هالة الخياط (أبوظبي)
فرضت جائحة «كورونا» تحديات واضحة في قطاع النفايات في الدولة، ففي الوقت الذي انخفضت فيه النفايات الناتجة عن القطاع التجاري بشكل عام، زادت فيه النفايات المنزلية نتيجة لإجراءات برنامج التعقيم الوطني، والتي استمرت لحوالي أربعة أشهر، إضافة إلى استمرار إجراءات العمل والتعليم عن بُعد. التحدي البيئي الأبرز خلال هذه المرحلة يتمثل في زيادة كميات النفايات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، والتخلص منها بإلقائها في الأماكن غير المخصصة لها. وتزامن مع الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة لمواجهة جائحة «كوفيد - 19» زيادة في حصيلة النفايات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، بما في ذلك القفازات، وسجادات الصلاة (المصليات) البلاستيكية، وأدوات الطعام البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وهو ما يتعارض مع مبادرة تقليل استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، والتي كانت اعتمدتها هيئة البيئة - أبوظبي مارس الماضي.
وتؤكد سميرة النابلسي، مقيمة في أبوظبي، أن جائحة «كورونا» زادت من استخدامها للنفايات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، بما في ذلك مصليات الصلاة البلاستيكية، وأدوات الطعام ذات الاستخدام الواحد، والقفازات وأكياس التسوق.
وتبدي النابلسي قلقها من ازدياد حجم النفايات البلاستيكية لما في ذلك من تأثير على البيئة، داعية إلى محاولة المستهلكين تقليل نفاياتهم البلاستيكية والتعامل بحكمة معها.
ويشتكي المواطن محمد البلوشي، من انتشار ظاهرة رمي الكمامات والقفازات بالشوارع وداخل البنايات السكنية، ومواقف المراكز التجارية، وهو ما يتطلب مزيداً من الوعي بخطورة هذه التصرفات. ويؤكد أن المرحلة تتطلب الاعتماد على النفايات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، ولكن لا بد من التعامل معها بحرص والتخلص منها بالطرق الصحيحة حفاظاً على البيئة والصحة العامة.
ويقول فادي الآغا، مقيم في أبوظبي، إن التحذيرات العالمية من النفايات البلاستيكية تتطلب تضافر جهود الأفراد في محاولة للتقليل من استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد بتضييق دائرة استخدامها بتلك التي تشترطها الإجراءات الاحترازية لمواجهة «كوفيد - 19»، فيما الأنواع الأخرى التي يمكن تجنب استخدامها فعلى الأفراد الابتعاد عنها.
ويقترح الآغا لتخفيف استعمال الأدوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، بالاستغناء عن «قناني» المياه ذات الاستخدام الواحد والاستعاضة عنها بأخرى قابلة لإعادة الاستخدام، على أن تكون مصنوعة من الاستانلس ستيل أو الزجاج، وأن تكون أيضاً خالية من مادة البيسفول، استخدام كوب القهوة/ الشاي الخاص بك والقابل لإعادة الاستخدام عند الذهاب للمقاهي، ورفض الماصات البلاستيكية عند طلب الطعام من المطاعم أو تناول الطعام خارج المنزل.
السلامة العامة
وفي الوقت الذي تستدعي فيه الحاجة حالياً الاستمرار في الاعتماد على الأدوات المستخدمة لمرة واحدة لأسباب تتعلق بالسلامة العامة، أكدت العديد من الجهات ضرورة التزام المجتمع بإرشادات وتعليمات الجهات المعنية في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها الجائحة، على أن يتم التخلص من هذه المواد بالطرق الصحيحة، وتجنب إلقائها في الأماكن غير المخصصة لها.
وتؤكد شيخة محمد المزروعي، مدير تنفيذي بالإنابة لقطاع التخطيط والسياسات البيئية المتكاملة في هيئة البيئة - أبوظبي، ضرورة التزام المجتمع بتعليمات وإرشادات الجهات المعنية في الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا، ومنها استخدام الكمامات والقفازات، وبعض الأدوات المستخدمة لمرة واحدة، وذلك لأسباب تتعلق بالسلامة العامة.
وتقول المزروعي «إن هيئة البيئة - أبوظبي تسعى إلى معالجة موضوع المواد البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة من خلال تجنب استخدام المواد التي يمكن تجنبها على أن تكون ذات بدائل واضحة، وتؤمن الوظيفة التي تؤديها هذه المواد في ذات الظروف، أو يمكن تغيير سلوك المستهلك لها من دون التأثير عليه». مشيرة إلى أن هناك العديد من المواد التي تستخدم لمرة واحدة ولا يمكن تجنبها أو استبدالها، وهي لم ولن تستهدفها هيئة البيئة، ومنها الأدوات الطبية مثلاً.
النفايات المنزلية
وتلفت المزروعي إلى أن الهيئة تجري تقييماً لتأثير جائحة «كوفيد - 19» البيئي على مستويات مختلفة، وهو ما أظهر أن الجائحة تسببت عالمياً ومحلياً، بتأثيرات بيئية إيجابية بشكل عام تمثلت في تحسين جودة الهواء، وخفض الانبعاثات بسبب قيود السفر والتنقل، وانخفاض الإنتاج الصناعي والحركة التجارية والاقتصادية. كما أدت الجائحة إلى تحسين قدرة الموائل الطبيعية للكائنات بسبب خفض الضغوط التي يتسبب بها البشر، ما سمح للكائنات والأنواع التمتع بموائل أكثر أمناً.
أما بشأن النفايات، فتوضح المزروعي أن تأثيرات الجائحة المتعلقة بالنفايات بشكل عام تفاوتت بين النفايات التي تنتجها المؤسسات التجارية مثلاً التي انخفضت بشكل عام في مقابل الزيادة في إنتاج النفايات المنزلية نتيجة للحجر وإجراءات العمل والتعليم في المنازل. كما برزت بعض التحديات المتعلقة بإلقاء الكمامات أو القفازات البلاستيكية في الأماكن غير المخصصة لها.
وتشير إلى أن «الهيئة» لطالما اعتبرت أن تحدي المواد المستخدمة لمرة واحدة البلاستيكية وغير البلاستيكية مرتبط بعاملين مهمين. العامل الأول هو الاستهلاك الزائد لهذه المواد، وهو ما يحتم اتخاذ إجراءات لخفض نسب الاستخدام، حيث أمكن ذلك. أما العامل الثاني، فهو وصول هذه المواد إلى البيئة عبر إلقائها في غير الأماكن المخصصة لها، ما يتسبب بأضرار بيئية. وهذا العامل سلوكي ومرتبط بالمستخدمين لهذه المواد، وتتطلب معالجته حملات التوعية، وتشديد إجراءات الحد من إلقاء النفايات عشوائياً.
تأجيل الإجراءات
وعن خطة «الهيئة» للتعامل مع الزيادة في استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد، خاصة في ظل استمرار جائحة كورونا، تبين المزروعي أنه كخطوة رئيسة، وافقت اللجنة التنفيذية لإمارة أبوظبي على طلب هيئة البيئة لتعديل برنامج الإجراءات المتعلقة بسياسة المواد البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة في إمارة أبوظبي والتي أعلن عنها في مارس من هذا العام. وبموجب البرنامج الجديد سيتم تأجيل الإجراءات والحملات لتبدأ خلال العام القادم، ويتم التدرج في تطبيقها بموازاة التطورات المتعلقة بالجائحة. مثلاً، بموجب السياسة، سيتم حظر أكياس التسوق ذات الاستخدام الواحد واستبدالها بأكياس متعددة الاستخدامات أي أكثر متانة وسماكة. في حين أن الإجراءات المتعلقة بالجائحة تنصح المستهلكين بالتخلص الفوري من أكياس التسوق للسلامة، وهي ضرورة قصوى في هذه الظروف.
التقيد بإجراءات الوقاية
وتؤكد المزروعي أن المرحلة الحالية تتطلب التقيد بالإجراءات المطلوبة بما يحقق السلامة العامة، ولكن في الوقت نفسه يجب الانتباه إلى كيفية التخلص من هذه المواد بعد استعمالها وعدم رميها إلا في المستوعبات الخاصة بالنفايات، لا سيما أن إلقاء هذه المواد في الأماكن غير المخصصة لها، يتسبب بالتلوث وبأضرار بيئية كبيرة.
وتلفت إلى أنه في المراحل القادمة سيتم تنسيق جهود التوعية في مجال هذه المواد مع الجهود القائمة حالياً لمكافحة جائحة كورونا. فسلامة المجتمع ووقايته من هذه الجائحة على رأس الأولويات. ومع الخفض التدريجي للإجراءات القائمة حالياً، ستقوم «الهيئة» بتنفيذ العديد من الإجراءات والتي ستترافق مع حملات توعية واسعة تستهدف المنتجين والتجار وسلسلة الإمداد والمستهلك النهائي. كما ستقوم «الهيئة» بالعمل مع الجهات الحكومية الأخرى من أجل تنفيذ القوانين بإدارة النفايات وتفعيلها وتطويرها،
لافتة إلى أن «الهيئة» بصدد اتخاذ حزمة من الإجراءات التنظيمية المختلفة في هذا المجال، وكلها ستترافق مع برامج توعية وحملات وفترات زمنية تسمح بتطبيق الإجراءات بشكل سلس، ولا يؤثر إلا بشكل إيجابي على المجتمع.
زيادة حجم النفايات البلاستيكية تزامناً مع «كورونا»
سجل مركز إدارة النفايات في أبوظبي «تدوير»، زيادة في حجم النفايات البلاستيكية التي تم جمعها في إمارة أبوظبي منذ مارس الماضي وبلغت حوالي 38.585 ألف طن، حيث شهدت الفترة التي تم فيها تطبيق برنامج التعقيم الوطني خلال أشهر مارس وأبريل ومايو تسجيل أعلى نسبة من النفايات البلاستيكية بواقع حوالي 28 ألف طن. ورصد مركز تدوير ظاهرة الكمامات والقفازات الملقاة في الشوارع بشكل عشوائي خلال الأشهر الماضية.
ويوضح المهندس عبد المحسن الكثيري، مدير إدارة المشاريع والمنشآت بالإنابة في «تدوير»، أن تكلفة إعادة تدوير نفايات البلاستيك تقدر من 700 درهم إلى 1000 درهم للطن الواحد، متفاوتة حسب حجم المصنع وطاقته الإنتاجية.
أنواع النفايات البلاستيكية
يبين الكثيري أن النفايات البلاستيكية تندرج تحت عدة أنواع وهي كالتالي: البولي إيثَلين ترفثاليت ويدخل في صناعة عبوات الماء وعلب البلاستيك، البولي إيثَلين عالي الكثافة ويستخدم في صناعة علب الشامبو والمنظفات، البولي ڤينايل كلورايد ويستخدم في صناعة أنابيب الصرف والجرابات المغطية للأسلاك الكهربائية على الجدران، حيث إنه صعب الاحتراق، البولي إيثَلين منخفض الكثافة ويستعمل في صناعة علب الأقراص المضغوطة وأكياس التسوق، البولي بروبَلين يستعمل في صناعة الصحون وحوافظ الطعام وعلب الدواء «وهو من أفضل أنواع البلاستيك»، والبولي ستايرين ويستعمل في صنع بعض الصحون، وهو من الأنواع الشفافة.
الضرر البيئي
تشير شيخة المزروعي، مدير تنفيذي بالإنابة لقطاع التخطيط والسياسات البيئية المتكاملة في هيئة البيئة - أبوظبي، إلى أنه بالمطلق، تتسبب المواد البلاستيكية التي تتسرب إلى البيئة، برياً وبحرياً في نفوق الحيوانات، ومنها الجمال والأسماك والكائنات البحرية الأخرى.
وتشير التقارير إلى أنه سيكون هناك طن من البلاستيك مقابل كل ثلاثة أطنان من الأسماك بحلول 2025، وسيكون هناك بلاستيك في البحار أكثر من الأسماك بحلول 2050 في حال استمرار البشر في إلقاء مخلفاتهم في الأماكن غير المخصصة لها. وهذا ينطبق على أنواع النفايات والمواد الأخرى، ومنها غير البلاستيكية. كما تدخل جزيئات البلاستيك في السلسلة الغذائية للأسماك، ومنها إلى الإنسان والكائنات الأخرى.
سلامة المجتمع
تهيب بلدية مدينة أبوظبي بجميع أفراد المجتمع بعدم رمي القفازات والكمامات المستعملة في المرافق العامة والشوارع، والالتزام برميها في سلال النفايات والحاويات المعزولة، حفاظاً على سلامة المجتمع والبيئة، لكون هذه الممارسات فيها إضرار بصحة الآخرين وتهديد لسلامتهم.
فيما حذرت شرطة أبوظبي سابقاً من رمي الكمامة من السيارة أثناء القيادة، مؤكدة أن ذلك يعد مخالفة غرامتها تصل إلى 1000 درهم وست نقاط سوداء.