إبراهيم سليم (أبوظبي)
توقعت «الفاو» أن يستمر التحسن في قطاع الثروة السمكية وتربية الأسماك في الدولة من حيث الإنتاجية مستقبلاً، مع نشاط ملحوظ في مجال الاستزراع السمكي، باعتباره رافداً من روافد الأمن الغذائي.
وقال الدكتور لايونيل دابادي، أحد أبرز الخبراء العالميين، كبير الموظفين بـ«الفاو»، «شعبة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية» لـ«الاتحاد» إن الإمارات تستغل موارد المياه والثروة السمكية بطريقة تضمن استدامتها.
ونوه إلى أن الجهود التي بذلتها هيئة البيئة أبوظبي في هذا الاتجاه منذ أن كشفت في العام 2019 عن نتائج مسح تقييم الموارد السمكية، الذي أشار إلى أن ضغوط الصيد الشديدة أدت إلى صيد الأنواع الرئيسة، مثل: الهامور، والشعري، والفرش بكميات تفوق ثلاثة وخمسة أضعاف الحدود التي تحقق استدامة تلك الأنواع، منوهاً بأن هذه الجهود عكست هذا الاتجاه منذ ذلك الحين.
وقال: «سيكون الاستزراع المائي المصدر الرئيس للغذاء المائي مستقبلاً، ولكي يزدهر في دولة الإمارات يجب أن يكون هناك نهج شامل من خلال استغلال جميع الموارد: كالأسماك البحرية بالطبع، وأيضاً أسماك المياه العذبة، وغيرها من الحيوانات المائية (المحار، وبلح البحر، الاسقلوب، الصدف وما إلى ذلك) أو النباتات (السالغاء، والأعشاب البحرية). وكلما نمت هذه الصناعة بشكل مستدام، تولدت منتجات غذائية صحية للمستهلكين الإماراتيين، وكذلك وفورات من حيث الحجم للمستثمرين».
وعبّر عن اعتقاده بأن الإمارات تستغل موارد المياه والثروة السمكية بطريقة تضمن استدامتها، ففي عام 2019، كشفت هيئة البيئة- أبوظبي عن نتائج مسح تقييم الموارد السمكية، والذي أشار إلى أن ضغوط الصيد الشديدة أدت إلى صيد الأنواع الرئيسة، مثل: الهامور، والشعري، والفرش بكميات تفوق ثلاثة وخمسة أضعاف الحدود التي تحقق استدامة تلك الأنواع. وقد بذلت جهوداً كثيرة منذ ذلك الحين لعكس هذا الاتجاه.
كما تطبق الإمارات الآن حظراً على الصيد خلال موسم التفريخ لأنواع معينة من الأسماك لإعادة بناء الأرصدة السمكية المستغلة بشكل مفرط.
كما تبذل الدولة أيضاً الكثير من الجهود لحماية وإعادة تأهيل الشعاب والموائل المرجانية من خلال زراعة الشعاب المرجانية الطبيعية وأشجار المنغروف، والتي يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي كبير على سكان البر. والعام الماضي، سجلت المخازن تحسناً، وأعتقد أن بمقدورنا أن نكون متفائلين لهذا العام أيضاً، بالتركيز على أهمية جمع بيانات عالية الجودة لضمان اتخاذ التدابير المناسبة في الوقت المناسب لضمان استدامة مصايد الأسماك.
وبلغت حصة استهلاك الفرد من الأسماك في الدولة أكثر من 26 كيلو جراماً لكل فرد في العام، «معدل الاستهلاك السنوي للفرد»، والذي يعد أعلى من المتوسط العالمي، والذي يبلغ «20.5 كيلوجرام/ فرد/ سنة»، وأكثر من معظم البلدان الأخرى في دول مجلس التعاون الخليجي، كما أنتجت الدولة 72900 طن من الأسماك من المصايد الطبيعية، و3350 طناً من تربية الأحياء المائية «الاستزراع السمكي».
وألقى الضوء على الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية التي أقرتها الأمم المتحدة، والمتعلقة بالحياة تحت الماء، وأنه لطالما كانت دولة الإمارات مدافعاً قوياً من خلال صياغتها أجندة 2030 ورؤية 2021 التي تهدف إلى جعل الإمارات من بين أفضل الدول في العالم بحلول اليوبيل الذهبي، وتتماشى بشكل جيد مع أهداف التنمية المستدامة فيما يتعلق بالهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة، وأبلغت الإمارات بالفعل عن تحقيق 30% من هدف التنمية المستدامة 1.5.14 - تغطية المناطق المحمية فيما يتعلق بالمناطق البحرية.
وفيما يتعلق بأوجه التعاون بين المنظمة ودولة الإمارات في مجال تعزيز الثروة السمكية وتربية الأسماك، قال: «إن منظمة الأغذية والزراعة هي وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن الأغذية والزراعة، وتعمل في الإمارات على مختلف الصعد، إذ نعمل محلياً على دعم الحكومة في المجالات ذات الأولوية، سيما في تنمية تربية الأحياء المائية، وصحة الأسماك والأمن البيولوجي، وأسواق الأسماك وتفضيلات المستهلكين، والإحصاءات السمكية، وقوانين تربية الأحياء المائية أو الدورات التدريبية»، لافتاً إلى وجود تعاون مع وزارة التغير المناخي ومكتب الأمن الغذائي والمائي، وهيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية.
تحديات
وأشار إلى أبرز التحديات التي قد تواجه تربية الأسماك في الإمارات، ومقارنة مع البلدان الأخرى، يتمثل التحدي الرئيس في التحول من مستوى الإنتاج الحالي إلى 50000 أو 100000 طن لأنه يتعين حالياً معالجة جميع الصعوبات للخروج ببيئة تمكينية فعالة، وطالما أن القطاع ليس كبيراً بما يكفي، فلا بدّ من استيراد بعض العناصر الجوهرية لنجاح الإنتاج: المعدات والأعلاف والعمال المهرة وما إلى ذلك، ولكن بعد هذه المرحلة الأولية، وكلما زاد نمو الصناعة، أصبح من الأسهل تطويرها -على الرغم من أن التحديات الجديدة مثل الأمن البيولوجي- ستبدأ أيضاً في أن تصبح أكثر إلحاحاً.
ولفت إلى أن درجات الحرارة المرتفعة في الصيف تشكل عائقاً أمام تربية الأسماك، ولأسباب عدة، الأول هو أن قابلية ذوبان الأكسجين في الماء تقل، عندما تزداد درجة الحرارة، عندما يكون الماء ساخناً جداً، تكون كمية الأكسجين ضئيلة جداً، ويمكن أن تختنق الأسماك وتموت في النهاية. وأيضاً عندما تكون درجة الحرارة عالية جداً، تزداد البكتيريا المائية في المياه العضوية المتدهورة، ما قد يؤدي أيضاً إلى مزيد من النقص في الأكسجين، وإطلاق المركبات السامة، خاصة بالقرب من الرواسب وفي قاع المسطحات المائية. لهذا السبب يجب أن تكون حذراً للغاية عند اختيار مناطق الاستزراع المائي البحري. من ناحية أخرى، فإن استخدام التقنيات الحديثة مثل إعادة تدوير أنظمة الاستزراع المائي «RAS» أو الأكوابونيك «الزراعة المائية المركّبة»، يسمح بالتحكم في درجة حرارة وجودة المياه.
زيادة الإنتاج الوطني
أشار إلى أن أبرز المشاريع في الفترة الحالية، العمل الذي يهدف إلى دعم الإنتاج السمكي المحلي في دولة الإمارات من خلال تمكين قطاع تربية الأحياء المائية، ومن خلال تحديد كيف بوسعنا إنتاج المزيد من الأغذية المائية في الداخل وفي البحر، وأن نخلق في الوقت ذاته فرص عمل للشباب المواطنين وفرص عمل للمستثمرين. إننا نعيش جميعاً فترة غريبة مع هذا الفيروس، وما ظهر بقوة في جميع أنحاء العالم هو التزام متجدد تجاه الغذاء المستدام المنتج محلياً، يفضل الناس تناول طعام محلي، وينطبق الأمر على المستهلكين في الإمارات، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأسماك، فإن الإمارات تستورد الكثير، لذا ما نريد فعله هو النظر في إمكانية زيادة الإنتاج الوطني باستخدام أحدث تقنيات الاستزراع المائي، وأصبح هذا ممكناً اليوم بفضل التقدم العلمي.
تقنيات مبتكرة
أوضح لاينويل أن أكثر المناطق ملاءمة للاستزراع البحري هي على الساحل الشرقي، حيث المياه عميقة وليست شديدة السخونة، ويوجد بالفعل العديد من المبادرات لتربية الأسماك والمحار في الدولة، لكن المساحة المتاحة ليست كبيرة، ونعلم أيضاً أن دولة الإمارات لديها ساحل طويل جداً على طول الخليج، لكن الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لتربية الأسماك لأن المياه ضحلة، ويمكن أن تكون شديدة الحرارة خلال الصيف ومالحة للغاية بما لا يناسب العديد من أنواع الأسماك.
وتابع: «لكن هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي، فمن خلال وجود فريق من الاستشاريين الدوليين، تم تحديد مناطق مختلفة، ومقترح لكل منطقة منها أحدث التقنيات لاستزراع الأسماك بنجاح، ففي المناطق الأكثر عمقاً يمكننا استخدام الأقفاص الغاطسة، وتلك تقنية بحرية حديثة للغاية تسمح بإنتاج الأسماك في المناطق التي يمكن أن تكون فيها التيارات والعواصف قوية جداً، ونقترح في المناطق متوسطة العمق استخدام الأقفاص التقليدية التي تستخدم في بحار أخرى حول العالم، ولكن من المزمع استخدام نماذج محددة تناسب دولة الإمارات، بالنسبة للعديد من المناطق المنجرفة أو الضحلة، نقترح بعض التقنيات المبتكرة للغاية، مثل الصنادل (المراكب المسطحة) أو أنظمة الاحتواء المغلق العائمة».
إدارة النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية
فيما يتعلق بإمكانية إدارة النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية بشكل مستدام وحمايتها من التلوث، أكد الخبير بالفاو أن مفتاح الإدارة الفعالة والحماية من التلوث أن تضع البلدان خطة مراقبة فعالة لحالة مخزوناتها البرية، وأيضاً مراقبة جودة المياه على طول سواحلها، يجب أن يشمل هذا الرصد التلوث البيولوجي والبلاستيكي، حيث أصبحنا في الوقت الحالي أكثر قلقاً بشأن تأثيره على النظم البيئية وعلى صحتنا، وشرط ضروري أن يكون لديك بيانات كافية حتى تتمكن من تحليلها ووضع استراتيجيات لإعادة بناء المخزونات البرية، أو تحسين جودة المياه.
وألقى الضوء على الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المتعلقة بالحياة تحت الماء، ودور دولة الإمارات العربية المتحدة في ذلك، لافتاً إلى عظم الدور الذي تقوم به منذ اعتماد الأمم المتحدة أجندة 2030 في عام 2015 كنداء عالمي للعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030.
ويتألف من 17 هدفاً للتنمية المستدامة «SDGs»، و169 غاية و232 مؤشراً، وقد دمجت أهداف التنمية المستدامة، لأن العمل في أحد المجالات يمكن أن يؤثر على نتائج العمل في مجالات أخرى، على سبيل المثال، من خلال تحسين الإنتاج المستدام للأسماك، فإنك تسهم في تحقيق الهدف 2 «القضاء على الجوع».
تدوير المياه
وفيما يتعلق بمسطحات المياه العذبة، يعدّ الاستزراع المائي نشاطاً جيداً بشكل عام، لأنه يسمح بإنتاج الغذاء إلى جانب فوائد أخرى مثل مكافحة البعوض. يجب أن توضع اللوائح والقوانين موضع التنفيذ بالطبع لتجنب أي تأثير سلبي على مورد نادر وثمين للبلد، ولكن في ظل الآثار المتوقعة لتغير المناخ، من الممكن بناء المزيد من خزانات المياه في السنوات القادمة، ما يوفر المزيد من فرص زراعة أنواع الأسماك التي تعيش في المياه العذبة.
وعلى عكس معظم قطاعات الزراعة، فإن الاستزراع المائي ممكن أيضاً في خزانات الماء المسوس [أملح من المياه العذبة وأعذب من الماء المالح]، لاستزراع أنواع مثل البوري والقاروص أو بعض أنواع الجمبري.
وأشار إلى وجود جانب واعد آخر لتنمية تربية الأحياء المائية في الإمارات، وهو استخدام التقنيات الحديثة القائمة على إعادة تدوير المياه، هذا ما نسميه RAS اختصاراً لأنظمة الاستزراع المائي القائمة على إعادة تدوير المياه، حيث يوجد اهتمام متزايد بهذه التقنيات، لأنها تسمح بإنتاج الأسماك بأقل قدر من التأثير البيئي وبكفاءة عالية فيما يتعلق باستخدام المياه، يمكن تطبيق هذه التقنية مع المياه البحرية والمياه العذبة، ويمكن حتى دمجها مع إنتاج محاصيل الزراعة المائية لزيادة كمية الغذاء المنتجة بالكمية نفسها من المياه.