دبي (الاتحاد) - مع إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة تتجه دولة الإمارات العربية المتحدة بثقة، وفق الرؤية الاستشرافية لقيادتها الرشيدة، نحو مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي المستدام.
وتشكل الصناعة - خاصة منها تلك المرتبطة بالقطاعات الحيوية والاستراتيجية، والتي تعتمد تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة - أحد أعمدتها الرئيسية.
وتستند الاستراتيجية إلى معطيات وأسس واقعية وقائمة، ترتبط بقدرات الإمارات ومزاياها الطبيعية من جهة، وببنيتها التحتية والتشريعية ومواردها المالية والبشرية من جهة أخرى، إلى جانب وجود بيئات عمل وحواضن متخصصة تتمثل في المناطق الصناعية المتخصصة والمناطق الحرة التي تتيح للشركات إطلاق أعمالها من الإمارات وتوجيه نشاطها إلى العالم بأسره، مستفيدة من إمكانيات يندر وجودها في أي مكان آخر.
يوجد في دولة الإمارات 28 منطقة أعمال وخدمات لوجستية، وتتمتع هذه المناطق بقدرات ومزايا تنافسية تعمل على اجتذاب استثمارات طويلة الأمد من الشركات التي تبحث دائماً عن خيارات لتحسين قدرتها التنافسية، إذ تأخذ قرار تأسيس منشأة جديدة في منطقة صناعية - سواء للتصنيع أو لتلبية متطلبات اللوجستيات والتوزيع للاستفادة من، نظام بيئة الأعمال التمكيني، والوصول إلى الأسواق والمواد الخام.
بيئة جذب مثالية
المناطق الصناعية المتخصصة والحرة في الإمارات تمتاز بتوزعها الاستراتيجي على إمارات الدولة بشكل يتوافق مع جميع المتطلبات، وتعتبر المنطقة الحرة بجبل علي (جافزا) بدبي، ومدينة خليفة الصناعية (كيزاد) بأبوظبي والمنطقة الحرة بالحمرية (الشارقة) والمنطقة الحرة في عجمان والمنطقة الحرة في الفجيرة والمجمّع الصناعي في المنطقة الحرة برأس الخيمة بين أبرز تلك المناطق.
وأدى النظام القانوني المستقر في دولة الإمارات العربية المتحدة وتاريخ الدعم القوي للشركات العالمية والمحلية العاملة في تعزيز سمعة الدولة العالمية المتميزة في مجال المجمعات الصناعية، ليس بسبب مزاياها اللوجستية فحسب، بل أيضاً بسبب عوامل التمكين الأخرى، مثل الموارد البشرية، والمواد الخام، والبنية التحتية والتسهيلات التمويلية.
تعدّ دولة الإمارات عاصمة اقتصادية في المنطقة وبيئة مثالية لاحتضان مختلف الأنشطة الاقتصادية وممارسة الأعمال، كما يتمتع القطاع الصناعي فيها بمنظومة دعم استثنائية، بفضل عدة عوامل ومزايا، على رأسها الاستقرار الاقتصادي الكبير والبيئة والموقع الاستراتيجي والإنفاق الحكومي القوي والمستمر.
مصادر الطاقة
كما تزخر الدولة بمصادر الطاقة التقليدية والحيوية والمتجددة، وهي مصادر مطلوبة للقطاع الصناعي، مثل المواد الكيميائية والمعادن والغاز والمواد الخام، وتتمتع الإمارات ببنية تحتية هي الأفضل والأكثر تكاملاً من نوعها في المنطقة في النقل والاتصالات والخدمات، تتوفر فيها كل الشروط والمعايير التي تكفل نمو وازدهار القطاع الصناعي على نحو مستدام.
كذلك تتمتع دولة الإمارات ببنية تحتية رقمية هي الأكثر تطوراً في المنطقة، محتلَّةً المرتبة الأولى عربياً وعلى مستوى دول المنطقة في مؤشر التنافسية الرقمية لعام 2020، كما توفر الإمارات مزايا وتسهيلات قانونية ولوجستية، ضمن مظلة تشريعية وإجرائية هي الأكثر تنافسية.
دور محوري
وفق إحصائيات وزارة الاقتصاد الإماراتية، ارتفع إجمالي تجارة السلع للمناطق الحرة في الإمارات إلى 658.9 مليار درهم خلال عام 2019 بزيادة نسبتها 11% مقارنة مع 592.5 مليار درهم مقارنة بالعام السابق.
وللدلالة على أهمية تلك المناطق في تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل، تكفي الإشارة إلى أن قيمة تجارتها السلعية شكلت نحو 38% من إجمالي تجارة الدولة السلعية غير النفطية خلال عام 2019 البالغة 1.7 تريليون درهم، بحسب الإحصاءات الرسمية.
وبلغت قيمة واردات المناطق الحرة في الدولة نحو 340.6 مليار درهم خلال عام 2019. أما على مستوى صادرات المناطق الحرة، فقد ارتفعت خلال العام الماضي إلى 41.1 مليار درهم وإعادة تصدير بقيمة 277.1 مليار درهم.
وتضم المناطق الحرة عشرات الآلاف من الشركات التي تعمل في مختلف القطاعات، من الصناعة إلى الخدمات اللوجستية والتجارية وصولاً إلى التكنولوجيا والإعلام وسواها.
وتتصدر الصين قائمة أهم عشرة شركاء تجاريين للمناطق الحرة في الإمارات، وتشكل الواردات الصينية ما يصل إلى 23.9 % من إجمالي الواردات إليها، تليها الهند بنسبة 15.5% ثم الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 6.9% وبعدها فيتنام واليابان والبحرين والسعودية وألمانيا والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية.
ضمان سلاسل التوريد
وتمثل السوق التي تقع فيها المجمعات الصناعية عنصراً بالغ الأهمية لأي شركة تبحث عن موقع جديد للعمل، لأن تلك السوق تحدد شروط التجارة بين بلد موطن العميل الجديد والأسواق المستهدفة.
وتتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، بإمكانية الوصول إلى أكثر من 100 دولة وقعت اتفاقيات تجارة حرة واتفاقيات ثنائية، إضافة إلى الوصول إلى أكثر من 22 دولة معفاة من الرسوم الجمركية. فالموقع يتعلق بالوصول إلى السوق، ولكن أيضاً بالقدرة على الاستفادة من ميزات التجارة بحريّة.
المواهب والكوادر البشرية
اعتبارات اختيار الشركات للمناطق الصناعية والحرة التي ترغب بالعمل فيها يشمل أيضاً، وبشكل رئيس، بيئة الأعمال العامة على صعيد المواهب والقدرات والكوادر البشرية.
ودولة الإمارات، على صعيد الموارد البشرية تحديداً، بيئة جاذبة ليس لها مثيل في المنطقة، فهي تحتل المركز الأول على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والثالث عالمياً في شعور السكان بالأمان في 2020، وفقاً لمؤشر «القانون والنظام العالمي 2020» الصادر عن مؤسسة «جالوب» الأميركية، كما تتمتع الإمارات بمناخ اجتماعي على قدر كبير من التنوع والتعددية العرقية والثقافية والدينية، ضمن بيئة مصنفة من بين الأكثر استقراراً وانفتاحاً وتسامحاً في العالم، لتصبح وطناً ثانياً لأكثر من عشرة ملايين شخص من أكثر من 190 جنسية.
مزايا غير مسبوقة
وضمن حزمة مزايا غير مسبوقة في المنطقة والعالم العربي، اعتمدت دولة الإمارات نظام الإقامة طويلة الأمد التي تعرف بـ«الإقامة الذهبية» ومدتها عشر سنوات، تُجدَّد تلقائياً، بالإضافة إلى منح الجنسية الإمارات لفئات عدة تشمل المستثمرين والمبدعين والمبتكرين والخبراء وأصحاب المواهب العلمية، وعائلاتهم.
كادر
ضمان سلاسل التوريد خلال «كوفيد-19»
في سياق متصل، أثبتت جائحة كوفيد-19 أهمية وجود بيئة تصنيعية متكاملة قادرة على ضمان الأمن الصناعي في أوقات الأزمات، فقد أدى تعطل سلاسل التوريد العالمية إلى إعادة التفكير لدى الشركات الصناعية في أهمية وجود جميع شركاء وموردي المواد الصناعية، ضمن مسافة تمنع تعطل الإمدادات وتوقف الإنتاج.
وقد أظهرت القدرات التجميعية في المجال الصناعي قيمتها خلال جائحة كوفيد-19، وأثبت أن الشركات المصنعة الموجودة في أنظمة بيئية مجمعة، على غرار المناطق الصناعية المتخصصة والحرة، كانت أكثر مرونة بكثير في مواجهة صدمات سلسلة التوريد.
وبالفعل، صنفت دولة الإمارات ضمن نادي الأوائل عالمياً في «تقرير التنافسية العالمي 4.0»، وحلت في مراكز متقدمة على قائمة أكثر دول العالم أماناً في مواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، بحكم قدرة الدول على معالجة التحديات التي فرضها الفيروس على قطاعي الصناعة والتجارة في العالم.
جميع هذه المزايا تؤكد الدور المحوري الذي لعبته وتلعبه المناطق الصناعية المتخصصة والحرة في الإمارات، وهو دور سيزداد أهمية مع انطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة «مشروع 300 مليار درهم»، والذي سيقود الإمارات إلى تحقيق هدفها المحوري، بأن تكون مركزاً صناعياً إقليمياً ودولياً خلال السنوات المقبلة.