الأحد 17 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فرج فودة.. 28 عاماًً على اغتيال ضوء

فرج فودة.. 28 عاماًً على اغتيال ضوء
11 يونيو 2020 08:15

 1 
انفجر عنف الجماعات الإسلامية مدويّاً في مصر مع مطالع التسعينيات؛ بإعلانها المواجهة الشاملة مع الدولة، ومع من يرونه مخالفاً للفكرة الإسلامية في تصورهم المنحرف، ولمشروع الدولة الدينية والخلافة الإسلامية.
وكانت البداية المفجعة باغتيال الكاتب والمثقف الليبرالي المصري فرج فودة في الثامن من يونيو من العام 1992، وذلك في موازاة الاعتداء على المواطنين الأبرياء، ورموز السلطة المدنية، وتهديد المثقفين المستنيرين بكل وسيلة ممكنة، بل استخدام تسامح الدولة المدنية للانقلاب عليها، ومحاولة استغلال بعض ثغرات القانون المدني لتدمير القيم المدنية للدولة الحديثة‮.

 2 
لكن قبل الوصول إلى اللحظة التي جرى فيها اغتيال فرج فودة سنة ‮‬1992،‮ لا بد من العودة إلى الوراء سنوات؛ بالتحديد إلى العام 4891 حينما أعلن حزب الوفد، ذو الإرث الليبرالي العريق، عن تحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين؛ وهو ما رفضه فرج فودة رفضاً تاماً، وأعلن انسحابه من الحزب، اعتراضاً على هذا التحالف الذي صدقت رؤاه وانتقاداته له بعد ذلك بثلاثين سنة تقريباً، وصدقت كل التحليلات التي أعلنها فودة آنذاك، بشأن طبيعة وممارسة الجماعات الدينية، أو الأحزاب ذات المرجعية الدينية بكل صورها، وما سيترتب على ذلك من تدمير بنية الدولة في مفهومها الحديث.
يحكي أحد شهود العيان، ممن التقوا الراحل فرج فودة، وأجروا معه حواراً مهماً، وهو الناقد والكاتب محمود عبد الشكور نائب رئيس تحرير مجلة (أكتوبر)، التي كان يكتب بها فرج فودة مقالاته المثيرة للجدل لأكثر من عشر سنوات، يقول عبد الشكور:
«التقيت وحاورت الراحل فرج فودة بمناسبة مشروع حزب كان ينوي التقدم به للجنة شؤون الأحزاب يحمل اسم «المستقبل»، كان شخصاً رائعاً على المستوى الإنساني، يتحدث معك لأول مرة وكأنه يعرفك من سنوات طويلة، لديه حس ساخر مدهش، لم يكن أبداً ضد الدين، كما زعم المتطرفون، ولكنه كان ضد المتنطعين (المتشددين) الذين يُضيّقون على الناس، وكان ضد الدولة الدينية حتى لا تصبح مصر مثل إيران، وكان أيضاً أحد أقوى أنصار الدولة المدنية القائمة على حقوق المواطنة والتسامح». 
ويضيف عبد الشكور: «كان جريئاً يصرح بما يؤمن به ويعتقده في وقت يؤثر البعض السلامة، ولقد استلهم السيناريست لينين الرملي شخصيته وأفكاره وحادثة اغتياله في الدور الذي لعبه محمد الدفراوي ببراعة في فيلم «الإرهابي»

 3 
في يناير من العام 1992، شهد معرض القاهرة الدولي للكتاب المناظرة الشهيرة التي أدارها سمير سرحان، رئيس هيئة الكتاب آنذاك، بين الشيخ محمد الغزالي، والدكتور محمد عمارة؛ كممثلين لمشروع الدولة الدينية، في مقابل اتجاه فصل الدين عن الدولة وترسيخ الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، والذي كان يمثله فرج فودة.
كان فرج فودة متحدثاً لبقاً ومفوهاً، وكان أديباً صاحب خطاب مفهوم وسلس وصاحب فكرة واضحة وحجة سليمة، وبان في المناظرة، إلى حد كبير، تفوق فودة رغم أن القاعة كانت تحتشد بأنصار التيار الإسلامي، الذين كانوا يستغلون أي فرصة للتنمر ضد فودة و«الشوشرة» عليه، ولكن نتيجة المناظرة بدت تماماً على وجه عمارة الغاضب المتجهم، مثلاً، وحنق الشيخ الغزالي؛ الذي على ما يبدو لم يفوت الفرصة أبداً، وقرر بعدها أن فودة «يهاجم الدين ويزدري الإسلام»، بل لقد تمادى في الأمر وأعلن أن فودة «خرج من الملة»!
بعد تلك المناظرة بحوالي أربعة أشهر، نشرت جريدة‮ «‬النور‮» الإسلامية ‬التي كان بينها وفرج فودة قضية قذف، بعد اتهامه بأنه‮ ‬يعرض أفلاماً إباحية‮ (هكذا!) وقد خسرت الجريدة القضية، نشرت بياناً صادراً من ندوة علماء الأزهر‮ ‬يكفِّر فرج فودة،‮ ‬ويدعو لجنة شؤون الأحزاب لعدم الموافقة على إنشاء حزب‮ «‬المستقبل» لمؤسسه فرج فودة. 
وعقب اغتيال فودة على يدي شابين ينتميان للجماعة الإسلامية، ولم يكن أي منهما قرأ حرفاً واحداً له، تطوع الشيخ محمد الغزالي ومعه الدكتور محمود مزروعة أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر وقتها، بالشهادة أمام المحكمة ليعلن أمام الجميع أن فودة كافر وخرج عن الملة وثبتت ردته، وبالتالي فهو مستحق لحد الكفر والردة، وإن كان اللذان طبقا هذا الحد قد أفتئتا على حق ولي الأمر في ذلك!

 4 
ولم يكن اغتيال فرج فودة إلا بداية لمزيد من الاغتيالات وتبعها التنكيل بنصر أبو زيد ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ (وكان في الـ 84 من عمره)، ومحاولات أخرى لاغتيال مسؤولين بالدولة، وزراء وبرلمانيين، وصولاً إلى محاولة اغتيال رئيس الدولة ذاته في يونيو 1995.
وكان ذلك في السياق الذي تولى فيه شابان مهمة تنفيذ حكم الإعدام الصادر على فرج فودة بعد تكفيره من سدنة جريدة‮ «‬النور‮» ‬الإسلامية الذين فهموا أن لديهم سلطة دينية،‮ ‬لا تتيح لهم معصية التدخل في ضمائر الناس فحسب،‮ ‬بل تكفيرهم والحض على اغتيالهم.

5
ولعل أخطر ما في جريمة اغتيال فرج فودة أنه ظهر بوضوح، ولأول مرة في تاريخ السياسة العربية الحديثة، أن المواطن المصري والعربي أصبح يواجه في الشارع حركة فاشية حقيقية مكتملة الأركان.
وبعد أن تفشت في حقبة السبعينيات والثمانينيات ظاهرة «التكفير الفكري»، وتقلص مساحات الحوار والتسامح مع الرأي الآخر، جاء اغتيال فرج فودة لينقل الصراع نقلة نوعية بالغة الخطورة، فبعد أن كان «التكفير» يقتصر على صفحات من الورق، انتقل الآن إلى الشارع، مستخدماً الرصاص لإسكات أصوات المخالفين في الرأي!
وما زال «التكفير» مستمراً والاغتيال قائماً، حتى بعد رحيل فودة بـ 28 عاماً!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض