الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

العفو والصفح والسماحة.. خُلُق المؤمنين

(تصوير: عادل النعيمي)
30 ابريل 2021 01:19

أبوظبي (الاتحاد)

يقول الله - تعالى في محكم تنزيله-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، «سورة الأعراف: الآية 199»، وقال عز وجل: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، «سورة البقرة: الآية 280».
دعا الإسلام إلى الأخلاق الفاضلة، والخصال الحميدة، وخلق العفو أو «السماحة» من الصفات الحميدة التي حثت عليها النصوص الشرعية الكريمة، ومعناها: السلَاسة وَالسُهولة، ويكون الإنسان سَمُوحاً: إذا جاد وأعطى، وغفر وعفا، أو سهل الأمور، والسماحة هي الملاينة التي تتجلى في التيسير وعدم القهر، وقد أمر الله تعالى بالسماحة في كتابه فقال عز وجل: (خُذِ الْعَفْوَ...) «سورة الأعراف: الآية 199».
وقال بعض المفسرين: هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن الأخذ بالعفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم، ولا يتكبر على الصغير لصغره، ولا على ناقص العقل لنقصه، ولا على فقير لفقره، بل يعامل الجميع بلطفه، ويعم الجميع بحلمه، ويقابلهم بما يقتضيه حالهم، وتنشرح له صدورهم، ويعفو عن هفواتهم وزلاتهم، فإن ذلك أحب إلى الله، وأقرب إلى تقواه، قال سبحانه: (... وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، «سورة البقرة: الآية 237».والْعَفْوُ يُؤْذِنُ بِسَمَاحَةِ صَاحِبِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَالْقَلْبُ الْمَطْبُوعُ عَلَى السَّمَاحَةِ وَالرَّحْمَةِ أَقْرَبُ إِلَى التَّقْوَى مِنَ الْقَلْبِ الصُّلْبِ الشَّدِيدِ... وَفِي الْقَلْبِ الْمَفْطُورِ عَلَى الرَّأْفَةِ وَالسَّمَاحَةِ لِينٌ يَزَعُهُ عَنِ الْمَظَالِمِ وَالْقَسَاوَةِ، فَتَكُونُ التَّقْوَى أَقْرَبَ إِلَيْهِ، لِكَثْرَةِ أَسْبَابِهَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ سبحانه: (... وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ...)، «سورة البقرة: الآية 237» لِزِيَادَةِ التَّرْغِيبِ فِي الْعَفْوِ والسماحة بِمَا فِيهِ مِنَ التَّفَضُّلِ الدُّنْيَوِيِّ، وَفِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ حُبُّ الْفَضْلِ. 
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة، فقد كان سمح التعامل، لين الجانب، نفى الله عنه الفظاظة، وغلظ القلب، فقال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ...)، «سورة آل عمران: الآية 159». قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «هَذَا خُلُقُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ».
وفِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، بل كان سمحاً عطوفاً، جواداً كريماً سخياً، يأمر بالسماحة ويحث عليها فيقول صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ، عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ»، وممن عرف بالسماحة وكرم اليد وجود النفس ولين التعامل، سيدنا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه، فإنه كان رَجُلاً سَمْحاً شَابّاً جَمِيلاً مِنْ أَفْضَلِ شَبَابِ قَوْمِهِ، وَكَانَ لَا يُمْسِكُ شَيْئاً.
وإن خلق السماحة من أبرز الأخلاق ظهوراً في تعاملات الناس وبيعهم وشرائهم، وقد حثنا الله - تعالى - أن نتحلى به في قضاء الدين من المعسرين، فنصبر عليهم حتى تتحسن أحوالهم أو نتنازل عن بعض الدَّين أو كله، فيكون ذلك صدقة عليهم، قال تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، «سورة البقرة: الآية 280».
ففي هذه الآية وجَّه الله الدائنين إلى سماحة النفس بالتيسير على المدينين المعسرين، وحسن التغاضي عنهم، وهو ما شجعنا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عليه، ودعانا إليه، في قوله: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»، قال ابن حجر - رحمه الله-: وَفِي هذا الحديث حَضُّ عَلَى السَّمَاحَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَاسْتِعْمَالِ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَتَرْكُ الْمُشَاحَةِ وَالْحَضُّ عَلَى تَرْكِ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَأَخْذُ الْعَفْوِ مِنْهُم، وهذا يحبه الله تعالى: قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ البَيْعِ، سَمْحَ الشِّرَاءِ، سَمْحَ القَضَاءِ»، ويدخل صاحبه الجنة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَدْخَلَ اللَّهُ الْجَنَّةَ رَجُلاً كَانَ سَهْلاً بَائِعاً وَمُشْتَرِياً». 
فينبغي على كل مسلم حريص على رضا الله ورسوله ودخول الجنة أن يكون سمحاً مع أهله وأسرته وعائلته، ومع مجتمعه في تعاملاته وأقواله وأفعاله.
ومن فوائد ما سبق يتضح أن السماحة خلق يحبه الله تعالى ويثيب عليه بالجنة، والسماحة هي التساهل واللين في التعامل، والسماحة في المعاملة أمرنا الله -تعالى- بها، وحث عليها رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في جميع تعاملاته مع أسرته ومع المجتمع. 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©