هناك قاعدة يتفق عليها الجميع، وهي أنه لا يمكن تحقيق الأمن الاقتصادي المطلوب، أو المتماسك، إذا كانت الأوضاع مضطربة، أو بوجود تأثيرات لتطورات سلبية ما. الاستقرار المستدام يبقى أساس هذا الأمن الذي يتعرض منذ سنوات لاضطرابات كبيرة، لأسباب عديدة، في مقدمتها المعارك وحتى الحروب التجارية التي حدثت بالفعل في الفترة السابقة، ولا تزال تجري بصورة أقل حدة اليوم، فضلاً عن الخلافات الجيوسياسية التي ولدت اهتزازات اقتصادية كبيرة، والحروب أو المواجهات العسكرية هنا وهناك. كل هذه العوامل المباشرة وغير المباشرة، أفرزت مجموعة من المشاكل، من بينها تلك التي ضربت (ولاتزال بصورة أو بأخرى) سلاسل التوريد، وبالطبع عمقت من حجم الموجة التضخمية العالمية، التي لا تزال ماثلة على الساحة بالطبع.
والأمن الاقتصادي المضطرب -إن جاز القول- لا يختص بالبلدان ذات الاقتصادات الضعيفة، بل يشمل أيضاً بقوة الاقتصادات المتقدمة. فالاقتصاد الأوروبي على سبيل المثال يعاني من هذه المسألة باعتراف المشرعين الأوروبيين أنفسهم، الذين يعملون بكل قدراتهم على احتواء الآثار السلبية الناجمة عن ذلك. وكذلك الأمر على الساحة الأميركية رغم تمتعها بقوة أكبر من حيث التعافي الاقتصادي مقارنة ببقية الساحات الغربية الأخرى. وهنا يُطرح السؤال الأهم، وهو كيف يمكن تحقيق الأمن الاقتصادي المناسب؟ أو على الأقل كيف بالإمكان الحد من الاضطرابات التي تحيط به؟ خصوصاً في ظل ظروف صعبة تشمل الاقتصاد العالمي ككل. فهذا الأخير، يمر بالفعل منذ سنوات في فترة حرجة، تفاقمت إلى حد كبير قبل انفجار جائحة «كورونا».
العناصر واضحة، وهي تحقيق النمو بقدر الإمكان، رغم أن ذلك ليس يسيراً، في ظل سياسات التشديد النقدي الراهنة، الناجمة عن المواجهة الشرسة للتضخم. وحتى النمو المتواضع لن يحقق الأهداف في تمكين الأمن الاقتصادي. فالمطلوب نمو عالي الإنتاجية، مع تطبيق واسع للتكنولوجيا الحديثة. وإذا ما تحقق ذلك، فستكون الاقتصادات أكثر مرونة، الأمر الذي يوفر قدراً كبيراً من «الوقود» للمضي قدماً على صعيد الأمن المشار إليه. ويرى مراقبون أن من ضمن المشاكل التي يتعرض لها الأمن الاقتصادي، أن الأسواق في مجالات رأس المال والطاقة والخدمات المصرفية باتت منذ سنوات مجزأة وغير كفؤة، ما يحتم على الأطراف، إعادة النظر في أداء هذه الميادين الحيوية.
باختصار لا بد أن يكون هناك تعاون دولي، والأهم في المرحلة الحالية أن يشمل هذا التعاون الحلفاء، الذين دخلوا بالفعل في العقد الماضي بمواجهات تجارية لأول مرة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. صحيح أن هذه المواجهات خفت حدتها بوصول الديمقراطيين إلى الحكم في الولايات المتحدة، لكن الصحيح أيضاً أن آثارها لا تزال باقية بصورة أو بأخرى. وفي كل الأحوال، لا يمكن بلوغ الحد الأدنى من الأمن الاقتصادي إلا بتقوية الاقتصادات، من خلال توجهات أكثر مرونة، وأشد تطوراً. فالاقتصاد العالمي متشابك إلى حد لا يمكن معه لأي جهة الادعاء بأنها قادرة على الصمود بمفردها.