عدد اليوم
د. شريف عرفة
كان كثير من الناس ينصحون بالواقعية، وعدم التحليق بالخيال بعيداً.. إلا أن الزمن تجاوز هذه العقلية، بعد أن أدركنا دور الخيال في إطلاق الإبداع وصنع التقدم.
وكثير من إنجازات الحضارة الإنسانية نشأت كفرة خيالية غير موجودة.. ولم تكن السيارات والهواتف المحمولة والطائرات لتوجد، لو لم تولد أولاً في خيال باحث قرر أن يدرس إمكانية تحويل الخيال لواقع.. لا جدال إذن في ضرورة الخيال كخطوة أولى لخلق واقع جديد.. هنا نفهم ما كان يقصده ألبرت آينشتاين، حين قال إن الخيال أهم من المعرفة.. أو إن القصص الخيالية مفيدة لتنمية ذكاء الطفل.. لا يمكن تجاهل دور الخيال في العملية الإبداعية في أي مجال..
لكن، ماذا عن الفوائد النفسية للخيال؟
بروفة عقلية
في كتاب «سيكولوجية فنون الأداء»، يذكر المؤلف جلين ويلسون التدريبات النفسية التي يمارسها الرياضيون، مثل تخيل الأداء الأمثل: تسديد الكرة إلى المرمى، أو إسقاطها في السلة، أو أداء الحركة المثالية في الجمباز.. كما يعرف الممثلون والمغنون والمتحدثون أمام الجمهور، مدى أهمية هذه التدريبات في تحسين الأداء، حيث يتخيل الإنسان نفسه، وهو في أفضل حالاته واثقاً من نفسه يؤدي بأفضل طريقة، لتشجيعه وتحسين أدائه.
يفسر العلماء هذا التأثير، بأن عقولنا تنتج الخيال كنوع من التدريب المسبق قبل مواجهة الموقف نفسه.. يكفي للإنسان البدائي تخيل مواجهته الأولى مع الأسد، ليتدرب على كيفية تفاديه.. بدلاً من مواجهته دون تصورات مسبقة لما ينبغي عمله! الخيال يمدك بخبرات مواجهة مواقف افتراضية لتهيئة نفسك قبل مواجهتها بالفعل.. ومن المفيد أن تتخيل انتصارك على الصعوبات في هذه المواقف، كي تستفيد من هذا البروفة العقلية!
حسب دراسات «جابرييل أويتنجين»، فإن تخيل طريقة تحقيقك لأهدافك، كالتزامك بالحمية الغذائية أو الالتزام بالتدريب البدني، وتخيل العقبات التي تواجهك وكيفية تخطيها.. يساعدك في الالتزام بخططك.
يزيد التفاؤل
في دراسة نشرت مؤخراً في دراسة سايكولوجيكال ريسيرش، يخلص الباحثون إلى أن الأشخاص الذين يميلون لتوليد التصورات الذهنية القائمة على الصور الإيجابية -بدلاً من التصورات السلبية- عند التفكير تلقائياً في المستقبل يزيد شعورهم بالتفاؤل، والذي يحسن من الحالة المزاجية والصحة النفسية.
وفي دراسة نشرت في دورية «بيرسوناليتي آند إندفيديوال ديفرنسس»، وجدوا أن التفاؤل يقلل المشاعر السلبية، ويساعد في التعافي من الصدمات النفسية، ويخفف من حدة الشعور بالأعراض الجسدية للمصابين بأمراض مختلفة!
بمعنى آخر، تخيل مستقبلك بشكل إيجابي، وتصور أهدافك وهي تتحقق، أمر مفيد نفسياً، لأنه يملؤك بالأمل والتفاؤل لمستقبل أفضل.. وهو ما يخفف من وطأة مشاكل الحاضر، لأنك ترى المشكلة مؤقتة مآلها الانتهاء، لأن لديك صورة إيجابية للمستقبل.
احذر المبالغة
بالطبع لا ينبغي للإنسان أن يبالغ في تفاؤله أو ثقته في تصوراته الذهنية أكثر من اللازم.. فإذا تخيلت نجاح مشروعك، ووضعت كل مدخراتك فيه، فإن هذا ليس كافياً لجعله ينجح!
التشاؤم مفيد للتخطيط واتخاذ الحيطة، إلا أن بعض مؤيدي أشباه العلوم (فيلم وكتاب السر، كمثال) يعطون الصور الذهنية قوة سحرية إعجازية تكاد تخلق الواقع من عدم (كقولهم إن الفكرة الإيجابية تطلق من عقلك طاقة إيجابية تجذب من حولك الأحداث الإيجابية)، فهذا كلام غير علمي.. ما تقوله الدراسات هو أن التصورات الإيجابية تزيد التفاؤل والثقة والحماس، وترسم صورة واضحة للهدف والطريق إليه، وهو ما يساعد الإنسان على العمل لتحقيق أهدافه.
