عبدالله بن محمد آل حامد *
«بينما كنا نودع عام 2019 ونقف على أعتاب عام جديد، كان الكثيرون منا يخططون لزيارة أماكن جديدة والالتقاء بأشخاص جدد والعمل مع زملاء جدد، والمضي قدماً بمسيرتهم المهنية والشخصية نحو أفق طموحة. كل هذه الخطط قد تأثرت أو تبدلت أو تأجلت عندما قفز أحد أصغر الكائنات الحية على وجه الأرض إلى جسم كائن حي آخر، وجابه العالم مع بداية عام 2020 حتى اللحظة جائحة (كوفيد - 19)، لتكون أحد أكبر التحديات الصحية العالمية وأكثرها تعقيداً في العصر الحديث.
لقد أثرت «الجائحة» على العديد من المجتمعات والبلدان والكيانات. وفي الوقت نفسه، كان من المذهل أن نشهد وقوف العالم أجمع على اختلاف أطيافه في مواجهة «الجائحة»، متخطياً كل الحدود ومتجاوزاً كل الاختلافات.
بذلت بلدان العالم الجهود المتواصلة واتخذت الإجراءات الضرورية اللازمة كافة، واضعة هدفاً واحداً نصب أعينها، وهو الحفاظ على صحة وسلامة مجتمعاتها، من خلال وضع وابتكار حلول سريعة وفعالة لتخفيف حدة «الجائحة» وتوجيه بوصلة البشرية نحو التعافي. في أبوظبي، استمر العمل على قدم وساق منذ 14 شهراً مسطرة إنجازات حظيت بتقدير وتكريم عالمي عبر اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة والبيانات العلمية، واعتماد نهج متوازن وفعال في الاستجابة للوباء، حيث سلط العديد من القادة العالميين الذين حضروا القمة العالمية للتحصين والخدمات اللوجستية التي استضافتها أبوظبي خلال الأسبوع الماضي الضوء على النموذج المتميز الذي قدمته الإمارة ودولة الإمارات العربية المتحدة في التعامل مع الأزمة العالمية، ومواصلة إرساء مكانتها كركيزة للتعاون الدولي ودعم الإنسانية جمعاء.
لقد قدمت الأوبئة، كغيرها من الأزمات الأخرى التي شهدتها البشرية عبر التاريخ، فرصاً ثمينة لتسريع الابتكار العلمي واعتماد تقنيات وطرق تفكير وعمليات جديدة، وهو ما شهدناه عندما اجتمعت البلدان من جميع أنحاء العالم في سباق مع الوقت لتطوير العديد من اللقاحات الآمنة والفعالة في غضون 10 شهور من تفشي الوباء.
وهنا في أبوظبي، كنا ولا نزال جزءاً مهماً ومكملاً لهذه الجهود من خلال حملة «لأجل الإنسانية» التي أتاحت الفرصة أمام أكثر من 32.000 متطوعاً أن يشاركوا في اثنتين من أكبر التجارب السريرية الناجحة للقاحات على مستوى العالم. وفي الوقت ذاته، استندنا إلى رأس المال البشري المتميز والبنية التحتية المتينة التي تتمتع بها الإمارة لوضع وتطوير حلول مبتكرة ليس فقط في أبوظبي والإمارات العربية المتحدة، بل امتدت لمد يد العون لسكان العالم أجمع.
ويتواصل أيضاً الاستثمار في البنية التحتية والحلول الرقمية والبحث والابتكار لدعم جهود مواجهة الجائحة، وسنستمر في رسم ملامح مستقبل قطاع الرعاية الصحية في أبوظبي، من خلال التركيز المتواصل على البحث العلمي والابتكار، وهو ما تجلى مؤخراً مع إطلاق خط الإنتاج الأول لتصنيع اللقاحات في دولة الإمارات العربية المتحدة.
لقد كانت توجيهات قيادتنا الرشيدة واضحة منذ بداية «الجائحة» في وضع صحة وسلامة مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة على رأس قائمة الأولويات، من خلال تقديم الدعم اللازم للعاملين في خط الدفاع الأول ومد يد العون لكل من يحتاج إليها خلال الجائحة. وتوازى الدعم الوطني الذي تقدمه القيادة الرشيدة مع بذلها جهوداً داعمة عالمية، انطلاقاً من الإيمان المطلق بأن خروج أي دولة أو مجتمع من الوباء لن يتم إلا عند خروج العالم كاملاً من هذه الجائحة. وقد برز ذلك جلياً من خلال المساعدات الإنسانية التي قدمتها وتستمر بتقديمها دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أكثر من 250 جهة عالمية، إذ تضطلع بدور ريادي في ساحات العمل الإنساني والمساعدات التنموية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
إن التعاون العالمي في مواجهة الجائحة هو عنصر محوري وذو أهمية قصوى، لذا نؤمن بأن «ائتلاف الأمل» هو حافز لتحقيق تعاون أكبر بين مختلف الأطراف في جميع أنحاء العالم. وتفخر دائرة الصحة أبوظبي بكونها السباقة والشريك المؤسس لهذه المبادرة، التي تدعم جهود تسريع التوزيع، وتوفير الوصول العادل والعالي الجودة للقاحات إلى جميع أنحاء العالم.
أعتقد جازماً أنه لا يمكن لأحد التغلب على هذه الأزمة بمفرده، وأن التعاون الدولي هو البذرة التي نزرعها اليوم لنجني ثمارها غداً، لدينا حالياً من خلال شركاء ائتلاف الأمل القدرة الاستيعابية للتعامل مع أكثر من 6 مليارات جرعة من اللقاحات بمختلف أنواعها، ونحن نعمل على زيادة هذه القدرة إلى أكثر من 18 مليار جرعة لقاح بحلول نهاية عام 2021، ليتم المساهمة في إيصالها إلى سكان العالم في أي مكان. يتخطى الاستثمار في هذه القدرة أهداف التعامل مع الجائحة العالمية الحالية، بل يساهم في تحقيق رؤية أبوظبي لجعل الإمارة أكبر المراكز الإقليمية، وواحدة من أكبر الوجهات للرعاية الصحية العالية الجودة والاستثمار في قطاع العلوم الحياتية على مستوى العالم. ونستمر بالتعاون من خلال انفتاحنا على العالم ومركزاً لمد العون له في كل وقت.
نتطلع إلى أن يكون كل ذلك نقطة انطلاق لتعزيز المزيد من الشراكات في المستقبل القريب. ومن خلال التعاون والابتكار، نسعى إلى تمهيد الطريق نحو مستقبل أكثر مرونة وصحة وازدهاراً للبشرية جمعاء، لتعود الحياة إلى طبيعتها، ونعود جميعنا إلى الخطط التي وضعناها للقاء أشخاص جدد وزيارة أماكن جديدة، والمضي في تطلعاتنا متسلحين بالدروس المستفادة من «الجائحة».
* رئيس دائرة الصحة -أبوظبي