أكدت الدكتورة جميلة لرماش، من ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، أن النية الخالصة لله هي ما يحتاج إليها المؤمن في كل عمله، وعباداته وأعماله كلها، فالإخلاص شرطٌ في قبول العمل، فقد جاء في حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصاً وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ»، فلا صلاة معتبرة عند الله ولا صيام ولا حج ولا صدقة ولا بر إلا إذا قامت على نية صالحة وابتغي بها وجه الله تعالى وحده، وفي الحديث «إنما الأعمال بالنيات»، وأن صلاح النوايا وإخلاص العبادة لله هي المطية إلى الفوز برضا الله، داعية إلى التأسي بخلق النبي، صلى الله عليه وسلم، وإخلاصه في إيصال رسالته وتحمله المشاق.
ودعت إلى ضرورة تعزيز قيمة الإخلاص لدى الناشئة لتنموا مع أجسادهم في عباداتهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم مع الآخرين، فالأسرة هي المحضن الأول في غرس القيم، جاء ذلك خلال محاضرة ضمن برنامج العلماء الضيوف بعنوان «النوايا مطايا».
وأكدت أن النية الصالحة هي السبيل إلى تحصيل الأجر والمثوبة من الله، وأن استحضارها على الدوام جهاد وتجديدها يحتاج إلى منبه إلهي، يقول سبحانه (... إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، «سورة الأنفال: الآية 70».
وجاء في صحيح مسلم قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»، إنها القلوب، بيوت النوايا التي يجب أن نتعاهدها صيانة ورعاية، فهي المطية التي تحملنا إن سلمنا إلى الفوز برضا رب العالمين، ونبي الله إبراهيم عليه السلام، كان قمة من القمم الشامخة في إخلاص النية لربه وخالقه، يقول سبحانه على لسانه في سورة الأنعام: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)، الآيات 162 - 163».
وأضافت، أن سيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وحياته، كلها إخلاص وابتغاء لوجه الله تعالى، فهو معلم الناس الخير، الرحيم لأمته، العظيم في إخلاصه عند تبليغه لرسالة ربه تعالى.
وأشارت إلى نماذج من مواقف الصحابة، فالصحابي عكرمة بن أبي جهل، رضي الله عنه، ضرب المثل في إخلاصه وصدق توبته، فجاء في الحديث، «فركب البحر فأصابتهم عاصفة، فقال أصحاب السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً ها هنا، فقال عكرمة والله لئن لم ينج من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك عليَّ عهداً إنك أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمد صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يديه فلأجده عفواً كريماً، فأسلم، وها هو الإمام البخاري، رحمه الله، عن كتابه الصحيح، وإخلاصه وحسن نيته، حيث قال: «ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين ولقد صدر، رحمه الله، كتابه بالحديث العظيم: «إنما الأعمال بالنيات»، الذي قال عنه أهل العلم إنه ثلث العلم.
كما يقول سبحانه (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)، «سورة البينة: الآية 5»، وجاء في حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما يقرر هذا المعنى، فقد روي في سنن الترمذي، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك».
وأشارت إلى أن هذا الدعاء يبين أن المقصود بالعبادة هو الله وحده، وجاء في المعجم الكبير للطبراني حديث، مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا يا رسول لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه وعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان»، وهذا يوضح أن النية إن لم توجه الوجهة الصحيحة، تجعل العمل في سبيل الشيطان.
واستدلت على ضرورة إخلاص النية بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَتهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ»، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ»، فالعلم إذا أراد به الإنسان شهرة، أو سمعة، أو ابتغى به دنيا فانية كل ذلك لا يكون عند الله مقبولاً، بل يكون سبباً في دخول النار.
وأشارت إلى أن من رحمة الله بنا أن جعل النية تشفع لصاحبها إذا صلحت، فقد جاء في الحديث، «مثلُ هذه الأُمَّةِ كمثلِ أربعةِ نفرٍ رجلٌ آتاهُ اللهُ مالاً وعلماً فهو يعملُ بعلمِه في مالِه يُنفقُه في حقِّهِ ورجلٌ آتاه اللهُ علماً ولم يُؤْتِه مالاً فهو يقولُ لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعملُ»، قال رسول الله له فهما في الأجر سواء، فالنية تشفع لصاحبها في نيل الأجر على الدوام من دون القيام به إذا حالت بينه وبين هذا العمل أمور خارجة عن الإرادة والقدرة.
وذكرت أن صلاح النوايا مرتبط بالإخلاص لله تعالى، ومراقبته في السر والعلن، وابتغاء مرضاته وحده، يقول سبحانه: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)، «سورة الأعراف: الآية 29».
فالإخلاص شرطٌ في قبول العمل، فقد جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصاً وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ»، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا ينْصُرُ الله هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِفِائهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ»، فيأتي بعد الإخلاص الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجوب الاقتداء برسول صلى الله عليه وسلم، والبعد كل البعد عن مخالفته، والصبر ومجاهدة النفس. ويقول رسول صلى الله عليه وسلم «ومَن يَصبِرْ يُصبِّرْه اللهُ، وما أُعْطِيَ أحدٌ من عطاءً هو خيرٌ وأوسَعُ مِنَ الصَّبرِ».