هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين النووي، الشيخ الإمام العلامة، الحافظ، الفقيه، شيخ الإسلام، أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إلى سبيل الصالحين.
كان متحققاً بالزهد والقناعة، مثابراً على أنواع الخير لا يصرف ساعة في غير طاعة، مع التفنن في أصناف العلوم.
ولد في العشر الأواسط من المحرم سنة إحدى وثلاثين وست مئة (631 هـ)، وتوفي سنة (676 هـ).
ظهر عليه الصلاح والنبوغ من صباه، قال شيخه ياسين بن يوسف الزركشي، عندما رأى حاله: فقال«هذا يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه»، وقال:«رأيت الشيخ محيي الدين وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يُكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي؛ لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي حبه، وجعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال فأتيت الذي يقرئه القرآن فوصيته به، وقلت له: هذا الصبي يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه، وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: منجم أنت؟ فقلت: لا؛ وإنما أنطقني الله بذلك، فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام».
ذكر والده أن الشيخ كان نائماً إلى جنبه وهو ابن سبع سنين ليلة السابع والعشرين من رمضان، قال: فانتبه نحو نصف الليل وأيقظني وقال: يا أبي ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار؟ فاستيقظ الأهل كلهم، فلم نرَ شيئاً، فعرفت أنها ليلة القدر، فقد كان نابغاً منذ طفولته.
وكان صبوراً على البلاء، وصبوراً على طلب العلم، أصابته الحمى وهو مسافر للحج من أول ليلة خرج فيها من الشام، واستمرت فيه الحمى إلى يوم عرفة، قال والده: وما تأوه ولا تضجر.
كان مثابراً على طلب العلم.
حفظ كتاب «التنبيه» في أربعة أشهر ونصف الشهر، وقرأ حفظاً ربع كتاب «المهذب» في باقي السنة، كان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً، وبارك الله له في وقته.
كتب الله لمؤلفات الإمام النووي القبول ببركة صدقه وإخلاصه، وقد انتفع بتصانيفه أهل الإسلام، فكتابه «رياض الصالحين» لا يكاد يخلو منه مسجد أو بيت، ومن كتبه «روضة الطالبين وعمدة المفتين»، وكتاب «منهاج الطالبين وعمدة المفتين»، وكتاب في شرح صحيح مسلم الذي سماه: «المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج»، وكتاب «الأذكار»، وكتاب «شرح المهذب المعروف بالمجموع»، ولم يكمله، وسلك في شرحه طريقة حسنة مهذبة جامعة لأشتات الفضائل، وعيون المسائل، ومجامع الدلائل، ومذاهب العلماء، ومفردات الفقهاء، وتحرير الألفاظ، ومسالك الأئمة الحفاظ، وبيان صحة الحديث من سقمه، وغيرها من الكتب الكثيرة.
كان، رحمه الله، على جانب كبير من الزهد والتقشف والاقتصاد في العيش والصبر على خشونته، والورع، وكان لا يأكل إلا أكلة واحدة في اليوم والليلة بعد العشاء، وكان قليل النوم، كثير السهر في العبادة والتلاوة والذكر والتأليف، تولى التدريس في دار الحديث الأشرفية بدمشق.
ورغم أن النووي لم يعش إلا (45) سنة، فقد كانت حياته عامرة بالأعمال العظيمة، والمؤلفات الجليلة، وكان من العلماء الزهاد الذين بذلوا حياتهم للعلم والعبادة، ووجدت كتب الإمام النووي قبولاً، فعم نفعها، وانتشر في أقطار الأرض ذكرها، وكان، رحمه الله قد صرف أوقاته في أنواع العلم والعمل.. رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.