عدد اليوم
الصداقة هي أول علاقة ينشئها الطفل خارج محيط أُسرته كي يواجه الحياة معتمداً على نفسه.. فهي العلاقة التي تصقل مهاراته الاجتماعية الحقيقية..
وجود علاقات حميمة في حياة المرء من شروط التمتع بصحة نفسية وجسدية جيدة. هذا ما خلصت إليه دراسة شهيرة أجراها علماء جامعة هارفارد تحمل اسم Grant Study التي تتبعت حياة أناس لمدة 75 سنة لمعرفة التغيرات النفسية التي تعتريهم على مدار حياتهم. كما يقول أحد أهم علماء السعادة البروفيسور إد دينر، إن القاسم المشترك في حياة كل الذين قالوا إن حياتهم سعيدة، هي وجود علاقة قوية ما - على الأقل - في حياتهم..
حتى في الحيوانات.. وجد العلماء أن قردة البابون التي لديها علاقات قوية بالقردة الأخرى، تتمتع بمهارات بقاء أكثر من غيرها.. فكّر في الأمر.. إنه مبدأ اهرش لي ظهري كي أهرش لك ظهرك.. الثقة المتبادلة هي أساس البقاء كلما كان الوجود خطراً.. خمسة أشخاص متعاونين يستطيعون صيد الغزالة والنجاة من الأسد، أفضل من شخص واحد منفرد.. ولا يزال هذا الوضع قائماً حتى يومنا هذا.. فاصطياد الوظائف والفرص يفيده وجود شبكة علاقات اجتماعية، والنجاة من الضغوط النفسية سبيله وجود علاقات اجتماعية داعمة تساعد في تفريغ الضغوط..
العلاقات مفيدة بشكل عام.. إلا أن هذه ليست كل الحكاية؛ إذ إن هناك جانباً آخر للقصة، وهو أن العلاقات قد تكون ضارة.. مؤذية.. علاقات يشكل وجودها أذى نفسياً، لا عند استمرارها، بل وبعد انتهائها أيضاً..
إذ تشير الدراسات إلى أن الضغوط النفسية تستمر بعد الطلاق، خصوصاً عند وجود أبناء، مثل عبء ممارسة الأبوة عن بُعد، وتزايد الشعور بالوحدة، وتغير محل السكن، وزيادة الضغط المادي.. وهي آثار لا تنتهي في يوم وليلة.. وكما أن هناك علاقة زواج خاطئة، هناك علاقات صداقة خاطئة أيضاً.. ففي دراسة لباحثين من جامعة ميسوري تحمل عنوان «الارتباطات المحتملة للاجترار المشترك مع الصداقة والتكيف العاطفي»، وجدوا أن الأصدقاء قد يكونون سبباً في زيادة الشعور بالاكتئاب والقلق.. عندما يكون حديثهم مقتصراً على اجترار المشاكل وندب الحظ واستدعاء الفشل والتشاؤم.. قد يقوي هذا علاقة الصداقة بين الأولاد «لأن المكاشفة تقوّي الصداقة»، بينما يكون تأثيره مدمراً عند الفتيات لسبب ما.. لدرجة أن الدراسة تحذر من أن بعض المراهقات قد يعانين نفسياً في صمت، ولا يتم اكتشاف ذلك لافتراض أن لديهن صداقات تبدو داعمة!
ليس مطلوباً من الصديق أن يكون مثالياً أو متطابقاً معنا في كل الأمور، فهذا مستحيل والخلافات تحدث بين أقرب الناس.. لكن الصديق الحقيقي الذي يستحق تسميته صديقاً، هو الذي «تأتمنه على جزء من كرامتك» حسب تعبير الكاتب أحمد خالد توفيق.. ليس الصديق من يستغل أسرارك أو يأخذ بلا عطاء، وليس صديقاً من يتعمد إيذاءك بالقول والفعل، بينما نسامحه ونلتمس له العذر تلو الآخر بدعوى الصداقة! ما يذكرنا بضرورة انتقاء الصديق قبل الطريق.. وتجنّب أصدقاء السوء الذين يسيئون لصحتنا النفسية!
الصداقة ضرورية في حياتنا بشرط واحد.. أن تكون صداقة حقاً!
