أبوظبي (الاتحاد)
منذ صدوره في 29 نوفمبر 2007، يواصل الملحق الثقافي لجريدة «الاتحاد» دوراً تنويريّاً وموسوعيّاً بجدارة، عبر حرصه المنتظم على مواكبة القضايا التي تهمّ الثقافة العربيّة، والتي تتمّ ضمن معادلة دقيقة: من جهة أولى، طرح الملفّات ذات الرّاهنيّة الملحّة بنظرة عقلانيّة تستلهم الرّصيد التّنويريّ، الذي يحفظه التّراث الإنسانيّ الكونيّ بقدْر ما تستأنس بروح التّجديد، التي ما انفكّ مفكّرون وأدباء عرب يبثّونها في الثقافة العربيّة منذ عقود تناهز القرن.
من جهة ثانية، بسط هذه الملفّات على أكثر من صعيد بما يجعل من الملحق الثقافيّ، في انتظام صدوره، مشروعاً موسوعيّاً؛ فهو يفتح الأبواب والنّوافذ على مجالات تتراوح بين قضايا الفنّ والأدب بمختلف أجناسهما، وبين مسائل يثيرها الفكر السيّاسيّ الرّاهن عالميّاً وإقليميّاً، وبين إشكاليّات تفرزها الحضارة العصريّة المرتبطة بالتّكنولوجيات الجديدة وبالوسائط التي تؤثّث اليوم عالَم الاتّصال والإعلام.
لقد كسب الملحق الثقافي في جريدة «الاتحاد» الرهان؛ لأنه ملحق لم يتخلق ليكون بوقاً دعائياً أو مادةً استهلاكية، والآن نستطيع أن نقول إن الملحق جاء تطوره طبيعياً وضرورياً، ومارس بوعي وجدية دوره الثقافي، الفكري والتنويري، في التفاعل مع الواقع الأدبي والفني المحلي والعربي، مع تسليط الضوء على رؤى ونماذج عالمية لها التأثير الواسع في مختلف المجالات الفكرية والفنية.
ومن أهم إنجازات الملحق الثقافي، الملفات الشهرية التي يحرص على تحريرها عبر كتابات في موضوع معيّن، أو ظاهرة ملحة، أو مفهوم خاص، أو قضية مثيرة للجدل، بحيث تتولى هذه الكتابات المتنوعة في إضاءة المادة أو القضية المختارة بالسبر والتحليل والنقد والتأويل، والكشف عن مختلف جوانبها، بحيث تقدّم للقارئ صورة واضحة، تكاد تكون شاملة، للمادة المختارة للعرض والتناول، وفي هذا المجال، نجح الملحق في تناول العديد من القضايا المهمة التي تثير شهية القارئ للمعرفة وتحرّك ملكة الاستقصاء والنقد لديه.
ويعكس الملحق الثقافي الصورة المتقدمة والناصعة لدولة الإمارات العربية المتحدة من الوجهة الثقافية، وتأكيد دورها في رعاية الآداب والفنون، وحرصها على الإعلاء من شأن الأديب أو الفنان الإماراتي، لكن من دون تجاهل للإسهام العربي والإبداع العالمي.
ومن خلال الملحق الثقافي، تعرف القارئ العربي على تراث الخليج العربي وفولكلوره، وكذلك على مبدعيه في مختلف الحقول، وكان لتراث الإمارات في تأريخها القديم حصة بارزة، فقد قلّب الملحق صفحات طواها الزمن من تاريخ آثارها وحفرياتها ومواقعها الزاخرة باللقى والرسوم والفنون، واكتسب هوية خاصة ظهرت واضحة بين ما ينشر عربياً، وتكرّست هذه الخصوصية بثراء تصميمه وتوزيع مادته. ولا شك في أن قيم التنوير في العالم العربي تحتاج إلى صراعٍ طويل مع الواقع، ولا يمكننا القول إن هناك الكثير من المنابر عربياً لمثل هذا التنوير، ولكن هذه المنابر، على قلّتها، كانت وما زالت مهمة وضرورية لمستقبل لا بد أن تنتصر فيه قوى التنوير على عالم عبثية الظلام، والملحق الثقافي يحاول أن يضيء حيزاً في واقعنا العربي، ويحاول أن يرسّخ ثقافة تنويرية تشتعل بشموعها وعياً وعقلانية وسط الظلام.
لقد طرح الملحق العديد من الملفات والإعداد الخاصة، من بينها ملف «تجار الدم» عن قضايا الإرهاب في العالم، كما ناقش الملحق إشكالية تجديد الخطاب الديني كمدخل شامل للإصلاح السياسي والاقتصادي واللغوي والتربوي، وعرضت ملفاته لقيم التسامح والسلام الكوني ووحدة الإنسانية، واهتم الملحق بالبحث في باطن التاريخ عن الحضارة العربية وعن عرب ما قبل الإسلام، ومرد هذا الاهتمام القول إن أمة بلا ماضٍ، حكماً ستضحى بلا مستقبل، ونبه الملحق للمشكلات التي تجابه مجتمعنا الإنساني المعاصر، وكان أحد أهم الملفات التي فتحت عبر صفحات الملحق الثقافي هو ذاك المتصل بالعلمانية في العالم العربي، وليس سراً أن لفظة علمانية، تكاد من جراء ما لحق بها من هجومات الأصوليين أن تتحول إلى كلمة سيئة السمعة، ولهذا جاء عدد كامل ليعيد وضع الأمور في نصابها بشكل علمي ومعرفي حقيقي.
سر الإمارات الخلاق كما قدمته صفحات الملحق الثقافي، أشار بوضوح إلى أنها غنية بعقول أبنائها، وبمقدرتها على الابتكار والتخليق والتجديد، ثرية بالتركيز على آفاق العلوم الحديثة، وإتاحة الفرص للمبدعين والمجددين، من دون الولوج إلى عوالم الأيديولوجيات المتطرفة، ولا الغوص في بحار القوميات المتعصبة.