ساسي جبيل (تونس)
تعتبر مدينة توزر التونسية، إحدى أهم واحات النخيل الأكثر شهرة في العالم، ما جعل الرومان قديماً يطلقون عليها اسم «مدينة الأحلام» تارة، وأخرى «باب الجنة»، قبل تسميتها «توزوروس» نسبة لأحد قاداتها، والتي تم اشتقاق اسم «توزر» منها.
تقع توزر وهي موطن الشاعر الكبير «أبو القاسم الشابي» في الجنوب الغربي من تونس، على الحدود الجزائرية والحدود الشمالية الشرقية للصحراء التونسية، ويحدها شرقاً شط الجريد، ما جعلها تلقب أيضاً بجنة الواحات التونسية، خاصة أن حوالي ألف هكتار من واحات النخيل الغناء تبسط بحرها الأخضر لتلقي على الصحراء ألغازاً وأسراراً لا يدركها سوى عاشقوها الذين أصبحت بهم «توزر» الوجهة الأولى للسياح الوافدين إلى تونس ومقصد المشاهير من كل الأقطاب.
ضاربة في التاريخ
وعرفت جهة «توزر» بعادات وتقاليد ضاربة في التاريخ، وموروث ثري ارتبط أساساً بالتاريخ العربي الإسلامي، فضلاً عن جودة ومذاق تمور نخيلها الشاهق وجمال طبيعتها الخلابة، ببعض المأكولات الخاصة بها منها «المطبقة» (وهي خبز محشو بالشحم والبصل والثوم والطماطم والفلفل والبهارات – شبيهة بـ«البيتزة»، و«البركوكش» (محمص غليض يطبخ بمختلف أنواع اللحوم والسمك الجاف) و«السفة» (وهي نوع من الكسكسي الذي يتم خلطه بالفلفل والبصل والطماطم الجافة دون أن يتم طبخه)، و«الدبارة» (وهي خلط بين الحمص والفول)، و«الهريسة» (وهي حمص مطبوخ يتم تناوله في الصباح)، فضلاً عن استهلاك أهل «توزر» لحم الإبل الذي يسمونه «الحاشي» أو «القعود» (وهما صغيرا الجمل)، ويقبلون على شرب حليب الناقة و«نبيذ اللاقمي» المستخرج من النخيل.
كما تشتهر «توزر» برص المباني بأجر خاص محلّي الصنع يميزها عن باقي المدن التونسية الأخرى بما في ذلك الصحراوية، حيث يحمي أهلها من حر الشمس وبرد الشتاء في آن واحد، خاصة أن بناءها العتيق يتم بالطين والحجر تُبسط على أسقف غرفه العالية والواسعة أخشاب النخيل.
«المرقوم» و«الكليم»
ومن جهة أخرى، تشتهر «توزر» بصناعة المنسوجات ذات الجودة العالية، ويعتبر «المرقوم» و«الكليم»، وهما من أشهر أنواع السجاد في الجهة، فضلاً عن منتوجات تقليدية أخرى تميز «توزر» على غرار الجلود والملابس الصحراوية والحلي والمصاغات والسعف، وغيرها من المنتوجات الصحراوية المميزة، مثل الهدايا المصنوعة من وبر الإبل وسعف النخيل.
وارتبطت مدينة «توزر» ارتباطاً وثيقاً بالثقافة العربية، وبها نشأت أرقى المدارس الفقهية والأدبية والترّبوية والعلمية، ودارت فيها أثرى المناظرات والمساجلات الفكرية، وراجت فيها أشهر كتب الطبقات والتراجم والمناقب.
وتميز الرواد والإعلام في «توزر» في كل الاختصاصات بتكريس الحوار والتكامل مع غيرهم، فاقتبسوا وابتكروا ونبغوا وتألقوا، وكانوا حلقة وصل أمينة ومتينة بين الشرق والغرب، من أجل أن تبقى الجهة متفردة ومتمسكة بعاداتها وتقاليدها وحرفها وصناعاتها التقليدية وثراء مخزونها التراثي العربي الإسلامي، ما جعل دورها يكون كبيراً ومؤثراً في نشر الدين الإسلامي والترجمة، وأيضاً التسامح والتعايش السلمي بين الأديان ببلاد الجريد وتونس والمغرب العربي عامة وبآليات حماية المعالم التراثية وترويجها سياحياً.
منارة للعلم والأدب
ولئن فقدت مكانتها البارزة في طرق ومسالك التجارة الصحراوية، إلا أنها حافظت على مكانتها الثقافية والحضارية كمنارة للعلم والأدب وتدريس علوم الفقه والدين، فكان الجامع الكبير ببلاد الحضر زاخراً بحلقات الدروس أمته فطاحل العلماء والأدباء من مشرق الأرض ومغربها، حيث برز خلال القرنين السابع والثامن عشر عدد كبير من الفقهاء والعلماء نشير على سبيل الذكر ولا الحصر منهم إلى الإمام الشهير والصوفي الكبير يحيى الشّارف المرداسي، وعبد الله الشّقراطسيّ الذي عرف بقصيدته الشهيرة «الشّقراطسيّة في مدح خير البرية» وأبو فضل النّحوي وقصيدته المنفرجة، واشتهر كذلك ابن الشّباط بكتابه «صلة السّمط» وهو من أهم مصادر الفتح الإسلامي والجغرافيا البشرية والاقتصادية للعالم الإسلامي، والشيخ محمد الخضر حسين الذي تولى مشيخة الأزهر من 1952 إلى 1954، وأيضاً أبو علي السنيّ صاحب المزار المعروف بمدينة نفطة المجاورة والتابعة إدارياً لمحافظة «توزر»، بالإضافة إلى الأدباء والشعراء والمفكرين المعاصرين، والذين لا يتسع المجال لذكرهم، ومنهم الشاعر الكبير «أبو القاسم الشابي».