المهندس عويضة مرشد المرر*
التركيز على فئة الشباب من قبل الحكومات والدول أمر لم يأت من فراغ، إذ إن هذه الفئة لا تعد فقط اللبنة الأولى لبناء الأوطان، بل العقل المفكر والمدبر والمبدع لتحقيق الأهداف والرؤى والاستراتيجيات، وعامل رئيس مكمل للمنظومات الشاملة، والأساس المحرك للتنمية والابتكار، والمشارك الثابت في دفع عجلات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والصحية قدماً.
والعالم اليوم بسبب تأثير جائحة كورونا يسعى لأن يعيش صديقاً للبيئة أكثر من أي وقت مضى، إذ إن الحاجة لمصادر الطاقة والمياه النظيفة والصحية، واعتماد الاستدامة كأسلوب حياة، أصبحا ضرورة حياتية تتوقف عليها حياة الأجيال الحالية والمقبلة.
وتعليم الشباب اليوم المهارات اللازمة لتحقيق هذه المنظومة المتكاملة والشاملة يعتمد على مدى استعدادهم وانفتاحهم على مثل هذه الممارسات، وكمية المعرفة والثقافة بأبعاد الطاقة النظيفة وترشيد استهلاكها، وانعكاس ذلك على حياتنا اليومية كبشر وعلى مستقبلنا.
يمكننا الوصول إلى عقول الشباب ومحاكاتهم بالطريقة الأمثل لإيصال المعلومة، والتكنولوجيا اليوم تعد أفضل وسيلة لذلك، فهي الأداة التي يتقنها الشباب بشكل مثالي وعميق، ومن الممكن إيصال جميع الرسائل الجوهرية والهادفة، وتفسيرها عبر عدة أشكال مستثمرين ما نملك من تقنيات حديثة، نجحت دولة الإمارات في توفيرها وتوظيفها على المستويات الحكومية والخاصة كافة.
كما أن التقنيات الحديثة اليوم هي شريك استراتيجي في عمليات الاقتصاد الأخضر، وإعادة التدوير وإنتاج الطاقة النظيفة، إذ إن كل هذه المفاهيم لم يكن من الممكن أن نتوصل إليها إلا بمساعدة التكنولوجيا والأجهزة المحدثة والذكاء الاصطناعي وكل ما هو مرتبط بهذه العناصر.
لكن من جهة أخرى كل ما نتحدث عنه اليوم، وتوصلت إليه كبرى شركات تقنية المعلومات والدول المتقدمة لن يعمل من تلقاء ذاته، بل نحتاج إلى عقول واعية ومتخصصة في ذلك، وأفضل ما قد نفعله في الوقت الحالي هو استثمار كل تلك المعارف في عقول الشباب وتأسيسهم للمرحلة المقبلة، وتعليمهم كيفية نقل هذه الثقافة للأجيال القادمة، ودفع الشباب لدراسة التخصصات المرتبطة بالطاقة وإنتاجها سيعمل على تعزيز سوق العمل في السنوات المقبلة هي دورة حياة متكاملة مبنية على العطاء، والعنوان الرئيس لها هو الطاقة، وأخص في ذلك الطاقة النظيفة والمتجددة التي ستجعل من الكوكب مكاناً أفضل للعيش، وستساهم بكل تأكيد في بناء الدول اقتصادياً وتنموياً ومجتمعياً، وبالتالي ضمان عموم الفائدة واستمرارها، بل ونشرها على مستويات أوسع على مستوى العالم.
جل ما نراه اليوم من مشاكل وأزمات يمكن حله والتعامل معه باستخدام الطاقة النظيفة والتوغل في مجالها، والاتخاذ من الاستدامة نمطاً معيشياً دائماً، إذ إنها بشكل أو بآخر ترسخ أيضا لمفاهيم الأمن والسلام والتسامح والتقبل والعطاء والاستمرارية والحياة والتعايش، والتعامل مع العناصر كافة بشكل أكثر إيجابية، وهي قيم رسختها دولة الإمارات العربية المتحدة في منظومتها المجتمعية وبيئة العمل والثقافة العامة، ويجب أن تكون مبادئ فئة الشباب الرئيسة. لقد تعلم الشباب من الفترة الحرجة التي عاشها العالم في العام الماضي، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم المرونة والتكيف مع المتغيرات واستثمار المواد المتاحة حتى في حالة محدوديتها، وهو درس للجميع أيضاً على أن الحياة من الممكن أن تفاجئنا بشكل لا يسرنا في بعض الأحيان، ولا ندري ماذا من الممكن أن تخبئ لنا الأيام، لذلك أن نكون على استعداد وجاهزية بشتى الطرق هو الدرس الأسمى الذي يجب أن نظل نستذكره. اليوم العالمي للشباب هو احتفاء بهم وبقدراتهم وبإمكانياتهم وإنجازاتهم، وطاقة أمل لغد أجمل وأفضل، لنجعله كذلك بتدريب الشباب على تبني منظومة الاستدامة وجعلها نصب أعينهم في مأكلهم وملبسهم، وفي اختياراتهم الشخصية والعملية وطريقة تعاملهم مع جميع الأشياء من حولهم. نطمح لأن نعيش في عالم مثالي، قد يغدو حلماً بعيداً، لكنه ليس بالمستحيل كما علمتنا أمنا الإمارات، إذ إن التغيير يبدأ من ذات الفرد، ومنه إلى عائلته ومحيطه الأكبر، ومن ثم إلى مجتمعه ووطنه، وأفضل تغيير ممكن أن يبدأ من الشباب، فهم رمز الطاقة، والأخيرة تعني الحياة.