أحمد مراد (القاهرة)
اعتبر خبراء ودبلوماسيون العلاقات الإماراتية العُمانية محوراً استراتيجياً مهماً ومؤثراً في منطقة الشرق الأوسط، وركيزة أساسية من ركائز أمن واستقرار المنطقة العربية والخليجية. وأوضح الخبراء والدبلوماسيون في تصريحات لـ «الاتحاد» أن التعاون الإماراتي العُماني يمثل محطة مهمة في مسيرة العمل العربي والخليجي المشترك، وتلعب الدولتان دوراً مؤثراً وفاعلاً في مختلف قضايا وأحداث المنطقة. وأشاروا إلى وجود مواقف سياسية متقاربة للبلدين تجاه القضايا المختلفة، حيث تتبنى أبوظبي ومسقط سياسة خارجية رشيدة تدعو إلى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وحل المشاكل والخلافات بالطرق السلمية والحوار عبر آليات المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة.
قواسم مشتركة
وصف السفير رخا أحمد حسن، الخبير في شؤون العلاقات العربية، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، العلاقات الإماراتية العُمانية بـ «محور استراتيجي مهم ومؤثر» في منطقة الشرق الأوسط، وركيزة أساسية من ركائز أمن واستقرار المنطقة العربية والخليجية.
وأوضح السفير حسن في تصريحات لـ «الاتحاد» أن قيادات البلدين حرصت على مدى الخمسة عقود الماضية على تطوير علاقاتهما الثنائية في ظل وجود قواسم مشتركة وتقارب في المواقف تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
وأشار إلى أن هناك تاريخاً حافلاً بالتعاون المشترك بين الإمارات وعُمان، وقد بدأ قبل الإعلان عن قيام دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر العام 1971، وتحديداً منذ اللقاء الأول الذي جمع الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والمغفور له السلطان قابوس بن سعيد في العام 1968، ومع قيام دولة الإمارات تطورت العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل لافت، الأمر الذي أسفر عن العديد من الجهود الثنائية الرامية إلى دعم أمن واستقرار المنطقة الخليجية والعربية.
علامة فارقة
وجسدت الزيارة التاريخية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى سلطنة عُمان في مايو من العام 1991 «علامة فارقة» في تاريخ العلاقات المشتركة بين الإمارات وعُمان، وكان من أهم نتائج هذه الزيارة تشكيل اللجنة العليا المشتركة للتعاون بين الإمارات وسلطنة عُمان بهدف توطيد العلاقات الإماراتية العُمانية، ومواصلة تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، ودعم العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما.
وبدأت هذه اللجنة أول اجتماعاتها في شهر نوفمبر من العام 1991، وشملت أعمالها التعاون في مجالات الربط الآلي في المنافذ البرية، والنقل البري للركاب والبضائع، وأسواق المال، وحماية المستهلك والبيئة البحرية، والربط الكهربائي، والطيران المدني، والخدمة المدنية، فضلاً عن المجالات التربوية والصحية والدفاع المدني. كما أجرت اللجنة العديد من الدراسات لإقامة مجموعة من المشاريع المشتركة، إضافة إلى التنسيق والتعاون في مختلف المجالات الأمنية والتعليمية والعسكرية والإعلامية.
وانبثق عن اللجنة الإماراتية العُمانية المشتركة العديد من اللجان؛ منها اللجنة الفنية واللجنة العسكرية اللتان تتابعان المقررات التي تصدر عن اللجنة العليا، سواء فيما يتعلق بالجانب الأمني أو العسكري.
وأسفرت أعمال اللجنة العليا المشتركة للتعاون بين الإمارات وسلطنة عُمان عن العديد من القرارات المهمة التي ساهمت في تعزيز العلاقة بين أبوظبي ومسقط، وكان من أبرزها القرار الخاص بالسماح للمواطنين الإماراتيين والعُمانيين بالتنقل بين البلدين باستخدام البطاقة الشخصية بدلاً من جوازات السفر، وبذلك تكون الإمارات وعُمان أول دولتين من دول مجلس التعاون الخليجي تعتمدان البطاقة الشخصية وثيقة لتنقل مواطني البلدين منذ العام 1993.
وجاء إنشاء شركة «عُمان والإمارات للاستثمار» التي تأسست في الثاني من مايو العام 1994 في مسقط في مقدمة الإنجازات التي حققتها اللجنة العليا المشتركة بين الإمارات وعُمان، وقد باشرت هذه الشركة أعمالها في سبتمبر من العام 1994، برأسمال قدره 30 مليون ريال عُماني، تسهم حكومتا البلدين فيه بنسبة 60%، وطرحت 40% من رأسمالها على مواطني البلدين.
مواقف متقاربة
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إن الروابط الأخوية والتاريخية الراسخة التي تربط بين الإمارات وعُمان، فضلاً عن أواصر المحبة ووشائج القربى التي تجمع بين شعبيهما ساهمت بشكل كبير في تقريب وجهات النظر بين البلدين، الأمر الذي يظهر جلياً في استمرار التشاور والتواصل بين البلدين على مختلف المستويات، بالإضافة إلى وجود مواقف سياسية متقاربة تجاه القضايا المختلفة، حيث تتبنى أبوظبي ومسقط سياسة خارجية رشيدة تدعو إلى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وحل المشاكل والخلافات بالطرق السلمية والحوار عبر آليات المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة.
وزار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، سلطة عُمان في مطلع مايو من العام 1999، وقد شكلت هذه الزيارة دفعة قوية للعلاقات الثنائية بين البلدين، وخلالها أعلن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عزم دولة الإمارات على تعزيز التعاون وتنمية المصالح المشتركة مع السلطنة في الحاضر والمستقبل، الأمر الذي يرسخ الصرح الشامخ للعلاقات الأخوية الوثيقة، ويعزز المسيرة المشتركة للشعبين.
وأوضح السفير رخا حسن أن العلاقات الإماراتية العُمانية مرشحة لمزيد من التطور والتقدم خلال السنوات القليلة القادمة في ظل القيادة الرشيدة للبلدين بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، حفظه الله، حيث يحرص القائدان على تطوير العلاقات العربية العربية من أجل دعم السلام والاستقرار والأمن في المنطقة العربية بشكل يضمن ازدهارها، وتحقيق تطلعات الشعوب العربية في التنمية الشاملة.
ويأتي الحرص الإماراتي والعُماني على استمرار التعاون المشترك والتشاور الثنائي لدعم أمن واستقرار المنطقة في ظل ترؤس سلطنة عُمان للدورة المقبلة لمجلس التعاون الخليجي على مدار العام 2023، وبالتزامن مع استمرار عضوية الإمارات في مجلس الأمن للعام الثاني على التوالي، وهو ما يشكل إضافة مهمة في مسيرة التعاون والتشاور بين البلدين، لا سيما فيما يتعلق بالعمل على زيادة التقارب والتعاون والتكامل، سواء على الصعيد الخليجي أو العربي، بما يدعم أمن واستقرار المنطقة.
دور خليجي بارز
أما الكاتبة والمحللة البحرينية، عهدية أحمد، الرئيسة السابقة لجمعية الصحفيين البحرينية، المستشارة بوزارة شؤون مجلس الوزراء البحريني، فأكدت لـ «الاتحاد» أهمية الجهود الإماراتية العُمانية المشتركة في دعم مسيرة العمل الخليجي المشترك عبر المئات والعشرات من المواقف التي سعت إلى تعزيز وتقوية الأسس التي بُني عليها مجلس التعاون الخليجي في العام 1981. وأوضحت أن البلدين على مدى الـ40 عاماً الماضية شكلا ركناً أساسياً من أركان مجلس التعاون الخليجي، وكان لمواقفهما المشتركة دور مهم وبارز في تحقيق العديد من الإنجازات والمشروعات التكاملية بين دول المجلس، فضلاً عن دورهما الحيوي في تعزيز سبل الأمن والاستقرار في المنطقة الخليجية. وأشادت بحرص الإمارات وعُمان على المشاركة الإيجابية في أعمال وأنشطة مجلس التعاون الخليجي منذ القمة الخليجية الأولى التي عُقدت في أبوظبي خلال مايو من العام 1981 وحتى القمة الخليجية الـ 42 التي عُقدت في الرياض خلال ديسمبر من العام 2021. واستضافت دولة الإمارات العربية المتحدة على مدى الأربعة عقود الماضية 6 قمم خليجية، بينما استضافت سلطنة عُمان 5 قمم، وخلال هذه القمم كان للبلدين دور أسياسي في الخروج بقرارات مهمة تدعم استقرار وازدهار وأمن المنطقة الخليجية لعل أبرزها الإعلان عن تأسيس مجلس التعاون الخليجي خلال القمة الخليجية الأولى التي عُقدت في أبوظبي خلال مايو 1981. إلى جانب إقرار توصيات التعاون العسكري في القمة الخليجية السابعة في أبوظبي العام 1986، وإقرار قواعد استثناء الإعفاء من الرسوم الجمركية خلال القمة الخليجية العاشرة في مسقط العام 1989، وتسهيل توظيف وانتقال الأيدي العاملة الوطنية خلال القمة الخليجية السادسة عشرة في مسقط العام 1995، واعتماد الاتفاقية الاقتصادية خلال القمة الخليجية الثانية والعشرين في مسقط العام 2001، وإقرار وثيقة السياسة التجارية الموحدة في القمة الخليجية السادسة والعشرين في أبوظبي العام 2005، واعتماد اتفاقية الاتحاد النقدي في القمة الخليجية التاسعة والعشرين في مسقط العام 2008. وأوضحت الكاتبة والمحللة البحرينية أن دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان ارتبطتا على مدى العقود الماضية بعلاقات وثيقة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والثقافية، الأمر الذي ظهرت نتائجه في تطوير العلاقات بين البلدين وفق مبادئ راسخة وأرضية صلبة. وأكدت أن عمق ومتانة العلاقات الإماراتية العُمانية ترتب عليها العديد من المواقف المشتركة الداعمة لقضايا العالم العربي والمنطقة الخليجية، لا سيما في أوقات الشدة والأزمات، حيث تحرص قيادات البلدين دائماً على التنسيق والتشاور المستمر من أجل مواجهة التحديات والأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط.
زيارات متبادلة
في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، تطورت العلاقات الإماراتية العُمانية بشكل لافت، فقد حرص سموه منذ توليه مقاليد الحكم في دولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر من العام 2004، على تواصل العلاقات الوثيقة التي جمعت الإمارات بسلطنة عُمان، الأمر الذي قابله السلطان الراحل، قابوس بن سعيد، بالاهتمام والحرص نفسهما، وهو ما ساهم في تنامي حجم العلاقات الإماراتية العُمانية في مختلف المجالات.
وشكلت الزيارات المتبادلة بين قيادات البلدين عاملاً مهماً من عوامل تقوية العلاقات الإماراتية العُمانية، حيث تعددت زيارات السلطان الراحل، قابوس بن سعيد، إلى الإمارات، من بينها الزيارة التي قام بها في مايو من العام 2008، والزيارة التي قام بها في 11 يوليو من العام 2011، وفي 14 أبريل من العام 2012، جاءت زيارة أخرى للسلطان قابوس إلى الإمارات.
كما تعددت زيارات المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، إلى سلطنة عُمان، من بينها الزيارة التي قام بها في 9 يناير 2005، وكذلك الزيارة التي قام بها في 27 مايو 2007.
وكان السلطان قابوس بن سعيد قد استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عندما كان ولياً لعهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في العديد من الزيارات، منها زيارة في أكتوبر 2011، وزيارة أخرى في ديسمبر 2013، وزيارة ثالثة في أكتوبر 2016.
مكانة خاصة
أكد الدكتور عمرو الديب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لوباتشيفسكي الروسية، في تصريحات لـ «الاتحاد»، أن العلاقات الإماراتية العُمانية لها مكانة خاصة لما أثبتته خلال السنوات الماضية من أهمية كبيرة في مجالات التعاون التي تحققت في مختلف الميادين، وأسهمت الزيارات المتبادلة والمتعددة لقيادات البلدين في توقيع العديد من مذكرات التفاهم حول التعاون الاقتصادي والتجاري وغيرها، ما يُعد مساهماً أساسياً في تعزيز العلاقات القوية بين البلدين، والمبنية على حسن الجوار والمصالح المشتركة، لا سيما أن البلدين جاران، ويمتلكان مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية مشتركة.
وشكلت الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى سلطنة عُمان في أواخر سبتمبر الماضي، نقلة نوعية في تاريخ العلاقات الإماراتية العُمانية، وخلالها تم التوقيع على 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم تشكل طفرة غير مسبوقة في مستقبل العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين.
وأوضح أن العلاقات الإماراتية العُمانية تمثل محطة مهمة للعمل المشترك داخل منطقة الشرق الأوسط، حيث تلعب الدولتان دوراً مؤثراً وفاعلاً في تعزيز التقارب بين دول المنطقة، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على أمن واستقرار المنطقة التي تمر بالعديد من التحديات في ظل تطورات وتغيرات إقليمية وعالمية تتطلب من الدول العربية المزيد من تنسيق المواقف والتقريب بين وجهات النظر حيال مختلف الملفات، وبالأخص الملفات الشائكة، ومن المهم جداً بلورة موقف عربي موحد تجاه هذه الملفات.
وتعمل الإمارات وسلطنة عُمان على مكافحة أشكال وصور التطرف والإرهاب كافة، على أكثر من صعيد، فكلا البلدين عضو في التحالف العالمي لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي، وأعضاء في التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، وأعضاء في مركز استهداف تمويل الإرهاب، والذي يضم في عضويته دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية.
وأشار أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لوباتشيفسكي الروسية إلى أن الإمارات وعُمان يتطلعان إلى تعاون مستقبلي على المستويات كافة في ظل وجود رغبة وإرادة من قادة البلدين لتنمية وتطوير العلاقات بينهما، بما يعود بالنفع على الشعبيين اللذين تربطهما علاقات ذات خصوصية.
عهد جديد
أوضح المحلل السياسي، عمار وقاف، مدير مؤسسة غنوسوس للأبحاث في بريطانيا، أن الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى عُمان في أواخر سبتمبر الماضي، شكلت عهداً جديداً يتم افتتاحه بين البلدين، ومقاربة جديدة للعلاقة بينهما أكثر مباشرة وأخوية، وقد فتحت هذه الزيارة المجال لتنسيق المواقف الثنائية والخليجية حيال القضايا المطروحة على الساحتين العربية والعالمية بأكملهما.