الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

بطي بن بشر.. قصة كفاح إماراتية

بطي بن بشر.. قصة كفاح إماراتية
31 أكتوبر 2020 00:29

أبوظبي (الاتحاد)

يعتبر المغفور له بطي بن حميد بن راشد بن بشر (1940- 2011) واحداً من الرعيل الأول من أبناء الإمارات الذين رافقوا القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في مرحلة تأسيس الدولة، وشارك - رحمه الله- في وضع اللبنات الأولى للنهضة الشاملة التي شهدتها الإمارات بعد ذلك، كما كان - رحمه الله - سخياً، وله أيادٍ بيضاء، وعلى علم ومعرفة بتاريخ المنطقة بتفاصيلها وأسماء مواضعها، كما برع في العديد من الهوايات التي أكدت تميزه. 

وبطي بن بشر الذي كرمه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في الثاني من ديسمبر 2013، بمنحه جائزة رئيس الدولة التقديرية، تقديراً لما قدمه من خدمات جليلة، كان لها الدور الفاعل في تطور نهضة مسيرة البلاد الخيرة، من أوائل المتعلمين والخريجين في الدولة، وعمل مديراً لفرع بنك عمان في مدينة العين، ثم في ديوان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في بدايات سنوات حكمه لإمارة أبوظبي، وتدرج في عدة مناصب حتى أصبح سكرتيراً خاصاً للشيخ زايد، رحمه الله، كما عين وكيلاً لوزارة الأشغال، قبل أن يتفرغ لأعماله الخاصة، ويُعين لاحقاً عضواً في المجلس الوطني في فصله الخامس، وعضواً في غرفة تجارة دبي.

النشأة
ولد بطي بن حميد بن راشد بن بشر المري في منطقة الراس بدبي في 18 مايو سنة 1940، ونشأ عند أخواله في منطقة الشندغة، وبدأ في سنواته الأولى مرحلة التعليم، فأدخله والده مدرسة الأحمدية عام 1946، والأحمدية تُعد المدرسة الأولى في دبي، بل في الخليج كله، حيث أنشأها أحمد بن دلموك الفلاسي، رحمه الله، سنة 1905، وقيل بعد ذلك بقليل، وتابعها وزاد فيها ابنه محمد بن أحمد بن دلموك، رحمهما الله، وتعلم بطي بن بشر في هذه المدرسة الكتابة والقراءة وحفظ شيئاً من القرآن، وكانوا في ذلك الوقت يحرصون على تجويد الخط وتعليم كيفية كتابة الرسائل لحاجتهم.
وفي لقاءات إعلامية سابقة، قال - عليه رحمة الله- عن هذه المرحلة: عشت في صبايا مع الشيخ مكتوم رحمه الله، ثم التحقنا بالمدرسة الأحمدية، وهي مدرسة دينية نحفظ فيها القرآن، ومن فضل القرآن علينا استقامت حياتنا، وكانوا يهتمون بتعليمنا الصرف والإعراب، وكان المدرسون يطلبون منا أن نقرأ بصوت عالٍ، لكي تتفتح مخارج الحروف لدينا، ونستطيع بعد ذلك الخطابة والتحدث بطلاقة، واهتموا أيضاً بتجويد الخط، ففي كل أسبوع من 4 إلى 5 حصص كنّا نتعلم، وكانت الأحمدية تحتفل بنهاية العام الدراسي بعمل بعض الفعاليات، ومنها المسرحيات التي تعد جديدة وغير معهودة للناس، وهي كما أظن ويعتقد كثير من الدارسين، أنها بدايات المسرح في الدولة، كان يحضر هذه الفعاليات الشيوخ وأعيان البلاد وأهالي الطلبة.

دراسة وعمل
في سنة 1949، قرر والد بطي السفر إلى الدمام للعمل، فسافر معه بطي، ولكنه عاد إلى دبي والتحق بمدرسته ثانية ليكمل ما تبقى له من المواد الدراسية، وعن هذه المرحلة قال بطي: عندما كنّا صغاراً لم نكن نكتفي بما يعلمه لنا المطوع أو رجل الدين، بل كنّا نقصد كل من نعرف بأنه يعلم علماً من العلوم آنذاك، مثل علم الحساب، من جمع وطرح، واللغة العربية والإنجليزية، وحتى الفارسية تعلمناها والأردو من شغفنا بالعلم، وأذكر أننا كنا نقصد متجر المرحوم حسن بن علي القاسم الذي كان في بيت المرحوم راشد بن دلموك في منطقة الراس، وكان ضليعاً في النحو والإعراب، ويعلمنا ولا يبخل علينا في وقته.
عمل بطي بعد ذلك في البنك البريطاني مع شباب آخرين، ولم يمنعه العمل من متابعة تعليمه، وعن هذه المرحلة قال: كان البنك البريطاني بمثابة جامعة يتخرج فيها الناس في مجال الحياة العملية، وأغلب من تعرفون اليوم من التجار عملوا فيه، وأنا تعلمت الإنجليزية والنظام في هذا البنك.
في سنة 1953، سافر والده إلى الهند، فأخذه معه والتقى هناك بالأديب الشاعر أحمد بن سليم، رحمه الله، وعبد المنعم الزواوي وجماعة من الأعيان والمثقفين الذين كانوا يذهبون إلى الهند للتجارة أو العلاج، وكانت الزيارة مناسبة جيدة للشاب الصغير بطي ليتعرف على الحياة خارج الخليج ويعرف طرق العمل. وعنها قال: كانت أول صورة أخذت لي بالبدلة في الهند.

  • بطي بن بشر مع ولديه راشد وحميد بداية السبعينيات
    بطي بن بشر مع ولديه راشد وحميد بداية السبعينيات

في مطلع سنة 1954، سافر بطي إلى السعودية، كما فعل كثير من الشباب الإماراتي، فمنهم من اتجه إلى البحرين، وبعضهم إلى الكويت، والغالبية ذهبت إلى المنطقة الشرقية من السعودية لقربها من البحرين، وكذلك لحاجة شركات البترول للموظفين، وكان والده، رحمه الله، ممن ذهب أيضاً وعمل هناك.
وفي لقاءاته الإعلامية المتعددة تحدث، عليه رحمة الله، عن هذه الرحلة قائلاً: عملت في المملكة العربية السعودية وكنا نتقاضى 5 ريالات عن عملنا يومياً، ولأنني أعرف الكتابة والقراءة، وأعرف شيئاً من اللغة الإنجليزية، طلب مني أحد المقاولين الكبار، وهو عبدالله فؤاد أن أعمل معه، وأعطاني أجرة قدرها 300 ريال، فعملت معه بكل جد، وكنت أنام في المواقع من شدة حرصي على العمل، فبلغ راتبي 36 ريالاً يومياً بعد 8 أشهر.
في شهر أغسطس من عام 1954، عاد بطي إلى دبي ولم يجلس وينام كما يفعل بعض، بل اشترى سيارة استخدمها للأجرة، فكان يعمل بها بين عمان والعين وأبوظبي ومناطق أخرى، ولعدم وجود قطع غيار للسيارات، سافر مع والده إلى عدن لشراء قطع غيار مستعملة، وبيعها في دبي لأصحاب السيارات التي بدأت بالانتشار تدريجياً في ذلك الوقت.
في 26 يوليو من عام 1956، قام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس، مما أدى إلى غضب الدولة البريطانية المستفيدة من دخل القناة، فشنَّت عدواناً ثلاثياً على مصر، فقامت المظاهرات في كل مكان تُندّد بالعدوان، وكانت دبي نالت نصيبها منها، فخرجت الجماهير غاضبة في الشوارع، تعبيراً عن تأييدهم لعبدالناصر ورفضهم للسياسات البريطانية، وشارك الشباب صغارهم وكبارهم، وكان من بينهم بطي بن بشر.

دائرة المحاكم 
وفي سنة 1959، عاد بطي من البحرين ومعه آلته الكاتبة، وعمل في دائرة المحاكم التي كانت في أول بداياتها التنظيمية، ولم يكن فيها آنذاك إلا قاضٍ واحد وهو الشيخ العلّامة أحمد بن حسن، رحمه الله، وخمسة كتبة، منهم عباس حسين وكان يتقاضى 300 روبية، ثم بطي بن بشر وراتبه 250 روبية، وبطي السويدي، وصالح عبد الواحد، وأحمد حارب والباقون كانوا من الحرّاس، وكان بطي من كبار الموظفين في المحكمة.
في أكتوبر عام 1960، توفي والد بطي، بعد أن بقي فترة الصيف جهة البريمي من عُمان، وزار خلالها الشيخ زايد في قلعة الجاهلي، وفي سنة 1963 حصلت حادثة مأساوية راح ضحيّتها أحد طلبة دبي، مما أدى إلى خروج مظاهرة طلابية مطالبة بدم القاتل، وتدخّل سيف غرير وأقنع المتجمهرين بالرجوع ونصحهم، فاستمعوا له، ذكر هذه الحادثة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في كتابه القيّم «سرد الذات».

حياة جديدة
ظل بطي يعمل في المحكمة حتى سنة 1964 عند القاضي محمد جعفر السقاف، وكان قاضياً عادلاً وله معه مواقف طريفة، رحمه الله.
في سنة 1965، عيّن بطي مديراً تجارياً لفرع بنك عُمان في العين، الذي يُسمى اليوم «بنك المشرق»، بقي بطي يعمل في العين بكل اجتهاد، وكان يعود إلى دبي بين فترة وأخرى، وفي أحد أيام ديسمبر من عام 1966 رجع هو وخاله خليفة الصيري ومجموعة معه إلى دبي، وهم في طريق العين دبي رأوا مجموعة من الحرس، فسألوا عنهم، فقالوا هذا موكب القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد، فذهبوا للسلام عليه، ولمّا أرادوا الانصراف، قال الشيخ زايد لبطي: دعهم يعودون، أما أنت فستكون معي منذ هذه اللحظة. وبدأ بطي حياةً جديدة، تختلف تماماً عن الحياة التي عاشها من قبل، فقد أصبح سكرتيراً خاصاً للقائد المؤسس وباني النهضة التي شهدتها الدولة كلها بعد ذلك، ورافق هو القائد المؤسس في بداياتها، وكان يتابع أوامر الشيخ زايد وينفذها ويتابع تنفيذها، وهناك الكثير من القصص، ومن الصور التي تدل على عمق العلاقة بينه وبين الشيخ زايد. وظل بطي سكرتيراً خاصاً للقائد المؤسس حتى عام 1976، حيث عُيّن في هذه السنة وكيلاً لوزارة الأشغال، وكان وزير الأشغال في ذلك الوقت المغفور له الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان، وفي وقته تم إنشاء شارع الشارقة للفجيرة، وكان بطي مسؤولاً عنه.و في سنة 1979 تفرغ لأعماله الخاصة، كما عُيّن أيضاً عضواً في المجلس الوطني في فصله الخامس، وعضواً في غرفة تجارة دبي.

  • بطي بن بشر ومحمد علي كلاي
    بطي بن بشر ومحمد علي كلاي

أول محترف
في سنة 1957، سافر بطي إلى البحرين، وعمل سائق رافعة في ميناء سلمان، واحترف في نادي «المحرق» ليلعب وقت العصر كحارس مرمى، ويتعلم في نفس الوقت الطباعة عند عبدالرسول التاجر، ولقي بطي من أهل البحرين كل ود واحترام، وعاملوه كواحد منهم. 
وهي فترة قال - عليه رحمة الله - عنها: كان نادي الشباب العربي بالنسبة لنا نقطة انطلاق لمظاهرات التأييد للوحدة العربية وجمال عبدالناصر، وكنَّا نعدّه مركزاً للتجمّع والتقاء الشباب للتباحث والتشاور في أمور كثيرة كانت تهم الوطن في ذلك الوقت.. وقد سبّبت هذه المظاهرات إزعاجاً للمستعمر البريطاني الذي كان يحذر من المقاومة ومن تزايد الاحتجاجات ضده، فطلبت ترحيل بعض المحتجّين من دبي، لكن المغفور له الشيخ راشد رفض ذلك، بل طلب من أهالي هؤلاء الشباب ابتعاثهم للتعليم.
واختار بطي السفر للبحرين لإكمال دراسته في مطلع سنة 1957، وفي هذه السنة أيضاً قام بطي ومجموعة من الشباب بتأسيس أول مسرح في إمارة دبي، وقدّموا مسرحية في سينما الوطن، التي كانت تقع في ميدان جمال عبدالناصر، والتي هُدمت بعد ذلك في السبعينيات، كانت المسرحية بعنوان «الإسلام وبدو الإمارات»، قام بالتمثيل فيها عبدالله بن بدر، وجمعة غريب، وغيرهما، وقد يكون ذلك قبل سفر بطي للبحرين أو أثناء رجوعه لوطنه خلال الإجازات، لذا يعتبر بطي من الذين شاركوا في وضع اللبنات الأولى للمسرح في الإمارات.
مع عمله في البحرين سائقاً لرافعة في ميناء سلمان، تابع بطي تعليمه حتى أنهى دراسته الثانوية، ومن حبه لكرة القدم، أصبح حارس مرمى لفريق المحرق، ويعتقد أنه أول لاعب محترف من الإمارات يلعب خارج الدولة، وكان ذلك عام 1958.
وفي رواياته عن هذه المرحلة قال، عليه رحمة الله، متذكراً بداياته في رياضة كرة القدم: بدأنا بنادي الشباب العربي عام 1956 في منزل أحد أبناء دبي، اسمه غانم بن عبيد الغانم، في منطقة سوق الذهب، وكان الطلبة من أبناء دبي يتجمّعون بعد صلاة المغرب، وبدلاً من تضييع الوقت، كنت أتولّى مسؤولية إحضار معلّم من المدرسة لمراجعة دروسهم ومعاونة الطلبة على التحصيل، ثم أوجه الطلبة إلى ممارسة بعض الأنشطة الرياضية ككرة الطائرة وكرة القدم، ثم تطوّرنا وكان واقع هذا التطور عمل فريق جيّد لكرة القدم، من خلال تشجيع بعض الزملاء والأصدقاء الذين لنا بهم علاقات في الهند وباكستان واليمن.
ويتابع: استمر نادي الشباب العربي من عام 1958، وكنت أسافر إلى البحرين وأعود للنادي، ولعبت حارس مرمى محترفاً في نادي المحرق عام 1958، وعدت من البحرين بأفكار جديدة، وكان ملعب الشباب العربي في ذلك الوقت أمام بلدية دبي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©