د. شريف عرفة
حياتنا مليئة بالخيارات ومفترقات الطرق التي تتطلب مهارة اتخاذ القرار، بدءاً من قرارات بسيطة، مثل: ماذا سنأكل اليوم؟ أو ما الفيلم الذي سنشاهده في السينما؟ وصولاً لقرارات أكثر مصيرية، مثل: هل أختار هذا العمل أو ذاك؟ هل أستثمر في هذا المشروع أم لا؟... إلخ.
اهتمت بهذا الموضوع مراجع الإدارة «مثل كتاب إدارة اتخاذ القرار، لألبيرتو ماروجان وفاوستو ماركيز..» وعلم النفس «مثل كتاب الخيارات المباشرة: علم نفس اتخاذ القرار، لبن نيويل وزملاؤه..» والتي ذكرت تقنيات عديدة تساعدنا في تحسين قدرتنا على اتخاذ قرارات أفضل.. نذكر منها ما يلي:
1- حدد أولوياتك
معرفة إلى أين ذاهب، هو البوصلة التي تساعدك في اختيار الطريق الذي تسلكه. وبالمثل، عندما تكون حائراً بين خيارين، قد يكون سبب الحيرة هو عدم تحديد أولوياتك الحقيقية، أو تداخل الأهداف دون تحديد الأكثر أهمية بينها.
مثلاً: حين تختار ماذا تأكل اليوم، فإن القرار قد يكون أوضح حين تعرف ما إذا كانت الأولوية هي صحتك أم شعورك باللذة!
وعند تسعير منتجك، يصبح القرار أوضح حين يكون المستهلك الذي تستهدفه واضحاً في ذهنك. عندها سيكون القرار سهلاً: هل تريد أن يكون منتجك غالياً ويستهدف الأثرياء، أم رخيصاً ويستهدف عموم الناس؟
2- اجمع معلومات كافية
لضمان اتخاذ قرار صحيح. ينبغي البدء بتوفير المعطيات الكافية والبيانات الدقيقة، بدلاً من الاعتماد فقط على الحدس والانطباعات التي كثيراً ما تكون خاطئة. مثل: قراءة أبحاث السوق والبيانات المالية وتعليقات العملاء وآراء الخبراء... إلخ.
وهو ما نفعله مثلاً حين نفكر في الذهاب لمطعم جديد أو السفر لوجهة سياحية لا نعرفها، فنقرر مراجعة آراء الناس أو تقييمات الزبائن أو سؤال معارفنا الأكثر خبرة في الموضوع.
3- فكر بالكتابة
الكتابة تساعدنا في رؤية أفكارنا وتقييمها بشكل موضوعي. مثل كتابة المميزات والعيوب لنرى عدم اتزان الكفتين أمامنا، بدلاً من ترك هذه الأفكار مبعثرة في عقولنا لنقفز من فكرة لأخرى. تشمل تدريبات الكتابة أيضاً توليد البدائل، وتقييم هذه البدائل. فأحياناً لا ينبغي أن يحصر الإنسان نفسه في اختيارين، بل قد يكون مفيداً توسيع الدائرة لخيارات أكثر إبداعاً، تشمل الدمج بين خيارين، أو الوصول لحل وسط، أو لحل آخر لم يكن موجوداً ضمن قائمة الخيارات. ثم بعد ذلك يتم تقييم كل الخيارات والمفاضلة بينها بناء على المعلومات المتاحة. مع تجنب كثرة الخيارات التي قد تؤدي إلى «إنهاك القرارات» الذي نتحدث عنه في النقطة التالية!
4- تجنب إنهاك القرارات
تكشف دراسات عديدة كيف أن ممارسة اتخاذ قرارات لفترة طويلة يصيب المرء بالإنهاك الذهني الذي قد يجعله أقل قدرة على اتخاذ قرارات صحيحة. فكر في يوم عمل طويل مليء بالتحديات الذهنية، تعود للمنزل ويأتيك ابنك أو ابنتك طالبين منك أن تسمح لهم باللعب على الهاتف لمدة إضافية.. في هذا الوقت قد توافق علي طلبهم كي ترتاح.. لأن هذا هو القرار هو الأسهل والذي يجنبك إنهاكاً ذهنياً إضافياً في الجدال والدفاع عن قرارك. هذا يشبه ظاهرة «إنهاك القرارات» أو «استنفاد الأنا» التي تحدث عنها روي باومايستر.
قبل اتخاذ قرار مصيري، تأكد من النوم جيداً لعدد ساعات كافية، وأن تكون نشيطاً تشعر بالحيوية وفي أوج طاقتك، لتجنب اتخاذ القرار فقط لأنه الأسهل.
5- راقب مشاعرك
اتخاذ القرار تحت مشاعر إيجابية أو سلبية جامحة، يؤثر في اتخاذ القرار حتى لو ظننا أنها عقلانية تماماً. فالتحيزات المعرفية تحدث دون أن نعي حدوثها. والقرار الذي نراه ممتازاً قد لا يكون كذلك حين نعيد التفكير فيه ونحن في حالة شعورية أخرى.
المشاعر تساعدنا في اتخاذ القرارات بأن تعطينا انطباعات مبنية حول خبراتنا في التعامل مع أي موضوع. لكن حي يتعلق الأمر بموضوع لا خبرة كبيرة لنا فيه، هنا لا ينبغي التسرع، وتأتي أهمية مهارات الذكاء العاطفي.
مثلاً: يمكن ممارسة التأمل كي نلاحظ حالتنا الشعورية وندرك تحيزاتنا المعرفية. في تجربة نشرت في «سايكولوجيكال ساينس»، وجد الباحثون أن ممارسة تأمل اليقظة الذهنية لمدة 15 دقيقة، ساعد المشاركين في اتخاذ قرارات أكثر عقلانية بأن قلل وقوعهم في براثن التحيزات الإدراكية.
6- تنفيذ القرار
هذه خطوة ضرورية تبدأ عندها الرحلة ولا تنتهي. إذ أن القرار الذي اتخذته يحتاج لتطوير خطة، وتحديد المسؤوليات، والمتابعة، والتقييم.. كن مثابراً مستعداً للتطوير واكتساب الخبرات.. تذكر أنه لا يوجد خيار مثالي تماماً، وكل قرار ينطوي على درجة معينة من المخاطرة. لذا، كن مستعدا لتعديل القرارات إذا توافرت معلومات جديدة أو تغيرت الظروف المحيطة. بعد تنفيذ القرار، راجع النتيجة كي تتعلم منها. هل حققت النتائج المرجوة؟
ما الدروس التي يمكن تعلمها لاتخاذ قراراتك المستقبلية؟