فاطمة عطفة (أبوظبي)
صدر حديثاً كتاب (جدلية الفلسفة والأخلاق) للمفكر والكاتب د. محمد بشاري، عن المركز الثقافي للنشر، مقدماً وجهة نظر فلسفية متعمقة عن الوجود، والإنسان، والقيم، في محاولة لتتبع المسار الأخلاقي الإنساني ونقده. وفي حديثه لـ «الاتحاد»، قال الدكتور بشاري: يضم الكتاب بين دفتيه ثلاثة فصول، أول هذه الفصول (الإنسان على خريطة الوجود الأخلاقي)، أتلمس فيه جغرافية الإنسان بين الحتمية والإرادة، وأوضح الإلزامية الحركية التي يعيش فيها الإنسان، والتي تتعارض مع الثبات المستمر، وأشرح دور الإرادة الإنسانية في توجيه تلك الحتمية، واختيار «مسار التغيير»، للتمييز بين ما يتداخل مع البناء الأخلاقي الإنساني من كونه عادة أو فطرة، ولا سيما أن ذلك لا يتوقف على قرار لحظي، بل هو تعبير واضح عن الحاجة لتغذية الوعي والانطلاق من نضج كامن فيه.
وتابع د. بشاري مبيناً أن الإجابة عن تساؤلات العادة والفطرة في ظل رؤية عميقة لأبعاد الإيدولوجية في الواقع الإنساني، لا تتوقف على الملاحظة وحسب، لأن الذات القائمة على دراسة نفسها في قوالب مختلفة تنطلق من معرفة بما تمر به من أحاسيس ومشاعر إزاء الأفعال والسلوكيات العابرة أمامها، مشيراً إلى أن الإنسان يحمل بداخله وعياً عن وجود جدلية داخلية تسكن خلجاته ما بين الشر والخير. ويؤكد حرية الإنسان ليستخدمها في توجيه ترجمته النفسية والقيمية المكتسبة والفطرية على أرض الواقع.
ويستكمل د. بشاري تلك النقاط التأسيسية للإجابة عن موقع الإنسان بالنسبة للوجود الأخلاقي، من خلال تتبع ملامح تشكيل الهوية الأخلاقية، ابتداء من منبع الأخلاق، ثم أنسنتها من خلال تحرير الإنسان من كافة القيود غير النافعة، وتوجيه طاقته نحو «الفضيلة»، باعتبارها شيفرة الهوية الأخلاقية.
وفي الفصل الثاني، يتناول الكاتب «تكوين صورة نقدية أخلاقية بين الشرق والغرب»، متأملاً الثقافات والتيارات الفكرية، وما فيها من صور نمطية وانطباعات عن كل مجتمع، جعلت منها «قاعدة دون اعتبار المتغيرات والتطورات الحاصلة، كما يعمد إلى تحليل ملامح الفسيفساء القيمية بين الشرق والغرب، ليصل إلى النقد الأخلاقي العربي، مؤكداً أهمية صون الثابت في مسار الحركة الإنسانية، لينتهي بتوليد فكر أخلاقي عربي أصيل وحداثي. والباحث يؤكد أن الإنسان أخو الإنسان حتى لا يسود العلاقة بينهما «قانون الغاب».
ويأتي الفصل الأخير، في سياق متناغم مع ما طرحه الدكتور محمد بشاري فيما تقدم من فصول، ليجيب عن السؤال الكبير الذي تقف على عتبته كبرى مجتمعات العالم، وأكثرها نمواً وتطوراً: هل على المجتمعات السير مع تيار إضفاء الطابع الأخلاقي (الأخلقة)، أم الالتزام بفحوى العلمانية (العلمنة)؟
إضافة إلى ما تقدم يرصد د. بشاري التداعيات الناتجة عن دراسة الأوضاع العالمية الراهنة، مشيراً إلى أن الأزمات نجحت في إعادة انتباه الإنسان، وبناء قناعته حول المشترك الإنساني من حيث الفطرة والمصير، لافتاً النظر إلى ما أصاب المجتمعات من «عوز أخلاقي» على الصعد كافة، أملاً في الوصول إلى عالم أخلاقي في جميع الفعاليات الإنسانية، عسى أن تحقق الثقافة التشاركية الإنسانية القيمية.