طه حسيب (أبوظبي)
أكد معالي الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، الجهاز العلمي العالمي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الوحيدة في عالمنا المعاصر التي نجحت في ترجمة الحديث عن التسامح والتعايش إلى واقع، وذلك من خلال تأسيس هيئات ومؤسسات، وأيضاً وزارة معنية بنشر هذه القيم الإنسانية النبيلة.
«سانو» صرّح لـ«الاتحاد»، أثناء زيارته الإمارات للمشاركة في ندوة نظمتها الصحيفة بالشراكة مع مركز تريندز للبحوث والاستشارات بعنوان «نشر ثقافة السلام والتسامح.. ما الذي ينبغي علينا فعله؟»، بأن جهود الإمارات في نشر ثقافة السلام والتعايش والتسامح، وتحويلها إلى واقع لم تقتصر على تدشين وزارة فقط، بل يوجد لدى الإمارات «مجلس حكماء المسلمين»، الذي اتخذ خطوة تاريخية في التمهيد من خلال المؤتمر العالمي للأخوّة الإنسانية لوثيقة الأخوّة الإنسانية، التي أكدت مضامينها منهج الإمارات في نشر التسامح والتعايش.
ووصف «سانو» توقيع الوثيقة بالخطوة الكبيرة التي احتضنتها الإمارات وتستحق الإشادة، خاصة أنها ثمرة التقاء بين أكبر مرجعية في العالم الإسلامي مع أكبر مرجعية في العالم المسيحي، ولم يكن في الحسبان أن يتحقق هذا اللقاء. وأكد «سانو» أن الوثيقة تحمل توضيحات وتنبيهات ومعلومات وافرة ومجموعة من الأمور لو تم الالتزام بها لانتهت الصراعات التي تنشب جراء مفاهيم مغلوطة.
ويواصل «سانو» الحديث عن مؤسسات دشنتها الإمارات من أجل نشر ثقافة السلام والتعايش، مشيراً إلى أن «منتدى تعزيز السلم» برئاسة سماحة الشيخ عبدالله بن بيّة، ينقل فكر السلام من عالم التنظير إلى عالم التطبيق. هذا المنتدى من خلاله يلتقي أتباع الديانات السماوية وغيرها من الأديان العالمية، سنوياً ليناقشوا ويتحدثوا عن جملة من القضايا التي تهم البشرية، ولدى «سانو» قناعة بأنه من خلال مؤتمرات وندوات ينظمها المنتدى تبين جلياً أن أتباع الأديان الذين يعرفون أديانهم معرفة صحيحة يؤمنون جميعاً بأن التعايش والتسامح مبدأ لا حيدة عنه، وأن استقرار الإنسانية وتحقيق الأمان للبشرية يتوقفان على مدى الالتزام بمبادئ العيش المشترك والتسامح.
ويلفت «سانو» الانتباه إلى «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة»، كمؤسسة عريقة متميزة دشنتها دولة الإمارات العربية المتحدة، لنقل الحديث عن التعايش والتسامح من التنظير إلى واقع ملموس. المجلس يحاول قدر الاستطاعة تمكين المسلمين ممن يعيشون خارج العالم الإسلامي من فهم دينهم، والالتزام بمقتضيات المواطنة في الدول التي يعيشون فيها، والاندماج الإيجابي في مجتمعاتهم، وتعزيز وعيهم وإحساسهم بأن لهم رسالة يجب أن ينقلوها بأمن وأمان من دون تعصب أو غلو أو تطرف، وأن انتماءهم إلى مجتمعاتهم لا يتعارض مع انتمائهم لدينهم، فلا تعارض بين الانتماء إلى الوطن والانتماء إلى الدين، المواطنة لا تنبغي مصادرتها من أجل الانتماءات الدينية، فالانتماءات الدينية ينبغي أن تكون سنداً للمواطَنة، وأنشطة المجلس تؤكد أن الولاءات لا تتناقض ولا تتعارض.. كل ولاء له مجاله وله مكانته.
وأضاف «سانو»: هذا المجلس يسعى إلى تعزيز الوعي بأنه لا تعارض بين الولاء للوطن والولاء للدين، فليست هذه الولاءات متصارعة.
المجلس يقدم صورة إيجابية مفادها أن الدول الإسلامية قادرة على تقديم أنموذج آخر، فالصراع ليس الأصل، بل السلم والمحبة والتعاون والتكامل والانسجام. والتركيز على الصراع والحروب انحراف في التفكير، فالحرب استثناء والصراع استثناء والكراهية استثناء، ولا بد من العودة دائماً إلى الأصل في العلاقة بين البشر، من خلال السلم والمحبة التي أراد الله أن تسود بين البشر.
الأمل معقود على أن تحتذي دول أخرى من عالمنا الإسلامي بتجربة دولة الإمارات ومنهجها في نشر ثقافة السلام، وتحويل الأفكار إلى واقع، وأن تقتدي هذه الدول بتجارب ناجحة حققت نتائج ملموسة، يرى أثرها كل من يعيش في هذا العصر. وأضاف «سانو»: نحن في حاجة ماسة إلى أن نعمل جاهدين على أن تتكرر هذه التجربة، وألا تظل تجربة واحدة، فتنوعها وتعددها سيجعلانها تجربة عالمية تستحق كل الثناء والتقدير.
وعلّق معالي الدكتور قطب سانو على مشاركته في ندوة «نشر ثقافة السلام والتسامح.. ما الذي ينبغي علينا فعله؟»، التي تعاونت «الاتحاد» مع مركز تريندز في تنظيمها، معرباً عن إشادته بتجربة جريدة «الاتحاد» في نشر ثقافة الوسطية والاعتدال والتسامح من خلال صفحاتها وزواياها ومقالاتها وندواتها. «سانو» أثنى على مركز تريندز للبحوث والاستشارات الذي يحمل، حسب «سانو»، مقومات تطور ونمو تثلج الصدر، فالمركز الذي وصفه بـ«الواعد»، يعمل بأطر منهجية استراتيجية واضحة الأهداف. وأكد «سانو» أهمية التعاون بين مراكز البحوث والصحف من أجل التكامل والنهوض بالمجتمعات.
واختتم الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي حديثه لـ«الاتحاد» قائلاً: همُنا جميعاً أن يعيش الإنسان في أمن وأمان في كل مكان، وأن يسود السلام والتعايش والمحبة، وهمنا الأكبر أن تختفي الحرب وأن يزول الصراع، وتزول الكراهية في العالم الإسلامي، وأن يكون هناك مكان آمن لأطفالنا وأمهاتنا وآبائنا وأجدادنا. وهمنا أن ننعم جميعاً بالأمن والسلام؛ لأن الأصل هو الأمن والسلام، وكلما ذهبنا يمنة أو يسرة قدرنا في النهاية أن نعود للسلام والأمن والأمان.
قطب مصطفى سانو في سطور:
- من مواليد مدينة كانكان بجمهورية غينيا في غرب أفريقيا.
- الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي بجدة بالمملكة العربية السعودية منذ يوليو 2020 وإلى الآن.
- المستشار الدبلوماسي لرئيس جمهورية غينيا من مارس 2016 إلى يونيو 2020.
- شغل منصب وزير التعاون الدولي والتكامل الأفريقي بجمهورية غينيا من يناير 2011 إلى يناير 2016.
- كان وزيراً للشؤون الدينية في غينيا من يناير 2009 إلى يناير 2011.
- شغل منصب نائب مدير الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا لشؤون العلاقات الخارجية والابتكارات من 2005 إلى 2009.
- عمل أستاذاً لأصول الفقه المقارن والتمويل الإسلامي ومقاصد الشريعة في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، لمدة 16 عاماً.
- حصل على بكالوريوس التربية من جامعة الملك سعود عام 1990، ثم ماجستير في الفقه المقارن من الجامعة ذاتها عام 1993، ودكتوراه في الحقوق من الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا عام 1996، ودكتوراه في المالية الإسلامية من جامعة الزيتونة بتونس عام 2001.