عدد اليوم
خولة علي (دبي)
ضمن حملة «أجمل شتاء في العالم»، تبرز مدينة مصفوت القابعة وسط الجبال وجهةً سياحيةً ساحرةً، تحمل عبق التراث والأرض المعطاء والتاريخ الضارب في أعماق الزمن، هذه المدينة التابعة لإمارة عجمان تتميز بمنحدراتها الصخرية والجبال الشاهقة التي تحيط بها، ما يجعلها ملاذاً رائعاً للاسترخاء ومكاناً منعشاً للهروب من حرارة المدينة، ليقضي خلالها العوائل والسياح وقتاً ممتعاً في رحلة لا تنسى.
تعود تسمية مدينة مصفوت إلى طبيعة موقعها الجغرافي بين الجبال الشاهقة، فهي مصفوتة أي مضغوطة ومحاطة بالمرتفعات، وهذه الجبال فرضت طوقاً من الحماية الطبيعية ضد الغزاة لمنعهم من الوصول إليها بسهولة، ما أدى إلى وجود تجمعات سكنية تعود إلى ما قبل الميلاد، حسبما تشير الآثار حول البلدة، خاصة في مناطق السيهيان وغلفا والخنفرية.
كانت مصفوت تعتمد في الماضي على الوديان التي تتدفق من روؤس الجبال لتصل المياه إلى المزارع والنخيل، فانتشرت السدود على أطراف الوديان مثل سد خليبان والسيهيان واليزير ومصفوت الكبير، وهذه السدود تتجمع فيها المياه من الشعاب والسهول، فتروي الأراضي عبر الآبار والأفلاج، وهذه المنطقة تنقسم إلى قرى صغيرة وفرجان مختلفة، وفي كل حي أو فريج يوجد مسجد، ففي قرية الزاهر «ضفدع» سابقاً، بنى سلطان بن سعيد مسجداً في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، ولا يزال قائماً حتى اليوم.
تجربة ممتعة
وصرح محمود الهاشمي، مدير عام دائرة التنمية السياحية في عجمان، بأن مدينة مصفوت تعد وجهة مفضلة للسياح لممارسة العديد من الأنشطة الرياضية في الهواء الطلق، وتشكل المناطق الريفية ذات الطبيعة الجبلية مكاناً مثالياً للمشي وركوب الدراجات الهوائية للتنزه والمرح، وسط الوديان الفسيحة والجبال الشاهقة، مثل جبل دفتا، جبل ليشن، والجبل الأبيض، وتتميز أيضاً بأرضها الزراعية الخصبة، ووفرة حجر الرخام فيها، ويسهم ارتفاعها عن سطح البحر في توفير مناخ أكثر برودة مقارنة بالمناطق الأخرى في الإمارة، كما توفر مصفوت لزوارها تجربة ممتعة لا تنسى من خلال السياحة والمتعة، حيث تحرص الدائرة على جذب المزيد من السياح بتنفيذ مشروعات فندقية متعددة، وتنظيم فعاليات ثقافية وغيرها، لتعزيز مكانة عجمان على خريطة السياحة العالمية، وتسليط الضوء على المواقع الطبيعية الخلابة التي تضمها الإمارة.
معالم أثرية
وأضاف الهاشمي، أن مدينة مصفوت تقع بالقرب من «حتا»، على بعد 90 دقيقة بالسيارة من مدينة عجمان، ومن أبرز معالمها الأثرية بوابة مصفوت الواقعة في جبال الحجر، وتعد البوابة الرئيسة للدخول إلى ملحقة مصفوت التي تم بناؤها بتكليف من المغفور له الشيخ راشد بن حميد النعيمي، رحمه الله، عام 1961، وتتكون البوابة من عمودين حجريين تصل بينهما لافتة تتضمن عبارات ترحيب بالزوار القادمين وعبارات توديع للمغادرين، كما تضم قلعة مصفوت التي تقع على أعلى قمة جبلية بالمنطقة والتي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الـ 19، والتي تم بناؤها من الحجارة والطين والخشب المحلي، حجرتين وبوابة واحدة، وفي أواخر عام 1940 تم ترميم القلعة ذات الشكل البرجي بتوجيه من المغفور له الشيخ راشد بن حميد النعيمي، رحمه الله، وتقع القلعة عند الحافة الشمالية لمنطقة مصفوت على بعد 120 كيلومتراً جنوب شرق مدينة عجمان. وهناك مسجد «بن سلطان» الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، ويعد جوهرة تاريخية تزين ملحقة مصفوت، وهو مبني من الصلصال والجص مع مظلة من أوراق سعف النخيل المتداخلة مع بعضها بعضاً لتشكل سقف المسجد.
أفلاج ووديان
وتعتمد مصفوت على الأفلاج لري المزارع، وهي تجري طوال العام وتسمى «داودية»، بينما الأفلاج التي تعتمد على جريان الوديان تسمى «غيلية»، وكان الأهالي سابقاً يجلبون منها المياه للشرب والغسيل، وتضم مدينة مصفوت 9 أفلاج، منها الرئيسة وهي تمتد لتسقي مزارع القرية طوال العام، ومنها فلج مصفوت، الورعة، وضفدع، وتصل مساحة الفلج إلى 3 كيلومترات، ومن الأفلاج الثانوية التي تعتمد على جريان الوديان، فلج المصيف الذي لا تزال آثاره واضحة، إضافة إلى الشرية، المصيف، والسلمي.
ومن الأفلاج التي اندثرت لكون المزارع التي كانت تعتمد عليها، تحولت إلى الري عبر الآبار الارتوازية، فلج النقاع، وأخرى لم تعد تُستخدم كفلج المزيرع، لكون المنطقة تغيرت جغرافيتها، كما شيد في المنطقة مصنع غلفا للمياه المعدنية على مجرى وادي غلفا الذي ينحدر من أعالي الجبال ناحية «أم النسور»، وهي أعلى قمة في سلسلة جبال المنطقة.
برج «البومة»
توجد حول مصفوت أبراج مراقبة وحراسة عدة للحفاظ على الأمن في القرية، وبُني معظمها من الحجارة، منها برج «البومة» الواقع على جبل الورعة، والذي تحوَّل في زمن المغفور له الشيخ راشد بن حميد النعيمي، رحمه الله، إلى برج مبني من الجص والحجارة لكي يصمد أكثر في وجه الرياح وتغيرات الطقس، وسُمي بـ «البومة» لكون طائر البوم لا ينام ليلاً، مقارنة بحراس برج المراقبة الذين كانوا يمضون الليل في حراسة مشددة.
«متحف مصفوت»
تضم المدينة «متحف مصفوت» الذي يعتبر الأول من نوعه في المنطقة، ويركز على المحتوى التراثي لإمارة عجمان، وفقاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان، للحفاظ على الموروث التراثي الخاص بالمنطقة، ويضم المتحف مجموعة من مقتنيات الأسرة الحاكمة في عجمان وبعض السكان المحليين، مستعرضاً طبيعة حياتهم ومهامهم، مسلّطاً الضوء على طبيعة الحياة في المنطقة ونماذج من الآثار والصناعات التقليدية والتحف، بالإضافة إلى صور تجسد أسلوب الحياة في الماضي، بهدف تعريف الزوار بطبيعة الحياة في المجتمع في العصور السابقة.
