السبت 23 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات 36 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المرأة.. مرآة الكون

المرأة.. مرآة الكون
24 مارس 2022 00:48

إميل أمين

في الثقافة، كما في الحياة، فكل أيام السنة احتفاء بيوم المرأة المبدعة، ليخرج العالم من بؤسه وشقائه، من حروبه وأزماته، ويأخذنا إلى حيث هذا الكائن الذي أُخذ ذات وهج من ضلع الإبداع، وما كان للبشرية أن تصل إلى ما وصلت إليه من إنجازات في كافة المجالات الإبداعية، من غير هذا الرحم الكوني الخلاق.
ويصعب على المرء أن يجد تعريفاً وافياً شافياً لمدى إبداع المرأة، فهي ليست فقط نصف المجتمع كما يقال، بل إنها تتجاوز هذا الوصف عبر كيانها المتعدد الأوجه، فهي الأم في البدء، وتالياً الأخت، ثم الحبيبة، فالزوجة شريكة الحياة، ورفيقة الزمن الطويل بآلامه وآماله، ما يعني أن تمثل قوة حضورها درب كوني له من الدلالات الفلسفية، وملامح الجمال والإبداع والإلهام، ما يصعب على المرء أن يحده في تعريف واحد جامع مانع.
كتب الأديب والروائي الإنجليزي الكبير ويليام شكسبير ذات مرة يقول: «المرأة كوكب يستنير به الرجل، ومن غيرها يبيت في الظلام». أما الروائي الفرنسي الشهير بلزاك، فقد اعتبر المرأة مخلوقاً من نوع خاص، فكأنها، حسب رأيه، في وضع متوسط بين الملائكة والبشر. 

سر كوني
ولعل الأساطير الهندية، تحمل لنا ما يمكن أن نطلق عليه تعبير المرآة الكونية، ذلك أنهم يرون فيها وفي علاقتها مع الرجل: «مرآة ينظر الإنسان إلى نفسه من خلالها إلى مجده، ودعامة يستند إليها حين التعب، وقناعاً يختبئ وراءه وهو حزين، وفكرة تستفزه فيمضي في طريق الإبداع، ومنارة يهتدي بها في وسط دياجير الظلام».لقد ذهب علماء اجتماع كثيرون إلى اعتبار المرأة سراً من أسرار الكون، لا يمكن سبر أغواره بشكل يسير، فهي قادرة على ملء الكون بالبهجة والسعادة، فيما قلة منهن -مثل زوجة سقراط- كانت مثالاً على البؤس في مصدره الرئيس، ولهذا أطلق الفيلسوف الأثيني الشهير مقولته: «عليك أن تتزوج، فإن حالفك الحظ أضحيت أسعد إنسان في الوجود، وإن خالفك ستصبح فيلسوفاً».

حجر الفلاسفة
هل التركيبة الكيميائية للمرأة تجعل منها بالفعل حجر الفلاسفة، الذي يحرك العواطف ويسخر القوى والطاقات الإبداعية في الكون الرحيب، من زمن حواء (أم البشر أجمعين)، وصولاً إلى آخر أنثى تشهد ميلادها الكرة الأرضية؟
وقبل أن يفارق الحياة بسنوات قليلة، وفي ذكرى عيد ميلاده السبعين، التقت مجلة «نيوساينتيست» العلمية الرصينة، بعالم الفيزياء الشهير، ستيفن هوكينج، الرجل الذي عمل طويلاً من أجل فك أسرار الكون، وقد كانت رؤيته التي ضمنها كتابه المختلف عليه المعنون «المشروع»، أو «التصميم»، سبباً لخلاف كبير بين العلم والدين، وبين العلماء ورجال الدين، من جراء النتيجة التي توصل إليها، وهو المؤلف الذي شاركه فيه «ليونارد ملوديناو»، الفيزيائي الأميركي المعروف، وقد كان السؤال الذي وجه إلى هوكينج: ما هي المعضلة الكبرى التي لم تتمكن من فك طلاسمها حتى الساعة؟
وجاء الجواب مثيراً، ذلك أنه لم يتوقف كعادته عند الكون الفسيح ودقائقه، ولم يتناول حديث المجرّات وأحوالها، وإنما توقف عند المرأة بالقول: «أعترف بأنني أقف حائراً تماماً أمام كيفية فهمها»... هل المرأة هي الكون الغامض؟

ميلاد جديد
ربما كانت كذلك بالنسبة لهوكينج، ذلك أن «جين وايلد» التي تزوجها في عام 1965، كانت على حد تعبيره «ميلاده الجديد»، وقد غيرت مجرى حياته، ودفعته لإكمال أطروحته العلمية، بعدما كان اليأس بسبب العجز الصحي الذي لحق به قد أقعده وأقعد بهمته عن بلوغ ذلك الهدف العلمي، وهي من دفعه، بالتالي، ليحقق شهرة مدوية، وقد أينجب منها ثلاثة أبناء هم روبرت ولوسي وتيموثي، وبالرغم مما يشبه تأثير الإعجاز الذي أحدثته في حياته، فقد انفصل عنها بعد 26 عاماً من الزواج، وفشلت الأسباب التي تناولتها الصحافة في تقديم رؤية واضحة عما جرى بينهما، لتبقى المرأة سر «هوكينج» المثير غير المفسر أو المبرر، وبخاصة بعد زواجه مرة أخرى عام 1995 من ممرضته، إيلين مايسون، ثم طلاقه منها في أكتوبر 2006، أي بعد ارتباط دام لمدة أحد عشر عاماً.

ليس مجرد سؤال!
والحال أن كونية المرأة تدفع للتساؤل: هل يمكن للرجل أن يحيا من دونها، وهل تحفيز المرأة للرجل نفسياً وجسمانياً، أمر له علاقة ما بعمر الرجل وسنوات حياته وخبراته في مجالات الإبداع والحياة؟
لاشك أن الاحتضان الكوني من المرأة للرجل أمر لا غنى عنه، وهي فلسفة ربانية تسرى في الكون، عبر منظور المودة والرحمة، والسكنى التي لا بديل لها، وهو ما أثبتته الدراسات العلمية واستطلاعات الرأي الإحصائية. فقبل بضعة أعوام أظهرت دراسة أميركية أن هناك علاقة طردية بين الزواج وطول العمر، بمعنى أن المتزوجين يعمّرون أكثر. وهذه الدراسة أجراها ثلاثة من الأساتذة في كلية الصحة العامة بجامعة «جون هوبكنز» الأميركية الشهيرة... والسؤال: ما السبب في هذه الظاهرة؟
يبدو السر وثيق الصلة بفكرة الأنثى الكونية، القادرة على القيام بما هو أكثر من مجرد متطلبات الحياة اليومية على أهميتها، إنها المظلة النفسية للرجل، والميناء الذي يلجأ إليه هرباً من عواصف بحار الحياة العاتية، ولذلك تُظهر دراسة تلك الجامعة الأميركية المرموقة، أن الأزواج يصابون بالكآبة حين تغيب زوجاتهم عنهم لفترة طويلة، وتبين القراءة نفسها أن الحاجة للمرأة سيكولوجية أكثر منها بيولوجية. وقد تحدث عالم النفس الأميركي «جون ديلا واني»، ذات مرة قائلاً: «الرجل لا يستطيع الحياة من دون المرأة، بينما تستطيع المرأة أن تعيش من دون الرجل. كما أن الرجل يعتمد على المرأة بدرجة أكبر في الحفاظ على توازنه النفسي والعقلي».

نسغ الكون
تبدو المرأة وكأنها الحبل السري للرجل المتصل مع نسغ الكون، حبل لا ينقطع، حتى بعد الوفاة، وقد وجدت علامات وإشارات ثقافية ذات رمزية عالية تبين ذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تاج محل في شمال الهند، ذلك الضريح الذي بناه الإمبراطور المغولي شاه جاهان تكريماً لذكرى زوجته وحبيبته، ممتاز محل، التي دفنت داخله، وقد أبدع الرجل في البناء الذي يبين تطور فن العمارة عند المغول، ذلك أنه يجمع في تناغم جميل بين العمارة الهندية والفارسية والعثمانية والإسلامية. ومثلما أن الكون يحتضن الإنسان، كذلك المرأة الكونية عبر طاقتها الداخلية ووعيها الأنثوي، قادرة على إسناد الرجل تارة بالتحفيز والحماية، وتارة أخرى بالحدس والفطنة، والمقدرة على استيعابه في كافة تطوراته وتحولاته العمرية.

الأنثى الكونية
لا شك أن العالم العربي قد عرف قدر المرأة وفلسفة تعبير «الأنثى الكونية»، المحتضنة للرجل والداعمة له في كل مواقف الحياة، ولاسيما في حال الوفاة، فحين يفقد الرجل زوجته، تردد الألسنة جملة عزاء شهيرة «جدد الله فراشك»، فيما الحال مختلف عند وفاة الزوج، حيث يقال عادة للزوجة «صبرك الله وأعانك على تربيتهم»! ما يعني أن المرأة قادرة على أن تقوم بوظيفة الرجل، لتصبح أماً وأباً، أما الرجل فيخفق في هذه المهمة المعقدة في كثير من الأحيان.
تحية لكل أنثى مبدعة قادرة على أن تملأ الكون الفسيح بالمحبة والابتسامة، وبالصفاء والنقاء، والرضى الجميل، أمس واليوم، وكل يوم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض