الخميس 14 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات 36 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ثيمة النار في الإبداع الإنساني

النار تشكل محوراً أساسياً في الأدب (أرشيفية)
17 أغسطس 2021 00:30

محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)

يقف العالم هذه الأيام مذهولاً أمام ما تشهده الأرض من حالة كارثية مدمّرة متمثلة في مشهد حرائق الغابات العبثي، الذي يلف الأرض من شرقها إلى غربها، ممتدة من سيبيريا شرقاً إلى بوليفيا وكاليفورنيا الأميركية، مروراً بالشقيقتين الجزائر وتونس في شمال إفريقيا، واليونان في أوروبا، مخلّفة كوارث بيئية فادحة، وفي حالة أكثر حزناً، فقد البشر وثرواتهم الحيوانية والطبيعية أيضاً.
 ولم تتخلف الآداب والفنون وحتى الفلسفة والأسطورة عن مقاربة ميثيولوجيا الحرائق وأساسها النار في أعمال لا زالت في الذاكرة الجمعية، حيث وظفت ثيمة «النار» – مادية كانت أو افتراضية ضمنية - لتكون معادلاً موضوعياً يستلهم واقع الإنسان والبشرية. وفي الأساطير الإغريقية ترد حكاية «بروميثيوس» الذي سرق شعلة من نار الآلهة ليقدمها للبشر، لإيمانه بقدرتهم على الإنتاج والإبداع، وأنهم سيحسنون استخدامها ويصنعون بها العجائب، ثم النار التي انبهر بها «حي بن يقظان» في رواية «ابن طفيل» الفلسفية، إحدى روائع الأدب العربي الأندلسي في الفكر الإسلامي، وصولاً إلى الإمبراطور الخامس والأخير في عهد الرومان «نيرون» الذي أشعل النار في روما عام 64 ميلادية.

  • إدوارد غاليانو
    إدوارد غاليانو

واستلهم الكاتب عصمت سيف الدولة من هذه الحادثة موضوع مسرحيته «محاكمة نيرون»، التي يكشف فيها أن حرق نيرون لروما كان لنصرة فقراء قاع المدينة على أغنيائها من الإقطاعيين، ثم نصل إلى الروائي الأميركي إدوارد غاليانو (1940 – 2015) الذي قدّم للعالم ثلاثيته الشهيرة «ذاكرة النّار» الملحمية والمكونة من «سفر التّكوين» و«الوجوه والأقنعة» و«قرن الريح»، كما أصدر الفرنسي غاستون باشلار (1884 – 1962) كتابين مهمين هما «التحليل النفسي للنار» و«على ضوء شمعة»، وفيهما دراسة تتصل مع قوى الطبيعة الغاضبة.

  • غاستون باشلار
    غاستون باشلار

 وإذا كان مشهد الحرائق اليوم أكثر قتامةً وبؤساً، فقد تماهت معه السينما في فيلم أرجنتيني صنعه المخرج «تريستان باوير» 2005، بعنوان «المباركون بالنار» عن حرب جزر الفوكلاند وويلاتها من دمار ونيران تشتعل في كل مكان.
وفي مجال الرواية العربية، نشر السوداني أمير تاج السّر، عملاً روائياً يتناول مفهوم النار، بعنوان «زهور تأكلها النّار» ركز فيه على فترة تاريخية لحكم الدولة العثمانية على مصر والسودان، في بداية القرن 19، وبحبكتها تدخلنا في جوّ درامي تتصاعد فيه الأحداث وتتكاثف الصور وتتناسل الحكايات لتصف مآسي ثورة اندلعت نيرانها باسم الدّين. ولم يكن الأديب الإماراتي علي أبو الريش بعيداً عن هذه الثيمة في «ثلاثية الحب والماء والتراب» حيث علاقة وطيدة للشخصيات مع المكان المجسد في الطبيعة، بما فيها النار الحارقة كما في الصراع بين الأبطال.
 وتشتعل النار هذه الأيام على قمم جبال الأولمب في اليونان، حيث أكلت النّسور كبد «بروميثيوس» عقاباً له على سرقة نار الآلهة، ممتدة إلى العالم، في حين تعجز خراطيم الإطفائيين وطائراتهم عن محاصرتها وإخمادها في مشهد ميثيولوجي يحيل البشرية إلى صراعها الأزلي مع الطبيعة، ما يقود إلى الإشارة إلى «الجحيم» وهي الجزء الأول من القصيدة الملحمية التي ألفها دانتي إليغييري «الكوميديا الإلهية»، وتحمل نظرة خيالية مجازية إلى النار وجحيمها.

  • دانتي
    دانتي

 وفي الشعر نستدعي النابغة الذبياني حينما قال في إحدى قصائده الجاهلية «فما وجدت شيئاً الوذ به/ إلاّ الثمام وإلاّ موقد النّار»، ويرتبط العشق عند أغلب الشعراء العرب بالنار، فهو مثلها يحرق شغاف القلوب، وفي بيت منسوب له، يقول عنترة العبسي «فلا تحسي أنّي على البعد نادم/ ولا القلب من نار الغرام معذّب». وكان العرب القدامى يستقبلون المسافر العائد بالنار، وكانوا يطلقون عليها «نار السلامة» وقد يسجرونها بالغار والصندل كما في هذا المطلع (رب نار بتّ أرمقها/ ستقضم الهندي والغار)، وها هو الشاعر العباسي أبو فراس الحمداني يطل بقصيدته أراك عصي الدمع، ومنها (إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى/ وأذللت دمعا من خلائقه الصبر/ تكاد تضيء النار بين جوانحي إذا هي أذكتها الصبابة والفكر). 
وفي كتابه الشهير «الجموع والقوة» يفرد إلياس كانيتي، الحائز على جائزة نوبل للآداب فصلاً بديعاً عن النار ورموزها ودلالاتها وهو يقول «النار تنتشر بسرعة فائقة، وألسنة لهبها تتفاعل مع بعضها بعض، ومن جملة ما تتميز به هو العنف الذي تتعامل به مع الغابات، ومع الشعوب، ومع مدن بأكملها.. إنها مدمرة والماء عدوها الأساسي».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض