الأربعاء 13 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات 36 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

قطوف رمضان في مرآة الشيخ البشري

الشيخ عبد العزيز البشري
27 ابريل 2022 01:50

إيهاب الملاح (القاهرة)

يعتبر الشيخ عبد العزيز البشري (1886-1943) من أشهر الظرفاء في العصر الحديث، أحد أقطاب الكتابة الأدبية الساخرة في النصف الأول من القرن العشرين.. الكاتب الفكاهي الساخر، والقاضي الشرعي، سليل أسرة البشري، إحدى أشهر العائلات الأدبية والشرعية في مصر، فمنها الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر، ووالد الشيخ عبدالعزيز البشري.
ومن أشهر أعمال البشري النثرية كتابه «قطوف» (جُمع ونُشر بعد وفاته) الذي كتب له المقدمة الدكتور طه حسين، كما كتب له مقدمة الجزء الثاني من كتابه «المختار» (1935) وكتابه الأشهر «في المرآة» (1927)، وهما كتابان يحتويان على صور وصفية تحليلية ساخرة لشخصيات أدبية وسياسية شهيرة معاصرة له، بأسلوبه التهكمي التصويري الساخر الذي اشتهر به، وأصبح اسمه علماً عليه.
وفي مقالة رائعة بكتابه «قطوف»، صور الشيخ البشري انطباعاته وخواطره عن شهر رمضان المبارك، يرصد فيه بحسه التاريخي، وتأمله الدقيق، وأسلوبه التصويري المميز مقدمَ رمضان، وقد تغيرت سبل الإضاءة بمصر من الإنارة بالشموع إلى الإنارة بالغاز والكهرباء، يقول: «أدركنا رمضان وأهل مصر يستصبحون بالشمع، إلى أن طغى عليه اتخاذ الكيروسين، ثم نحن هؤلاء اليوم نستضيء بالكيروسين وبالغاز وبالكهرباء، فكيف كان حظ رمضان من الأضواء والأنوار في ذلك الزمان. وكيف كان حظه منهما في هذا العام؟».
وكأنما كان يقصد إلى العبرة في المقارنة بين أضواء ليالي رمضان في عصر الشموع والكيروسين، وبين لياليه التي يضيئها الغاز والكهرباء، وقد كان هذا في حينه طفرة من الطفرات المذهلة بمقاييس العصر، مثلما كان «الراديو» بعد ذلك عملاً من أعمال السحر المبين!
وإن كانت المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية وسواهما من الحواضر الكبرى، وبأي وسيلة كانت الإنارة وبغض النظر عن طرق الإضاءة، تستحيل إلى كتلةٍ من النور إذا جنَّ الليل في رمضان، حيث «النور في أفنية الدور وفي غرفها وحجراتها وعلى رؤوس الأبواب، ثم في الشوارع من المصابيح العامة، ومن المصابيح التي يضطرب بها الأولاد صبية وصبايا، وهم يغنون».
لكن من أهم ما يلفت نظر البشري، في ذلك الحين، أن السيدات من النساء كنَّ إذا برزن إلى الطريق في رمضان لزيارة الأهل والصديقات سعين وبين أيديهن الخدم يحملن المصابيح الكبيرة، يتألق كل منها بطائفة من الشموع فتزيد الطريق نوراً على نور، كما لو كان الكبار يحتفلون بطريقتهم بمقدم الشهر الكريم على طريقتهم التي تتشابه مع احتفال الصغار من الأطفال بإيقاد الفوانيس واللعب بها ليلاً بعد الإفطار.
ويكتب البشري: «ولا تنس حظ المساجد الكبيرة على وجه خاص من ذلك النور والإشراق في طرفي الليل جميعاً، ففي صدر الليل صلاة العشاء، ثم صلاة التراويح، ثم تلك الأناشيد البديعة التي يرددها المؤذنون فرادى وجماعات، فإذا كان السحر، فتحت أبواب المساجد وأضيئت فيها الثريات، وأقبل عليها الناس بعد الفراغ من سحورهم، فانتظموا في حلق يستمعون إلى دروس العلماء في تفسير كتاب الله، وفي حديث رسول الله، وفي أحكام الشرع الحكيم».
هذه بعض الأنوار التي كانت تموج فيها ليالي رمضان حساً ومعنى، وكأن البشري كان يقصد المقارنة بين ما كان في سابق الزمان، وبين ما صارت إليه ليالي رمضان في زمنه.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض