعية من مثل زراعة شجرة الرمان، والكينو باعتبارها بديل صحي للرز والقمح، لأنها تتحمل الملوحة والحرارة، وكذلك إنتاجهم لـعصير البابونج، إضافة إلى أن المزرعة تشتغل في تجهيز كامل للمنتجات الزراعية، وتجعلها جاهزة للشراء من قبل المستهلكين، ويقول يزن القضماني، أن التفرد الذي قدمته المزرعة، هو أنها تحولت إلى منصة تعليمية وسياحية في مجال الزراعة العضوية، تستهدف مختلف الفئات المجتمعية أبرزها المدارس والأسر، حيث استقبلوا بمعدل ألف زائر يومي الجمعة والسبت، ويتوفر في الموقع مطعم وسوق، وجولات سياحية زراعية مخصصة للأطفال، من يعيشون تجربة كاملة مع التربة ومعرفة تامة لمراحل الحصاد، الذي ساهم في تأسيس علاقة مجتمعية بين المزرعة والناس، ما أكسبها مكانتها وقيمتها في التشجيع نحو الأنظمة الغذائية الصحية، ولفت القضماني، أنه بالنسبة للمقيمين على أرض دولة الإمارات، فإن العديد منهم قد يكون عاش في الدول قرابة الـ 5 سنوات وأكثر، ومعظمهم انقطع اتصاله بالأرض، وذلك يعود لأسلوب الحياة السريعة والمعيشة المدنية، وبحضوره للمزرعة وملامسته للأرض، عبر تلك الفرص السياحية، فهو يعيد توازنه واتصاله بالطبيعة.
الأسواق الناشئة
الزراعة العضوية في الإمارات، لا تزال ضمن الأسواق الناشئة، ذات النمو التصاعدي، وتمثل قطاعاً جاذباً لأصحاب الأعمال من الشباب في الدولة، وتستدعي مناقشة التحديات والنظر إلى إمكانية إتاحة فرص أكبر لرواد الأعمال لمزاولة المشاريع في القطاعات الحيوية، وأبرز تلك التحديات هي استمرارية البحث عن أفضل جودة للمياه، وأشار يزن القضماني إلى موضوع الخبرات في الزراعة العضوية، رغم أنها تعتمد على مبادئ قديمة، إلا أنها تحتاج إلى تطويرها لتتناسب مع متطلبات الوقت الحالي، بالمقابل فإن اهتمام دولة الإمارات وفتحها الأسواق، تتيح قراءة واسعة لأشكال التطور الزراعي، التي تتطلب هيئات زراعية مختصة تنظم التشريعات التي تحفظ السوق بين ما هو وارد وصادر للأسواق المحلية، وبتالي تحفظ استمرارية المشروعات الوطنية للزراعة المحلية، وتضمن تطور الإنتاج المحلي الخاص، وتحديداً في فترة المواسم والحصاد.
حول السؤال عن الزراعة العضوية، ولم تعتبر مكلفة، يوضح يزن القضماني، أن الأمر يعود لعدة أسباب، وهي أولاً مسألة استصلاح التربة، واستخدامات الأسمدة العضوية فقط، والتي تأخذ وقتاً أطول من الزراعة باستخدام الأسمدة الكيميائية، وثانياً هي حاجتهم إلى التغير المستمر لزراعة المحاصيل، يقصد أنه إذا تم زراعة صنف الذرة في قطعت أرض معينة، فإنهم بعد المحصول، يزرعون صنفاً مختلفاً، في نفس قطعة الأرض، للحفاظ عليها من نمو الحشرات في الموقع، ما يستدعي الخلط بين النباتات، وبتالي فإنه يصعب عليهم التخصص بصنف واحد، ما يعني أنه يصعب أيضاً استخدام الآلات الأوتوماتيكية والماكينات، والحاجة للعمل بشكل يدوي، مؤكداً أنه كلما زادت المزارع العضوية وتوفرت الأيدي العاملة المختصة والخبرات، كان هناك تحسين في الأسعار المتعلقة بالزراعة العضوية.