أحمد مراد (القاهرة)
تتسبب التغيّرات المناخية الحادة التي يشهدها العالم حالياً في تسارع وتيرة ذوبان الجبال الجليدية المنتشرة على الكرة الأرضية، الأمر الذي يُنذر بكوارث عديدة تخلق أضراراً جسيمة.
10% من مساحة الأرض
يتكوَّن الجبل الجليدي بسبب تجمّد مياه الأنهار العذبة، وعادة ما كان في السابق جزءاً من نهر متجمد، ثم انفصل عنه، ويتحول إلى كتلة ضخمة من الجليد تتجه نحو المحيطات والبحيرات لتطفو عليها، ويتخذ أشكالاً وهيئات عدة، فقد يكون على هيئة جبل عملاق، أو كتل جليدية مسطحة مع جوانب شديدة الانحدار تُعرف بـ «الهضاب الجليدية»، وتنفصل معظم الجبال الجليدية من الغطاء الجليدي لجزيرة «غرينلاند» الواقعة بين القطب الشمالي والمحيط الأطلسي.
وتشكل الأنهار الجليدية ما يقارب 10% من مساحة الكرة الأرضية، وتمتلك حوالي 69% من المياه العذبة في العالم، وبسبب ظاهرة الاحتباس الحراري تُسجل هذه الأنهار معدلات تناقص وذوبان عالية في السنوات الأخيرة.
3 شروط و4 ألوان
يُشترط أن تتوافر في الكتلة الجليدية شروطاً عدة حتى تُصنف على أنها جبل جليدي، ومنها: ألاّ يقل طولها عن 16 قدماً فوق مستوى سطح البحر، وأن يتراوح سمكها بين 98 إلى 164 قدماً، وألاّ تقل المساحة التي يغطيها الجليد عن 5382 قدماً مربعاً. وتظهر الجبال الجليدية بألوان عدة، أبرزها الجليد الأبيض، والجليد الأسود، والجليد الأزرق، الجليد الداكن. وتكتسب الجبال الجليدية أهمية خاصة لدى علماء المناخ الذين يدرسونها أثناء تفككها وانفصالها من أجل فهم التأثيرات الواضحة على انفصال الكتل الجليدية للتنبؤ بكيفية استجابتها لظاهرة الاحتباس الحراري.
زوال خلال 10 سنوات
تشير تقديرات العلماء إلى تغيّرات كبيرة تشهدها جبال الألب بولاية بافاريا الألمانية، حيث تُسجل الأنهار الجليدية في جبال الألب الألمانية ذوباناً بشكل سريع جداً، متوقعين بأن تزول بالكامل خلال عشر سنوات فقط. بحسب تقرير نشرته الحكومة الألمانية الإقليمية في أواخر أبريل 2021.
وأكد التقرير الحكومي الألماني أن التغير المناخي يضرب الأنهار الجليدية في ولاية بافاريا الألمانية، وأن آخر هذه الأنهار قد يزول خلال عشر سنوات من الآن، على عكس ما كان يتوقعه العلماء حول صمود هذه الكتل الجليدية حتى العام 2050 على الأقل.
وأشار التقرير إلى أن الأنهار الجليدية الخمسة في بافاريا فقدت نحو ثلثي كتلتها الجليدية خلال العشر سنوات الماضية. كما فقدت نحو ثلث مساحتها، أي ما يوازي مساحة 36 مدرج كرة قدم.
عالم بلا جليد
في التاسع عشر من أغسطس عام 2019، أعلنت دولة آيسلندا عن ذوبان أول جبل جليدي في البلاد يُعرف بـ «أوكجوكال»، الذي فقد وضعه كجبل جليدي في العام 2014، علماً أن هذا الجبل لم يعد يتحرك على قمة بركان كان يرسو عليه لنحو 700 عام.
ووضع بعض العلماء في آيسلندا لوحة جدارية لإحياء ذكرى الجبل الجليدي كُتب عليها: «خلال الأعوام الـ 200 المقبلة، يتوقع أن تحذو جميع جبالنا الجليدية هذا الحذو».
ذوبان جليد = حرارة مرتفعة
بحسب تقديرات بعض علماء المناخ، فإنه من المرجح أن يسبب ذوبان مليارات الأطنان من الجليد المنتشر على سطح الأرض ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض بمقدار 0.4 درجة مئوية.
ويؤدي ذوبان الجليد إلى ارتفاع درجة الحرارة بسبب عملية تُعرف بـ «التغذية الراجعة لمعامل البياض السطحي»، حيث تُستبدل التربة أو مياه البحر الداكنة التي تمتص الحرارة أو كليهما بالجليد اللامع العاكس للحرارة. أي أن تناقص الجليد يؤدي إلى تناقص أشعة الشمس المنعكسة من سطح الأرض إلى الفضاء، ومن ثم تتسبب في ارتفاع درجات الحرارة.
كما يسبب الجليد الذائب زيادة معدلات البخار في الجو، الأمر الذي يزيد معه تأثيرات الانبعاثات الغازية، ومن ثم ارتفاع في درجات الحرارة.
وتتناقص مستويات الجليد في بحر القطب الشمالي كل عقد منذ أواخر السبعينيات بنسبة تزيد على 10%، وقد فقدت الجبال الجليدية نحو 250 مليار طن من الجليد سنوياً في القرن الماضي.
رفع مستوى سطح البحر
أكدت دراسة علمية نشرتها مجلة «نيتشر» في الثامن والعشرين من أبريل 2021 أن الذوبان المتسارع للأنهار والجبال الجليدية خلال العقدين الماضيين ساهم بأكثر من 20% من ارتفاع مستوى سطح البحر.
وبحسب حسابات وبيانات العلماء، فإن القارة المتجمدة الجنوبية (أنتاركتيكا) وجزيرة غرينلاند تحتويان على كمية من الماء المتجمّد تكفي لرفع مستويات المياه في المحيطات بمقدار 60 متراً.
فقدان 3.5 تريليون طن جليد
أظهرت بيانات قدمتها وكالة الفضاء الأوروبية أن الغطاء الجليدي فقد 3.5 تريليون طن من الجليد منذ العام 2011، وأن كمية الجليد التي ذابت في جزيرة غرينلاند خلال العقد الماضي أدت إلى ارتفاع منسوب مياه البحار العالمية بمقدار سنتيمتر واحد، وزادت من مخاطر الفيضانات في جميع أنحاء العالم.
وتحتوي الطبقة الجليدية الموجودة فوق الجزيرة على ما يكفي من المياه المجمّدة لرفع المحيطات نحو ستة أمتار على مستوى العالم، وقد ارتفع جريان المياه الذائبة في غرينلاند بنسبة 21% على مدى العقود الأربعة الماضية. وأشارت إحدى الدراسات إلى أن ثلث الجليد الذي فقدته غرينلاند في العقد الماضي سُجل خلال فصلي صيف حارين في عامي 2012 و2019.
أكبر جبل جليدي
يُعد الجبل الجليدي المعروف باسم «B15» الواقع في القارة القطبية الجنوبية أكبر جبل جليدي في العالم، وقد اُكتشف في العام 2000، ويبلغ طوله نحو 295 كيلو متراً، وعرضه 37 كيلومتراً، وتصل مساحته إلى 11 ألف كيلو متر مربع.
جبل تلاشى تماماً
يُعد الجبل الجليدي المعروف بـ «A68» أحد أشهر الجبال الجليدية التي ذابت بالكامل في المحيط الأطلسي، ولم يبق منه شيء، وقد استمرت رحلة تفكك الجبل ثلاثة أعوام، حيث انفصل عن القطب الجنوبي المتجمد في يوليو من العام 2017، واتجه إلى الشمال، وفي العام 2020 دخل المحيط، وانقسم إلى كتل أصغر حتى تفكك نهائياً في أبريل 2021.
وبلغت مساحة الجبل حينما انفصل عن الجرف الجليدي نحو 5800 كيلومتر مربع، وبلغ سمكه 350 متراً، وقدر العلماء وزنه بنحو تريليون طن.