لكبيرة التونسي (أبوظبي)
الحوار الأسري ركيزة أساسية لتعزيز العلاقات بين الآباء والأبناء، ويسهم في تحقيق التفاهم والتقارب العاطفي من خلال التعبير عن المشاعر والأفكار، ويزيد الثقة ويُبعد عن الأحكام والانتقادات، كما يوفر بيئة مفتوحة للحوار البناء.
ويمكن للأسرة حل مشكلاتها بطريقة فعالة، مما ينعكس إيجاباً على جودة الحياة الشخصية والدراسية والمهنية، لكن كيف ذلك؟ هذا ما يجيب عنه اختصاصيون وخبراء.
وقالت شيخة الزحمي، اختصاصي علاقات أسرية في مؤسسة التنمية الأسرية، إن الحوار الأسري يلعب دوراً مهماً في تحسين التحصيل الدراسي للأبناء، حيث يساعدهم على تحديد أهدافهم بصورة واضحة، وذلك من خلال النقاش حول ما يتطلعون إلى تحقيقه خلال العام، وكيف يمكنهم الوصول إلى هذه الأهداف.
وأشارت إلى أن الحوار الإيجابي الفعال يبتعد عن النقد والانفعال ويتيح اكتشاف أي صعوبات قد يواجهها الأبناء، مما يمكِّن من التعامل معها مبكراً وبشكل مناسب، كما يكسب الأبناء مهارات التعامل مع التحديات.
وأضافت: «يجب أن يحرص الوالدان على توفير قناة اتصال مفتوحة مع الأبناء لتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم ومشاكلهم بحرية، حيث يجب أن يتواجد الآباء ذهنياً ونفسياً أثناء المحادثات، وتفهم مشاعرهم والتعاطف معهم من دون الاستعجال في تقديم الحلول، مما يساعد على بناء علاقة الثقة والاحترام، ومن ثم البدء في وضع عدد من التقنيات الدراسية الفعالة مثل تنظيم الملاحظات، وإعداد جداول زمنية، واستخدام أدوات مساعدة، ومهارات إدارة الوقت».
وأشارت إلى أن الحوار الأسري الفعال يلعب دوراً مهماً في تعزيز الثقة بالنفس لدى الأبناء، إذ إن التحدث مع الأبناء عن أهدافهم وتطلعاتهم، يعزز شعورهم بالتفاؤل والثقة في قدراتهم، ويساعد على تحسين مهاراتهم في التواصل الفعال مع أقرانهم ومعلميهم. كما أن الاعتراف بجهد الأبناء والاحتفال بإنجازاتهم، مهما كانت صغيرة، يحفزهم على الاستمرار في السعي لتحقيق المزيد.
بناء الحوار
عن كيفية بناء حوار إيجابي بين أفراد الأسرة، لفت إبراهيم المرزوقي، اختصاصي اجتماعي، إلى أهمية التعبير عن المشاعر بطريقة إيجابية باستخدام عبارات مثل «أنا» بدلاً من «أنت»، مما يساعد على تجنب اتهام الآخرين وتعزيز الحوار، وتطبيق مبدأ الاحترام في الحديث واحترام الاختلافات في العمر أو طريقة التفكير، وتجنب استخدام اللغة السلبية أو تجاهل حديث الآخرين، واستخدام لغة تشجيعية وداعمة لتعزيز الفهم المتبادل والتعاون.
وأضاف: يعتبر الحوار الأسري أحد العوامل الأساسية في تعزيز الروابط بين أفراد الأسرة، حيث يسهم بشكل كبير في تحسين جودة الحياة الأسرية، ويوفر منصة لتبادل الأفكار والمشاعر، مما يعزز التفاهم المتبادل، ويجعل البيئة الأسرية أكثر دعماً واستقراراً.
وذكر أن الحوار الأسري له تأثير كبير على الصحة النفسية والعاطفية لأفراد الأسرة، حيث يوفر ملاذاً مهماً لمواجهة تحديات الحياة اليومية والضغوطات النفسية، ويوفر منصة آمنة للتعبير عن المشاعر السلبية مثل: القلق والضغط النفسي، كما يقلل من التوتر اليومي، مشيراً إلى أن الحوار الأسري يسهم في بناء الهوية العائلية والشعور بالانتماء، ويعزز الرفاهية العامة.
وأوضح المرزوقي أن تطور التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يكون له تأثير متنوع على الحوار الأسري، فمن الناحية الإيجابية توفر التكنولوجيا فرصاً للتواصل والحوار عن بُعد بين أفراد الأسرة المتباعدين جغرافياً. أما من الناحية السلبية، فيمكن أن تؤدي التكنولوجيا إلى الانفصال العاطفي بين أفراد الأسرة إذا استُخدمت بشكل مفرط على حساب الحوار الشخصي والتواصل البصري، مثل استخدام الهواتف الذكية خلال الوجبات العائلية أو الأنشطة الاجتماعية. ولتجنب هذه التأثيرات السلبية، يمكن للأسرة تحديد أوقات للتفاعل من دون التكنولوجيا، وتعزيز قواعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي داخل الأسرة، وتشجيع الحوار والتواصل البصري والاستماع الفعّال.
وقت نوعي
بدوره، أكد الدكتور شافع النيادي، خبير التنمية البشرية والعلاقات الأسرية، على أهمية الحوار والإنصات للأبناء وتخصيص وقت نوعي لهم، إذ إن التواصل يحتاج إلى الإنصات، وتقديم النصح بطرق غير مباشرة والابتعاد عن العتاب، وترك المجال للتعبير عن المشاعر من دون خوف أو تهديد أو جلد نفسي مثل اللوم والانتقاد.
وعبر الحوار والتواصل يتم الوصول إلى الكثير من الحلول، ضمن بيئة آمنة، وكثير من الحب والتقدير والاهتمام والتعاطف، وعدم التقليل من قيمة الأبناء وقدراتهم.
وأشارت رحاب الطريفي، اختصاصية نفسية، إلى أن وعي الأهل بأهمية نقاش المشكلات وتعزيز الحوار في الأسرة، يساعد على فتح النقاش والحوار يومياً، وأكدت على أهمية الاستماع بتعاطف مهما كانت المشكلة، وتعزيز مهارة حل المشكلات، والمرونة النفسية، وعلى الآباء تقديم الدعم العاطفي في مختلف المواقف الاجتماعية والحياتية.
جودة الحياة
وعن أهمية الحوار وانعكاسه على جودة الحياة والصحة النفسية، أكدت الدكتورة عزيزة المغيولي، اختصاصي نفسي سريري في مدينة الشيخ شخبوط الطبية، أن مناقشة المواضيع مع الأطفال والحوار معهم يعد أداة قوية في حل المشكلات التي يعاني منها الطلاب أثناء الدراسة، حيث يشجع على التعبير عن المشاعر والمخاوف، لاسيما أن الطلاب غالباً ما يواجهون تحديات مثل الضغوط الأكاديمية أو القلق الاجتماعي أو المشكلات الشخصية. ويتيح الحوار المفتوح الفرصة للتعبير عن هذه المخاوف، وهو الخطوة الأولى نحو إيجاد الحلول.
وذكرت أن للحوار تأثيراً نفسياً كبيراً على أفراد الأسرة، إذ يعبرون عن مشاعرهم وينفسون عن الضغط الداخلي ليشعروا بالراحة النفسية، مع تعزيز الثقة بالنفس، وتحسين العلاقات الاجتماعية، وتطوير مهارة التواصل مع الآخرين مما يعزز الشعور بالانتماء، وتعزيز التفكير الإيجابي والنظر للأمور والمشكلات بصورة صحية وتقليل التوتر.
وأكدت أن الحوار وسيلة لتبادل الأفكار ووجهات النظر حول موضوع معين، ومناقشة الحلول والقرارات أو التوصيات المتعلقة بالمشكلة.
نصائح
قدمت د. عزيزة المغيولي مجموعة من النصائح من أجل حوار إيجابي، ومنها أن يكون الآباء والأمهات مستمعين جيدين، وإعطاء أطفالهم الانتباه الكامل من دون مقاطعة، وإظهار التفهم للمشاعر والأفكار من دون انتقاد، وتشجيع الحوار المفتوح وبكل حرية ليشعر الأطفال بالأمان، والتحدث بطريقة مناسبة لأعمارهم، واستخدام لغة بسيطة ومفهومة، وتخصيص وقت يومي للحوار مع الأطفال لتعزيز التواصل الدائم، والتحكم في ردود الفعل من الوالدين والحفاظ على جو من الهدوء عند النقاش.
مهارات
أكد علي عبدالله اليماحي، مستشار التدريب وجودة الحياة، على أهمية الحوار الأسري عن طريق المناقشة والحديث في التحديات وإيجاد حلول لها وتوارد الأفكار وتعزيز الألفة والتواصل، مشيراً إلى أن الحوار من أعمدة الاتزان داخل الأسرة، ويساعد على تجاوز المشكلات العارضة، وبناء أسرة قوية.
كما يعزز مهارات القدرة على التعبير عن المشاعر، مما يساعد على التمتع بالصحة النفسية العالية السليمة، مما ينعكس على صحة الفرد والأسرة والمجتمع، ومن أهم المهارات التي يجب أن يتمتع بها أفراد الأسرة أثناء الحوار، هي: فن الإصغاء، الحفاظ على الهدوء، وتقبل الخلافات.