أحمد مراد (القاهرة)
تشهد البحار والمحيطات بين الحين والآخر، ظواهر مناخية فريدة تترتب عليها بعض التقلبات المناخية الحادة التي تتأثر بها الدول الواقعة على البحار والمحيطات، وتسببت في حيرة العلماء لمئات السنين بحثاً عن بعض التفسيرات العلمية لها.
الأعمدة المائية
تتكون الأعمدة المائية عندما يمر الهواء البارد فوق المياه الدافئة، فيتكون عمود دوار من هواء وضباب مشبعين بالماء، ويدور حول نفسه على شكل كتلة سحابية عمودية، ويتشكل على سطح البحيرات والأنهار والبحار، وقد يظهر على شكل قمع يصل أحياناً إلى السحب. وهذه الظاهرة تظهر في المناطق الحارة والرطبة، وتحديداً في المياه الدافئة شبه الاستوائية، وخاصة بالقرب من سلاسل الجزر مثل فلوريدا كيز، وتؤدي بعض الأعمدة المائية إلى رياح شديدة قد تصيب السفن بأضرار بالغة، وقد يبلغ متوسط قطر عمود الماء الواحد حوالي 50 متراً، ويتحرك بسرعة 80 كيلو متراً في الساعة، وتُعرف في الأبحاث العلمية باسم «الشاهقة المائية»، كما يعتبر عمود الماء أقل كثافة من الإعصار، وقد يتم سحب ماء البحيرة أو ماء البحر إلى أعلى، حتى قاعدة العمود الدوار.
وهُناك خمس مراحل لدورة حياة عمود الماء، في الأولى يظهر عمود الماء على أشكال دائرية بارزة بلون فاتح على سطح الماء، وتحيط بها مساحة أكبر من الظلام، وفي الثانية يظهر نمط من الدوامات على سطح الماء، وفي الثالثة تتجمع مجموعة رذاذ البحر على شكل طوق، ويظهر حولها بقعة مظلمة، وفي الرابعة يصبح عمود الماء مرئياً كقمع من سطح الماء ويتحول إلى سحابة في سماء المنطقة، ويمكن لدوامة الرذاذ أن تصل إلى ارتفاع عدة مئات من الأقدام، وفي الخامسة تبدأ دوامة الرذاذ بالتفكك كما يتدفق الهواء الدافئ في الدوامة، ويضعفها إلى أن تصل إلى حد النهاية وتنتهي حياة عمود الماء.
تقنيات نووية
تستخدم التقنيات النووية والنظائرية لدراسة تحمُّض المحيطات، وساهمت على نطاق واسع في فهم هذا المجال، من حيث استقصاء التغيُّرات السابقة في حموضة المحيطات، وكذلك آثار تحمُّض المحيطات على الكائنات البحرية، وذلك على سبيل المثال من خلال دراسة العمليات البيولوجية مثل التكلُّس.
كيمياء البحر
تحدثُ تغيُّرات في كيمياء مياه البحر لأنَّ المحيطات تمتصُّ قرابة رُبع ثاني أكسيد الكربون الناجم عن الأنشطة البشرية، والذي يُطلق في الغلاف الجوي كل عام، والتقنيات النووية والنظائرية هي أدوات قوية لدراسة دورة الكربون وتحمّض المحيطات، وأسهمت إسهاماً كبيراً في فهم ظروف المحيطات في الماضي والحاضر والتنبؤ بأثر تغير المناخ.
بالوعة ثاني أكسيد الكربون
تمثل المحيطات بالوعة هامة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتؤدي دوراً رئيسياً في تنظيم المناخ، ويتمُّ امتصاص ثاني أكسيد الكربون من قبل المحيطات، ويمكن أن تشدّه وتنقله الكتل المائية، ويمكن امتصاصه أثناء عملية التمثيل الضوئي وتحويله إلى مادة عضوية، ويُعاد تدوير جزء كبير من هذه المادة العضوية في سطح المحيط عندما تتغذّى عليها وتفتتها العوالق الحيوانية والميكروبات، ومع ذلك، جزءٌ صغير ولكن مهم من هذه المادة يغرق نحو أعماق المحيط، حيث يُعزل هناك عن الغلاف الجوي لعدة قرون.
النينيا
تحدث ظاهرة النينيا المناخية بسبب البرودة الشديدة لسطح المياه في المنطقة الاستوائية في المحيط الهادي، وتتكرر عادة كل سنتين إلى سبع سنوات، وتظهر خلال فصل الخريف في نصف الكرة الأرضية الشمالي، وتتأثر المنطقة العربية بهذه الظاهرة، حيث تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار وزيادة فرص الجفاف في مناطق المشرق العربي، ويحدث العكس في مناطق المغرب العربي، حيث تزداد الأمطار وتنخفض الحرارة عن معدلاتها، وتزداد فرصة حدوث الفيضانات والسيول.
النينيو
تحدث ظاهرة النينيو المناخية كل ثلاث سنوات في المحيط الهادئ، وفيها ترتفع درجة حرارة سطح المحيط، وقد تستمر لمدة خمس سنوات، وتتسبب في حدوث تغيرات مناخية تؤدي إلى عدة أضرار، مثل الجفاف والفيضانات والأعاصير وتدمير المحاصيل الزراعية، وقد أطلق عليها هذا الاسم صيادو الأسماك في البيرو، وتعني بالإسبانية «المسيح الطفل» بسبب حدوثها في فترة أعياد الميلاد، أما في شرق آسيا فتعرف باسم «طفل المناخ الشقي».
وشهد القرن العشرين أول موجة لظاهرة النينو في العام 1982، واعتبرت الأشد على مدار التاريخ، حيث تسببت في حدوث كوارث بمعظم قارات العالم، منها الجفاف والحرائق في أستراليا وإفريقيا وإندونيسيا، والأمطار الغزيرة في بيرو، وقد قُدرت الخسائر بحوالي 13 مليون دولار، فضلاً عن تسببها في قتل مئات الضحايا، وقد سجلت درجات حرارة مرتفعة في مياه المحيط الهادئ، وفي عامي 1992 و2002 كانت لهذه الظاهرة نتائج كارثية على المزارعين والصيادين في العديد من دول العالم، ولم يحدد العلماء حتى الآن سبباً واضحاً لنشوء هذه الظاهرة والحالات التي تتكرر فيها، ومن ثم لا يمكن التنبؤ بها قبل حدوثها.
تسونامي الضباب
تحدث ظاهرة تسونامي الضباب في أواخر فصل الربيع، أو في فصل الصيف، وغالباً ما تحدث في السواحل، وهي تنتج عـن اندفاع الهواء الرطب والدافئ باتجاه الساحل، مما يؤدي لتشكل ضباب كثيف على مستوى قريب من سطح الأرض، وذلك نتيجة لتكثف الهواء الدافئ الذي يندمج مع ماء المحيط، ولا يترتب على هذه الموجات الضخمة من تسونامي الضباب أضرار شديدة، وخطرها الوحيد يتمثل فقط في انعدام الرؤية، وهذه الظاهرة لا ترى بشكل يومي على السواحل، لأنها تحتاج درجة رطوبة معينـة حتى تتشكل.
وفي أغسطس من العام 2018، تسببت موجة من تسونامي الضباب في رعب سكان ولاية إلينوى بالولايات المتحدة الأميركية، بعد رؤية جدار عملاق من الضباب يشبه تسونامي جليدي، وسُجلت هذه الظاهرة على شواطئ بحيرة آنا، ويسمي العلماء هذه الظاهرة بمنصة سحابة، وتظهر قبل عاصفة قوية، ولها هيكل نصف دائري مقوس، ويتم تسجيلها في الطبقات السفلى من الغلاف الجوي متدلية من سحابة العاصفة.
الناو
ترتبط ظاهرة الناو المناخية بتذبذب المناخ في منطقة شمال المحيط الأطلنطي، وقد تم اكتشافها في العام 1920، على أيدي عالمي المناخ النمساوي فريدريش إكسنر والإنجليزي جيلبرت ووكر، وسميت بـ «تذبذب المناخ» للتعبير عن انتقال تيارات الهواء من مركز لآخر، ولفتت أنظار العلماء في السنوات الماضية بسبب تأثيراتها على دول أوروبا، حيث تتجه تيارات الهواء شرقاً من منطقة الأطلنطي نحو أوروبا، وأحياناً تتجه جنوباً نحو جنوب أوروبا ودول حوض البحر الأبيض المتوسط فتسبب هطول الأمطار عليها، كما تمتد تأثيرات هذه الظاهرة إلى شمال أفريقيا وشمال شرق أميركا.
وأطلق العالم السويسري د. بينيستون، الخبير العالمي في قضايا المناخ، على هذه الظاهرة اسم «ابن عم النينو الصغير»، حيث إن تأثيرها يُعتبر محدوداً وضعيفاً إذا ما قورن بظاهرة النينو التي تسبب كوارث طبيعية خطيرة مثل الأعاصير والفيضانات.