قال القدماء: «من شب على شيء شاب عليه».. وأن «الطبع يغلب التطبع».. وأنشد الشاعر إن «طباع الفتى ليست تشيب بشيبه».. فما مدى دقة هذا الكلام؟ هل «ذيل الكلب لا ينعدل» أبداً؟ هل نحن عاجزون عن التغيير حقاً وتظل خصالنا كما هي مهما حاولنا؟
حتى وقت قريب، كان يسود اعتقاد بين علماء النفس بأن سمات الشخصية تتمتع بقدر عظيم من الثبات والجمود لدرجة تصل إلى رسوخ الأسباب الوراثية التي لا يد للإنسان فيها.. فالانطوائي يظل منعزلاً، والاجتماعي يفضل الصحبة والمناسبات.. وقد ترى في هذا الرأي وجاهة إذا نظرت إلى أطفالك الذين لم تصقلهم الحياة بعد وتلاحظ أن لكل منهم شخصية مختلفة عن الآخر.. الحقيقة أن الاستعداد الوراثي له دور واضح لا يمكن إنكاره..
لكن الجديد، أن الحكاية لا تنتهي عند هذا الحد.
مؤخراً، بدأت دراسات علم نفس الشخصية تتحدث عن فكرة غير معتادة.. وهي أن في الإمكان تغيير أنماط الشخصية الرئيسة الخمسة «الانبساطية، العصبية، الوفاق، التنظيم، الانفتاح».. قد يكون هذا صعباً وقد يستغرق وقتاً لكنه يحدث.. لا يحتاج إلا إلى مثابرة ورغبة صادقة كي تجد شخصيتك وتفضيلاتك تتغير تدريجياً حتى تكتسب طبيعة ثانية!
كيف ذلك؟ الطريقة الأكثر شيوعاً في هذه الأبحاث هي ممارسة ما يطلق عليه التحدي اليومي.. أي أن تلزم نفسك كل يوم بالقيام بتصرف يعبر عن الشخصية التي تريد اكتسابها، وأن تواصل ممارسة ذلك لعدة شهور، وستجد أن التوقف عن هذا السلوك سيترك فراغاً في نفسك لن تستطيع ملئه إلا بمعاودة التصرف بشخصيتك الجديدة! مثال ذلك أن تجبر نفسك على تفاعلات اجتماعية جديدة لو كنت انطوائياً، أو تغيير وتجديد شيء لو كنت تكره التجديد.. بل إنهم وجدوا أن ممارسة التعاطف مع الآخرين يومياً، يقوّم بدرجة ما من الشخصيات المظلمة «السايكوباتية، الميكافيللية، النرجسية»!
كي تصدق أن تغيير الشخصية ممكن، تأمل معي هذه الدراسة التي نشرت للتو في دورية بلوس وان.. حيث وجد باحثون أن اجتياز محنة «كوفيد» ترك فينا أثراً عميقاً.. فحسب هذه الدراسة التي أجرتها البروفيسور أنجيلينا سوتين وزملاؤها من جامعة فلوريدا ستيت، وتضمنت أكثر من 7000 مشارك من الولايات المتحدة، فإن الناس - بعد فترات العزل المنزلي والعمل عن بُعد والتباعد، أصبحوا أقل اجتماعية، وأقل انفتاحاً على الجديد، وأقل لطفاً.. وكأنهم تعودوا على الجفاء والتباعد من قلة التفاعلات الاجتماعية!
يبدو أن التطبع يغلب الطبع أحياناً.. فالتغيير ممكن بدليل أننا جميعاً تغيرنا.