الخميس 14 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات 39 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

ما تأثير المسلسلات الكرتونية على الأجيال؟

ما تأثير المسلسلات الكرتونية على الأجيال؟
28 يناير 2022 02:30

لكبيرة التونسي (أبوظبي) 

عندما نتحدث عن عالم المسلسلات الكرتونية الثرية بالقيم ورسائل الخير، فإننا نتحدث عن الرحلة بالذاكرة إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بينها «كابتن ماجد»، «ماوكلي»، «جريندايزر» وسواها من الأعمال المدبلجة التي أسهمت في تنشئة الطفل، وشكلت جزءاً من وعيه وسلوكه، وأشبعت شغفه. ولكن ماذا يشاهد أطفال اليوم؟ وما هي القيم التي يحملها المحتوى المقدَّم لهم؟ 
بالمقارنة بين الماضي والحاضر، يرى بعضهم أن ما ينتَج حديثاً يبدو بلا روح أو هدف، على عكس المسلسلات الكلاسيكية العابقة بالحكمة والمعاني، والتي كانت تُطرح بأسلوب سلس ومعبِّر وهادف، مرجحين كفة الأعمال القديمة على صعيد مخاطبة عقل الطفل وتعزيز مداركه السلوكية والعاطفية والمعرفية، ولاسيما أن ما يتلقاه الطفل اليوم سيؤثِّر سلباً على شخصيته وقد يطمس هويته. 

  • طارق طرقان
    طارق طرقان

صناعة المضمون
الفنان طارق العربي طرقان، المؤلِّف الموسيقي الذي يمتلك أكثر من 1000 أغنية وشارة، تحدث عن رأيه بأفلام الكرتون الحالية والألعاب الإلكترونية، معتبراً أنها تنعكس على المجتمع في المستقبل القريب، إذ إن الجيل الحالي يتعرض لثقافات مختلفة بطريقة غير مدروسة من خلال عالم ضاج بالمحتوى المتنوع، مؤكداً أن المنافسة وهدف الربح أثَّرا سلباً على الرسالة النبيلة التي يجب أن تستهدفها أفلام ومسلسلات الكرتون الحالية. وذكر أن نجاح أغانيه، وبينها «ماوكلي»، «رامي»، «الصياد الصغير»، «مدينة النخيل»، «الكابتن ماجد»، «المحقق كونان»، «سنوبي»، «بابا» و«ريمي»، يعود إلى تقديره لذائقة الطفل الموسيقية واللغوية والتي لم يستخفف بها، حيث تعد الموسيقى وسيلة لزرع القيم التي تنمو مع صغار السن وتنعكس على حياتهم، موضحاً أنه كان يختار أغاني المسلسلات بعناية فائقة.
وأوضح طرقان أن مسلسلات تلك الفترة كانت تعزز المفاهيم الإنسانية، بما فيها الشهامة والأمانة والعدالة والقيم المستمدة من البيئة العربية، معتبراً أن الأعمال القديمة وشاراتها وأبطالها كانت مدرسة للأجيال وتساعد الآباء والأمهات في التربية. وكانت مفرداتها تعلم اللغة العربية والنطق الصحيح، وتتحدث كلماتها عن حماية الطبيعة والأرض وتشجِّع على المحبة والخير وحب العمل والتميز وعدم الاتكال على الغير. وقال: اليوم طغى المنطق التجاري، وباتت الألعاب الإلكترونية تعزز الغضب وعدم الصبر ولا تناقش مواضيع تحترم الطفل، مؤكداً أن الطفل العربي بحاجة ماسة إلى محتوى يهتم بصناعة المضمون الذي يبث قيماً مجتمعية.

  • فاطمة فرح
    فاطمة فرح

فارغ المحتوى
وذكر محمد غيث صانع ألعاب وشخصيات كرتونية بينها «سبايستون»، أن عشقه لهذا القطاع الحيوي الذي يرتبط بذاكرة الأجيال، جعله يصنع أكثر من 200 شخصية، يشارك ببعضها في أكبر المعارض داخل الدولة وخارجها، ومنها شخصية «جريندايزر» الضخمة. واعتبر أن المسلسلات القديمة خاطبت عقل الطفل ووسعت مداركه وطورتها في إطار من الجدوى الدرامية الزاخرة بالمعاني والدلالات. وفي مقارنة بين الماضي والحاضر، رأى أن أعمال اليوم مليئة بالعنف والغضب. 
وقالت الفنانة التشكيلية فاطمة فرح: إن المحتوى الموجه للأجيال الحالية فارغ من المحتوى التعليمي ومن الرسائل والقيم. ولفتت إلى أن مسلسل «ماجد» كان من المسلسلات التي تعلم القوة والصبر والجمال، بحيث كان البطل يهتف بالصداقة والقوة والعطاء والخير، ومن أشهر أقواله: «لا تستسلم فدرب النجاح طويل». واعتبرت أنه شخصية إنسانية صادقة زرعت العديد من القيم، وشكلت جزءاً من ذاكرتها.

عولمة افتراضية
دراسة المجتمع والتطورات المتسارعة من بوابة المسلسلات والأفلام الكرتونية المعدة للأطفال، تُعتبر من أهم الدراسات لرصد واستقصاء المستقبل وطبيعة الحياة التي ستعيشها أجيال ملتصقة بأجهزة التكنولوجيا الحديثة. هذا ما أكدته الخبيرة الإعلامية ميساء نعامة قائلة: «مما لا شك فيه أننا نمر في مرحلة انتقالية، تختلف عن واقنعا، وسننتقل خلال السنوات المقبلة إلى العيش الافتراضي بكل تفاصيل حياتنا. وبوقفة متأنية أمام ما يقدَّم للأطفال في وقتنا الراهن يكتشف المتابع أن ثمة حالة تحضيرية لجيل العالم الافتراضي بامتياز، موضحة أن أخطر ما يمكن أن يواجهه جيل المستقبل هو إتقانه للغة الأجنبية على حساب اللغة العربية التي ستندثر، في غياب وعي تام من الآباء الذين يتباهون بأبنائهم وهم يتكلمون بطلاقة بلغات وبلكنات مختلفة، ما يترتب عليه إلغاء الهوية العربية والاندماج غير المتكافئ مع العولمة الافتراضية التي ستفرض شروطها لاحقاً.

بدائل وحلول
وشددت ميساء على ضرورة الانتباه إلى حالة العزلة التي يعيشها الطفل مع الجوال أو الأيباد، موضحة أنه لا يمكن التكهن بماذا سيتم اختراعه لاحقاً من أجهزة دقيقة وسريعة ومتناهية الصغر، مع مشاهدة الأطفال للأفلام الكرتونية والبرامج الأخرى التي تعزز انعزاله، وتوجه سلوكه إلى أخطار سيستيقظ عليها المجتمع بعد فوات الأوان، ومنها الاكتئاب.
وبالحديث عن الحلول أكدت نعامة على ضرورة مواجهة الحقيقة والبدء في البحث عنها، وقالت: إن إثارة الموضوع، خطوة أولى باتجاه الحلول التي يجب أن نبدأ بها لإعداد الدراسات والندوات والملتقيات، التي تقدم البدائل، ما يجعل الأجيال تسير باتجاه الفعل وليس الانقياد الأعمى إلى المجهول. وعلينا أن نغير حالنا من مجرد مستهلكين إلى صنّاع واقع متطور غير منفصل عن تاريخنا وحضارتنا وأسلوب حياتنا. 

رقابة ذاتية
وأكدت منى الزايد اختصاصية السلوكيات والإتيكيت أن المسلسلات القديمة كانت تحمل القيم وتحترم الطفل، وقالت: على الأسرة متابعة المحتوى الذي يشاهده الأطفال، موضحة أن السنوات الأولى من عمر الطفل تعد من أخطر السنوات التي يمتص فيها ما يراه ليسكن ذاكرته، ويسهم في تطور نموه الإدراكي، وتكوين رؤيته تجاه ما يجري حوله. ما يجعل الفترة العمرية الأولى، اللبنة الأساسية لترسيخ الشخصية السليمة، صحيحة الفكر، منضبطة السلوك، ومتماسكة التركيبة النفسية أو العكس. وذكرت أن الأفلام الكرتونية الهادفة تسهم بشكل أساسي في إيجاد أطفال على قدر كبير من الوعي والمعرفة، بينما المحتوى الذي يتضمن مشاهد عنف وعادات سيئة يتسبب بمشكلات نفسية وسلوكية على المدى البعيد. وقالت: إن معظم هذه الأفلام تعرض من بيئات مختلفة، وتبث بذلك سموماً خطيرة، والموضوع يحتاج إلى توعية من قبل المؤسسات المعنية، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ويجب أن تكون لدينا قنوات خاصة بالأطفال ومن بيئتنا المحلية.

قيم معنوية
ومن وحي تجربتها قالت خديجة محمد سعد القدسي، مخرجة أفلام قصيرة ومؤلفة كتب أطفال، إنها من أشد المعجبين والمشاهدين للمسلسلات القديمة، ومنها «جرانديزر»، «عدنان ولينا»، «فلونة وسالي»، «ليدي ليدي» و«هايدي»، موضحة أن هذه المسلسلات لها طابع وذكرى في وجدانها، وكانت تشاهدها يومياً مع والدتها بعد الانتهاء من واجباتها المدرسية. واعتبرت أنها كانت تحمل الكثير من الدروس والقيم المعنوية والإنسانية، مثل مسلسل «فلونة» الذي كرس قيم التعاون وأهمية العائلة والعمل الجماعي، فيما ركزت المسلسلات الأخرى على قيم التعاطف الاجتماعي وانتصار الخير على الشر مهما طال الظلم. وقالت: لن أنسى ما تعلمناه من «افتح يا سمسم»، الذي كان يمزج بين التعليم السهل وتمرير المعلومات عبر المواقف الطريفة والمضحكة. 

وجهة نظر
أكدت خديجة القدسي، أن صناعة محتوى موجَّه للطفل، تتطلّب الكثير من الوعي والإلمام بالجوانب النفسية والوجدانية للطفل، وذكرت أنها لم تكن على دراية بصعوبة تقديم المعلومة إلى الطفل في برنامج «افتح يا سمسم» إلا حين سنحت لها فرصة عمل فيلم قصير عن الخط العربي، وعندها أدركت أن الكتابة وصناعة الأفلام للأطفال تتطلّب دراية بنفسيته وطريقة تفكيره. وقالت: لقد استفدت من دورة مكثفة قادها اختصاصيون في كتابة «افتح يا سمسم» من نيويورك في الولايات المتحدة واطلعت على أساليب كتابة السيناريو للطفل وكيفية استيعابه للحلقة وطريقة استقباله لها. وكان من الممتع أن نرى حلقات قديمة للعمل نفسه لنعطي رأينا بها، في حين كان للأطفال رأي مغاير، وبذلك فإننا عندما نكتب أو نصوِّر للأطفال يجب أن نتخيل العالم من وجهة نظرهم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض