نوف الموسى (دبي)
لا أحد يعرف قصص الشعراء، أو تلك الحكايا المرمية على أطراف نوافذهم المفتوحة، أو حتى بجانب الطرق التي يسلكونها بلا عودة، عندما تُناقش في جلسات ثقافية عامة، يأتيك الجمهور متسائلاً عن معنى القصيدة، لماذا يكتب الشعراء باستمرار تفاصيلنا اليومية، أو تفاصيلهم، ويجعلون منها ممراً لكل تلك المشاعر المبهمة عن السبب الوجودي للإنسان، وإلى هذه اللحظة لم يتوصل أحد إلى سبب مطلق لحضور القصيدة، سوى أنها قادرة، ولو بشكل عابر، أن تجعلنا نستمر في ترتيل أغانينا، رغم حاجتنا للتوقف، وإلا لما عادت الشاعرة والكاتبة أمل إسماعيل بعد انقطاع 6 سنوات عن كل ما يمت للقصيدة بصلة، وتقول إن الشعر «منهك» ويستنزفها، واحتاجت أن تقيم هدنة مع الشعر، لرعاية أسرتها وأطفالها.
قصة الجائزة
بدأت قصة القطيعة عن كل أشباه الشعر من أمسيات ولقاءات، ومع ذلك تواصلت رحلة المباغتة اللانهائية للكلمات والوصف والصور الشعرية في تفاصيل حياتها اليومية، تسرد أمل ذاك الشعور من خلف ابتسامة، قائلة: «إن القصيدة تداهمني، رغم انشغالاتي الأسرية، سعيت للهروب من تلك الحرارة المكتنزة في الروح، وبكل عجرفة قاطعت الشعر، وجاءني رده مثل السيل، بعد حضوري لأمسية شعرية ولقاء أصدقاء الشعر في عام 2018، لأقرر العودة بالمجموعة الشعرية «أعرني انتباهك أيها الغريب»، الصادرة عن دار رواشن للنشر»، والتي حصلت من خلالها على جائزة «توليولا» الإيطالية الدولية للأدب فرع الشعر، ومن قصائد هذه المجموعة قرأت أمل: «من يتحملُ كائناً شارداً، يرى الكلمات تندلقُ من بوابات الشّفاه، يسرح في حركاتِ الأصابع، يجيبكَ بما تودّ سماعَه، أو يغرقُ في صمته، من يتحملُ كائناً خفيفاً كريشةٍ، لا يستقرّ، مملّ.. كارثيّ.. عبثيّ.. فوضويّ.. يفعلُ ما يريدُ وما لا يريد ثم يبكي ويبتسم!».
شخصنة القصيدة
وقالت أمل: حياة الشعراء ليست وردية، وهي بذلك تفكك حالة الأنانية التي تقتنص رحلة الشعر نفسه بتجاه الشاعر، لا العكس، وتستمر الشاعرة في تأملها بسردها فكرة إيمانها بأن كل شيء ينطق شعراً، سواء كان حيّاً أو جماداً، وما علينا نحن إلا أن ننصت ونرى، كيف تحضر القصيدة بعين البصيرة، تقودها الحاسة الاستثنائية لدى الشاعر، وهو يرى الأشياء من حوله وهي تثرثر، موضحة أن النحت في اللغة والجرأة، عاملان أساسيان رأت فيهما الشاعرة، مساهمة في نجاح ونيل المجموعة الشعرية «أعرني انتباهك أيها الغريب» للجائزة، معتبرة أنها سعت إلى أن تفتح عيون القارئ بمشرط، وتجعله يرى الأشياء وهي تنطق بالشعر، فالأخير لم يكن يوماً رفاهية، بل مكون رئيسي لحياتنا، أما حضورها كشاعرة في إيطاليا، إنما هو حضور للمرأة الشاعرة، مبينة كيف أن التقدير دائماً يأتي من الخارج، أمام الأزمة التفسيرية للشعر لدينا في الداخل، عندما تكون المشهدية الشعرية بكائية في قصيدة المرأة، أو حتى في حالة من الحب، فالمرأة الشاعرة تُسأل عنها، وهو شيء أشبه بشخصنة القصيدة، وهي في الأصل بمكنونها الوجودي أوسع من ذلك، وغير مرتبطة بالشاعر نفسه، بل قد تتجاوزه في كثير من الأحيان.
في رثاء قطة
في أوج الحديث عن كتابها «خطايا شارع عشرين» الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، ممثلاً نصوص سردية نشرتها في ملحق «الاتحاد الثقافي»، عرجت أمل إسماعيل عن فترة نشاطها الغزيرة بين عام 2000 إلى 2008، وما تلاها من تركيز على منجزها المهني، ودعم الحراك الثقافي، من خلال تأسيسها لمبادرة «رأس الخيمة تقرأ»، ما يعود بنا إلى طبيعة البيئة الثقافية والأسرية التي تشكلت عبرها وعي الشاعرة وتجلى من خلاله أول نص شعري في رثاء قطة ماتت في منزلها، وهي بعمر 7 سنوات، بالمقابل كتب والدها إسماعيل محمود بعمر 11 سنة، نصه الشعري الأول، عند خروجه من قريته، والذي شغل منصب معلم للغة العربية على مدى 50 عاماً في دولة الإمارات، ولعب دوراً أساسياً في دعم القطاع التربوي والتعليمي في الدولة، وهنا تتساءل أمل: هل نحتاج دائماً إلى صدمة أو مواجهة لموقف جوهري في دواخلنا، لتنطلق من خلاله رحلة الشعر اللانهائية؟.