التواضع الفكري.. فوائد أن تغيّر رأيك أحياناً!

د. شريف عرفة

يتمسك الناس بآرائهم ويدافعون عنها باستماتة، معتبرين أن الإصرار على أفكارهم من شيم الواثقين من أنفسهم.. إلا أن هناك رأياً علمياً يرى الأمر من زاوية مختلفة. 
أصبحت دراسات علم النفس الإيجابي تتناول مفهوم «الفضائل العقلية»، أي الصفات الجيدة التي ينبغي لطريقة تفكيرنا التمتع بها للارتقاء بنا وبمجتمعاتنا. ومن هذه الفضائل العقلية ما يُعرف بالتواضع الفكري.. والذي يعني: تقبل قصورنا الإنساني والاعتراف باحتمال خطأ قناعاتنا وانخداعنا بأفكار مضللة، والاستعداد لتغييرها حين نكتشف أدلة جديدة. أي أن يكون هدفنا هو معرفة الصواب وليس إثبات أننا على صواب. بمعنى آخر، التواضع الفكري عكس التحجر والتصلب الذهني والتمسك بفكرة ما وعدم تقبل مناقشتها أو تعديلها مهما تبين خطؤها وعدم صلاحيتها!
لكن.. لماذا يعتبر التواضع الفكري مهماً؟ 
إليك بعضاً من فوائده النفسية..

قناعات أقوى
قد يعتقد بعضهم أن الاعتراف بقصورنا الفكري قد يضعف قناعاتنا أو يجعلنا غير قادرين على اتخاذ موقف أو دعم رأي، إلا أن العكس هو الصحيح.. فإدراك القصور يجعل الإنسان أكثر إقبالاً على البحث لسد الفجوات المعرفية التي قد تعتري أفكاره، وبالتالي، ستكون قناعاته الجديدة أكثر تماسكاً وإقناعاً، بعد مرورها بالنقد والتمحيص والبحث، بينما الشخص الذي لا يتمتع بهذه بالتواضع الفكري، سيتمسك بأفكاره ويتجنب تماماً كل ما يخالفها، وهو ما يجعل مناعته الفكرية أضعف حين يتعرض لأي فكرة جديدة!
في دراسة لباحثين من كلية هوب بميتشيجين تحمل عنوان «التواضع الفكري في المحادثة: مؤشرات سلوكية مميزة لتقييم الذات والأقران» وجدوا أن المتواضعين فكرياً أثناء حوارهم مع الآخرين، كانوا يقدمون المزيد من الأسباب الداعمة لوجهة النظر التي توصلوا إليها. وهو ما يعني أنها معتقداتهم الجديدة أكثر إقناعاً وأقوى حجة.

تسامح أكثر
إدراك تطور آرائنا وتغيرها مع الوقت يعلمنا احترام أن الناس لديهم قيم وآراء مختلفة، وهو ما يجعلنا أكثر هدوءاً، وأقل انفعالاً عندما يعتقد الناس أننا مخطئون!
في دراسة أميركية أسترالية تحمل عنوان «التواضع الفكري والعداء بين الحزبين: الآثار المترتبة على الاستقطاب العاطفي في عينتين من المجتمع» وجدوا أن الأشخاص الأكثر تواضعاً من الناحية الفكرية كانوا يشعرون بمشاعر سلبية أقل حدة تجاه خصومهم السياسيين. بينما الأقل تمتعاً بهذه الصفة كانوا أكثر شعوراً بمشاعر مثل الغضب والاشمئزاز والازدراء تجاه من يخالفهم.

علاقات أفضل
في الدراسة السابق ذكرها، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعتبرهم الآخرون متواضعين فكرياً، كانوا غالباً ما يُنظر إليهم على أنهم دافئون وودودون وكريمون. وعندما فحص الباحثون نمط حديثهم مع الآخرين، وجدوا أنهم أكثر جاذبية للمستمعين، حيث كانوا يطرحون المزيد من الأسئلة، ويستخدمون لغة أقل سلبية، ويقدمون المزيد من الأسباب لدعم وجهة النظر التي توصلوا إليها.

تعليم أرقى
المتواضعون فكرياً أكثر فضولاً ورغبة في الفهم، وهو ما يجعلهم أكثر قدرة على التعلم واكتساب المهارات. في دراسة للباحثة تينيل بورتر وزملائها من جامعة كاليفورنيا، قارنوا بين سلوك الأشخاص الذين يتمتعون بكل من التواضع الفكري والتمسك بالرأي.. فوجدوا أن المجموعة الأولى كانت أكثر طلباً للمساعدة والقراءة لسد الفجوات المعرفية، بينما المتمسكون برأيهم كانوا أكثر ثقة في معارفهم الحالية ،ومن ثم أقل إقبالاً على زيادتها أو تحسينها!  بالإضافة إلى ذلك، ترى الباحثة أن التواضع الفكري مرتبط بالعقلية القابلة للنمو، أي اعتقاد الإنسان بأن قدراته ومهاراته ليست ثابتة جامدة، بل قابلة للتطوير والنمو.. وحين يجد شيئاً ما صعباً، فإنه يستمر في المحاولة إدراكاً منه بأن قدراته تتحسن مع كل محاولة، وبالتالي يصبح أكثر مثابرة في الحياة عموماً. لدرجة أنهم يقترحون تعليم الطلاب عقلية النمو كإحدى طرق زيادة التواضع الفكري وتعظيم فوائد التعلم المرتبطة به.
وجدت سلسلة من الدراسات تحمل عنوان «التواضع الفكري يتنبأ بفحص المعلومات المضللة المتعلقة بفيروس «كوفيد- 19» وجدوا أن المتواضعين فكرياً كانوا أقل انخداعاً بالعناوين المضللة والمعلومات الخاطئة المتعلقة بـ «كوفيد- 19»، لأنهم يبذلون مجهوداً أكثر في التحقق والتأكد، وليس الانخداع فوراً بعنوان براق!
والآن قل لنا.. 
ما هو رأيك الذي تبين لك خطؤه مؤخراً؟