أحمد مراد (القاهرة)
منذ قديم الزمان، أطلق أهل الجزيرة العربية وبلاد الشام العديد من المسميات على الطقس وتقلباته المختلفة خلال فصول السنة الأربعة، وبالأخص بعض فترات فصل الشتاء الذي تشتهر فيه ما تُعرف بـ «خمسينية الشتاء» التي تضم ما يُعرف بـ «السعودات الأربعة».
50 يوماً
يصل عدد أيام خمسينية الشتاء إلى 50 يوماً، وتبدأ مباشرة بعد ما يُعرف بـ «مربعانية الشتاء»، وتمتد من يوم 30 يناير حتى 22 مارس من كل عام، وتنقسم إلى 4 أجزاء، وتُعرف الأجزاء الأربعة في الموروثات الشعبية باسم «السعودات الأربعة» أو «أيام السعود»، وهي: «سعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الخبايا»، ومدة كل جزء تصل إلى 12.5 يوم. ويشار إلى أن أهل بلاد الشام يقسمون فصل الشتاء الذي يمتد لنحو 90 يوماً إلى قسمين: الأول يُعرف بـ «مربعانية» وعدد أيامه 40 يوماً، ويبدأ من 21 ديسمبر حتى 30 يناير، والثاني يُعرف بـ «خمسينية»، وعدد أيامه 50 يوماً من 30 يناير حتى 22 مارس.
«الذابح».. برد شديد
تُعد فترة سعد الذابح أول «السعودات الأربعة» أو «أيام السعود»، وسُميت بهذا الاسم بسبب البرد الشديد الذي يتخلل أيام هذه الفترة التي تمتد من يوم 1 فبراير وحتى يوم 13 فبراير.
وهناك بعض الأمثال الشعبية المرتبطة بفترة سعد الذابح، وما زال البعض يرددها في المنطقة العربية، أبرزها المثل القائل: «سعد الذابح ما بيخلي كلب نابح».
«بلع».. عقرب الدم
فترة سعد بلع أو ابلع تُعد ثاني فترة في السعودات الأربعة، وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى الأرض التي تبلع جميع كميات مياه الأمطار التي تهطل بسرعة كبيرة جداً، وتتميز أيام هذه الفترة بأنها أقل برودة من أيام فترة سعد الذابح، وهي آخر أنواء فصل الشتاء، وتسمى «عقرب الدم»، في إشارة إلى أن البرد في هذه الفترة يُدمي ولا يقتل.
وتمتد فترة سعد بلع من يوم 13 فبراير حتى يوم 25 فبراير، ويقال عنها: «إذا طلع سعد بلع، اقتحم الربع، ولحق أهله الهبع، وصيد المرع، وصار في الأرض لمع».
كما ترتبط فترة سعد بلع ببعض الأمثال الشعبية الأخرى التي توارثتها الأجيال جيلاً من بعد جيل، مثل المثل القائل: «بسعد بلع بتنزل النقطة وبتنبلع»، أو المثل القائل: «سعد بلع السما بتشتي والأرض بتبلع»، أو المثل القائل: «في سعد بلع لا زرع ولا قلع».
رواية شعبية
في التراث الشعبي دارت حول خمسينية الشتاء أو السعودات الأربعة العديد من الروايات والقصص التي تناقلتها الأجيال في البلدان العربية، أبرزها الرواية التي تقول، إن شاباً اسمه «سعد» قرر السفر خلال فصل الشتاء، وكانت الأجواء دافئة عندما قرر الخروج، وقد نصحه والده بأن يحمل معه ما يدفئ به نفسه من البرد سواء من الفراء أو الحطب، إلا أن سعداً لم يستمع إلى نصيحة أبيه.
وفي منتصف الطريق تغير الجو فجأة، وأصبح البرد قارساً، فهطلت الأمطار الغزيرة والثلوج، ولم يكن أمام سعد سوى أن يذبح ناقته التي يملكها ليحتمي بأحشائها من شدة البرد، وسُميت هذه الفترة بـ «سعد الذابح».
وبعدها بأيام، شعر سعد بالجوع، ولم يكن أمامه إلا أن يأكل أو يبلع من لحم الناقة، وسُميت هذه الفترة بـ «سعد بلع»، وبعد أن انتهت العاصفة، وأشرقت الشمس فرح سعد، واحتفل بنجاته، وسُميت هذه الفترة بـ «سعد السعود».
وخوفاً من أن تتكرر العاصفة مرة أخرى، صنع سعد معطفاً له من وبر الناقة، وأخذ من لحم الناقة المتبقي، وسُميت هذه الفترة بـ «سعد الخبايا» التي تصادف بداية الاعتدال الربيعي.
«الخبايا».. نهاية «البيات الشتوي»
تُعد فترة سعد الخبايا آخر أجزاء «السعودات الأربعة»، وسُميت بهذا الاسم لأن الزواحف المختبئة خلال فترة البيات الشتوي تبدأ بالظهور والخروج من جحورها في هذه الفترة التي تمتد من يوم 10 مارس حتى 22 مارس، وتصادف بداية الاعتدال الربيعي.
ومن أشهر الأمثال الشعبية المتداولة عن هذه الفترة: «بسعد الخبايا بتطلع الحيايا وبتتفتل الصبايا».
«السعود».. بشائر الربيع
تمتد فترة سعد السعود من يوم 26 فبراير حتى يوم 10 مارس، وخلالها تظهر بوادر دخول فصل الربيع، وتدب الحياة في الأرض، حيث تبدأ أوراق الأشجار والأزهار بالنضوج والتفتح، وتنمو الحشائش.
ونقلت الموروثات الشعبية العديد من الأمثال المتعلقة بفترة سعد السعود، مثل: «بسعد السعود بتدب الميه بالعود وبيدفا كل مبرود»، و«بسعد السعود بيبرد كل دفيان وبيدفا كل بردان»، و«بسعد السعود بتطلع المية بالعود».