جمعة النعيمي وناصر الجابري (أبوظبي)
تشكل الأسرة اللبنة الأساسية لبناء المجتمعات، باعتبارها البيئة الأولى للأبناء، والحجر الأساسي لأي مجتمع كان، فالأسرة هي النواة الأساسية والتي تنشأ من علاقة الزوج والزوجة والأبناء الذين تربطهم روابط الرَّحم والقرابة، كما تعتبر الأسرة قوّة تماسُك المجتمع، ولها دور فعّال في بناء المجتمع السَّوي المتكامل والمُترابط الذي تسوده المحبة والمودة والوئام والوحدة والترابط والأمن المجتمعي.
وتشهد المجتمعات قاطبة تحديات كثيرة وعديدة تواجه الأسرة، ومنها: غياب الحوار بين الزوجين والإهمال والقصور في العلاقات الزوجية والمسؤولية التربوية حيال الأبناء، إضافة إلى أن من المخاطر الأساسية التي تهدد الأسرة، عدم القيام بالمسؤولية التربوية للأبناء من قبل الوالدين، وكثرة العوامل المحيطة والمهددة لبناء الأسرة الأمر الذي يؤثر سلباً على حياة ومستقبل الأبناء.
ترى المحامية الدكتورة حوراء موسى أن الإصلاح الأسري محاولة لرأب الصدع بين المتنازعين، سواء كان المتنازعان زوجين أو إخوة أو أباً وابنه وهكذا.
وقد تنشأ في الحياة الأسرية نزاعات قد يتمكن أفرادها من حل النزاع ودياً فيما بينهم، أو أن يتم عرض الأمر على طرف محايد يستمع للأطراف المتنازعة ويسعى لإصلاح ذات البين.
وقديماً كان النزاع يطرح على كبير القوم أو شيخ القبيلة أو من يجد الناس فيه الحكمة والاتزان، ومع تطور النظام القضائي، خاصة بعد صدور قانون الأحوال الشخصية الاتحادي في 2005 وفقاً لأحكام المادة (16) منه والتي نصت على أنه لا تقبل الدعوى أمام المحكمة في مسائل الأحوال الشخصية إلا بعد عرضها على لجنة التوجيه الأسري مع ورود استثناءات نص عليها القانون من وجوب عرضها على التوجيه الأسري، بمعنى إمكانية مباشرة رفع الدعوى دون اشتراط مرور الدعوى على التوجيه الأسري كالمسائل المتعلقة بالوصية والإرث وما في حكمها، والدعاوى المستعجلة والوقتية والأوامر المستعجلة والوقتية في النفقة والحضانة والوصاية وإثبات الزواج وإثبات الطلاق.
ومهمة التوجيه الأسري معاجلة الخلافات الأسرية ومحاولة إصلاحها ورأب الصدع ولم الشمل بالطرق الودية ومحاولة تقريب وجهات النظر واقتراح وجود اتفاقية صلح إن تطلب الأمر، وفي حال عدم الاتفاق والصلح يقوم الموجه الأسري بتسليم الأطراف إرسالية تمكنهم من مباشرة الدعوى أمام المحكمة المختصة.
كما أن هناك لوائح تنظم عمل لجان التوجيه الأسري في مختلف محاكم الدولة والشروط الواجب توافرها في الموجه الأسري وآلية نظر النزاع.
ونوهت حوراء بأن الموجه الأسري يفترض به أن يكون طويل البال، صبوراً حليماً، يعطي كل طرف الوقت المناسب لسماعه دون استعجال، مع محاولة اقتراح الحلول والبدائل وتقريب وجهات النظر قبل إنهاء الجلسات، فهي مهمة إنسانية قبل أن تكون وظيفة حكومية.
تعديلات
وأشارت المحامية الدكتورة حوراء موسى إلى أهم التعديلات الواردة على قانون الأحوال الشخصية وفقاً للتعديل قبل الأخير والذي تم في 2019، حيث أعطى المشرع صلاحية للقاضي برفض الدعوى في حال عدم إثبات الضرر، وذلك في دعاوى المطالبة بالتطليق للضرر، حيث إنه قبل هذا التعديل كان يحق لأي من الزوجين التوجه للمحكمة طلباً للتطليق للضرر، ولم يكن هناك نص يعطي صلاحية للقاضي لرفض الدعوى عند عدم ثبوت الضرر، مفاده أن القاضي مسبقاً وقبل التعديل التشريعي كان مجبراً على التطليق، سواء ثبت الضرر أم لم يثبت، إلا أنه مع التعديل الذي جرى على القانون في 2019 فقد أعطى المشرع للقاضي صلاحية رفض الدعوى ما لم يتمكن رافعها من إثبات الضرر، وإثبات الضرر يكون بأي من وسائل الإثبات المشروعة المنصوص عليها في القانون.
وهناك تعديلات أخرى جرت على قانون الأحوال الشخصية في 2019 و2000 إلا أن هذا التعديل هو أهم تعديل جرى في قانون الأحوال الشخصية للحد من حالات طلب التطليق للضرر لأسباب واهية وغير حقيقية، وهذا لا يعني أنه لا فرار من هذا الزواج، إذ يمكن للزوجة رفع دعوى خلع، كما يمكن للزوج أن يطلق زوجته، كما يمكن لأي منهما المتضرر أن يرفع دعوى تطليق للضرر مرة أخرى، ليتم عرض الدعوى على حكمين يعدان تقريرهما النهائي مع توصية موجهة للمحكمة، ومع هذا التعديل فإنه من المتوقع أن ينخفض عدد دعاوى التطليق للضرر ويرتفع معه عدد دعاوى الخلع أو حالات الطلاق، وكذلك فإنه من المتوقع ارتفاع في عدد الدعاوى الجزائية بين الأزواج لإثبات الضرر، والقيام بافتعال المزيد من المشاكل الأسرية ليحقق أي منهما غايته في الانفصال.
استقرار الحياة الزوجية
وترى المحامية حوراء، أن هناك عدة عوامل تهدد استقرار الحياة الزوجية، منها التسرع في الزواج دون الاتفاق على العديد من الأمور، ومن ثم يفاجئ كل منهما الآخر بما لا يسره، وما يؤكد ذلك وقوع حالات طلاق في فترة «الملجة» والأشهر الأولى أو حتى السنوات الأولى من الزواج نتيجة عدم التفاهم مسبقاً على العديد من الأمور التي كان يفترض فيها أن يتم التريث والاتفاق بشأنها قبل إبرام عقد الزواج لبيان مدى إمكانية الارتباط من عدمه، وكذلك رفع سقف التوقعات، حيث إن الكثير يرفع من سقف توقعاته، حيث إن الكثيرات رسمن في أذهانهن أن الزوج مصباح سحري وأن الحياة الزوجية مليئة بالورود والرومانسيات والسفر والرفاهية بشكل مبالغ فيه بعيداً عن الواقع، وكذلك هناك قلة توعية بأهمية وماهية الزواج وقدسيته وقلة التوعية في آلية حل الخلافات الأسرية، ناهيك عن رفقاء السوء الذين يحرضون الأزواج على بعضهم البعض من الأصدقاء أو غيرهم وذلك لإفساد العلاقة الزوجية.
وأشار عصام العمران، مستشار قانوني، مدير شركة العمران للاستشارات القانونية، عضو لدى جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين، إلى دور دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي في تعزيز مفهوم (جودة الحياة) والتي تعد جودة الحياة الأسرية عنصراً جوهرياً في هذا المفهوم، حيث أطلقت الدائرة في سعيها الحثيث في تقوية دور الأسرة في المجتمع استراتيجية تطوير جودة حياة الأسرة في ظل التحديات الاجتماعية، ولعل من أبرز محاور هذه الاستراتيجيات هي (دعم كبار المواطنين، معدل الوقت النوعي للأسرة، ومعدلات الطلاق والزواج)، وذلك عبر دراسة وتحليل جذور التحديات والعمل على تطوير مبادرات لحلها. وكذلك دور دائرة القضاء أبوظبي في هذا الصدد بإطلاق برامج تعزز التوجيه الأسري تحت مسمى (الصلح خير) فيما يتعلق في مسائل الطلاق، وذلك انطلاقاً من الدائرة في جهودها الرامية في تمكين الأسر من حل خلافاتها، وتخطي الصعوبات التي قد تواجهها بطرق مبتكرة، بما يسهم في الحد من حالات الطلاق خلال عقد جلسات توجيهية مكثفة للأطراف مع موجهين مختصين في هذا الجانب، فضلاً عن استحداث ورش تدريبية غنية بالوسائط المتعددة.
تعديلات حديثة
وأضاف العمران «لعل من غرائب القصص المعروضة بمناسبة تأدية الأعمال، طلب زيادة نفقة شهرية من زوجة لدواعي السُكنى على مقربة من إحدى الجامعات في إمارة أبوظبي على الرغم من ما توفر لها من سبل راحة ومواصلات وتمكين بهذا الجانب». ويرى العمران أن الإصلاح الأسري، هو توافق الشريكين، وللإصلاح الأسري أهمية كبيرة في تعزيز العلاقات العائلية وحل النزاعات الأسرية، والتثقيف والتوعية بهذا المفهوم هو السبيل المباشر في خنق الخلافات الأسرية لحد من التفكك وزيادة معدلات الطلاق، ويعهد ذلك لذوي الاختصاص. ولفت العمران إلى مساهمة التعديلات الحديثة في قانون الأحوال الشخصية في خفض نسبة أحكام الطلاق وتطويل أمد إجراءاتها، وسمى التعديل في المادة (118) من القانون التي قيدت قبول الدعوى أو رفضها بثبوت حالة الضرر الواقع على أي من الطرفين، وبه يتحدد مسار الدعوى بالقبول أو الرفض، مع إمكانية رفع أحد طرفي النزاع في حالة الرفض وحال استمر الشقاق دعوى جديدة على الآخر وعرض الصلح على الأطراف وتسمية المحكمين.
فالملاحظ أن التعديل أضاف حالة رفض الدعوى في حالة عدم التثبت في دعوى الطلاق للضرر والشقاق، وأجاز لكل من الزوجين رفع دعوى جديدة وطلب التفريق للضرر الذي يتعذر الاستمرار في الحياة الزوجية. وحسناً فعل المشرع بما أعطى للمحكمة سلطة الاختيار بالرفض حال انعدام الضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة بالمعروف على خلاف ما كان عليه النص السابق بمناسبة سلطة الاختيار، الأمر الذي حد أو قلل من نسبة أحكام الطلاق مفسحاً المجال لكلا الزوجين للمراجعة وفرصة للصلح الأسري. وتوجت جهود دائرة تنمية المجتمع -أبوظبي الرامية إلى تعزيز دور الأسرة وجودة الحياة في المجتمع بإصدار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي، بتاريخ 15 سبتمبر 2021، قانوناً بإنشاء هيئة الرعاية الأسرية في أبوظبي تابعة للدائرة، وتهدف الهيئة إلى تعزيز التماسك والاستقرار الأسري، وضمان وضع أسس نموذج حوكمة موحد لإدارة الحالات الأسرية.
نفقة الزوجة
يرى المحامي محمد جاسم المري، أن أغلب قضايا التوجيه الأسري تعنى برفع نفقة الزوجة والأبناء، لافتاً إلى أن الزوج قد يتهرب من النفقة، خاصة إذا كان مطلقاً، فإنه يعطي طليقته مؤخر الطلاق، وينسى نفقة الأبناء، فقد يكون هناك أبناء من عمر 5 إلى 10 سنوات، وكذلك الحال بالنسبة للبنات، موضحاً أن سن الأبناء في الصغر لا يقارن مع الأبناء الكبار، نظراً لتغير الطلبات والاحتياجات الاجتماعية في المجتمع والتي يجب مراعاتها والأخذ بها. وقال المري «إذا كانت النفقة الشهرية ألف درهم، فيجب على الزوج أن يراعي الاحتياجات ويزيد على ذلك حتى ألفي درهم»، لافتاً إلى أنه إذا كان هناك تقصير في حق الأبناء، فإن ذلك سيؤثر على حياتهم وفي برهم لأبيهم أيضاً، مضيفاً أن الطلاق لا يختلف عن الزواج، فإذا ما كان الرجل طيباً وكريماً وحسناً مع زوجته خلال الحياة الزوجية، فيجب عليه أن يظل محسناً، ويذكر محاسن أم أبنائه ولا يضر بمطلقته، فمن المعروف إعطاء الزوج لنفقة المتعة لجبر الخواطر، إلا أن البعض قد لا يتفق معي ويرى أن الطلاق بداية مشاكل. وتابع إذا مان كان هناك صلح فسيكون هناك تفاهم على بعض الأمور، إذاً لا بد من التعامل بالمعروف في حال وقوع الطلاق، والأخذ برأي أهل العلم والخبرة والمشورة، لتقديم النصيحة السديدة للطرفين، كما أن الشيمة تظهر عند الزوج في مثل هذه المواقف والتي تبين العزة والكرامة المأخوذة من قيم الأخلاق والتي تحث على الإحسان والكرم والجود، لافتاً إلى أن في أكثر القضايا الزوجية لو تم توظيف هذه القيم الإنسانية بين الطرفين، لما تعطلت ووقفت حياة كثير من الأزواج، فالطلاق قد يقع، وهو أمر موجود ولا ينكره أحد البتة، لافتاً إلى وجود آباء لا ينفقون على أبنائهم وقت الأعياد والمناسبات، وهذا خطر جسيم نرى آثاره في حياة الأبناء، فإذا ما وقع الطلاق يجب التعامل بالمعروف والإحسان.
وتابع أن الإصلاح الأسري يبدأ من البيت، والقانون يقوم بدوره من إحضار للزوج وتوجيهه، كما أن مشاكل الناس تبدأ بإظهار العيوب وإنكار المحاسن، فقد تكون هناك زوجة تريد أموراً وطلبات فوق قدرة وطاقة زوجها، والمقارنات والمعايرة كثيرة، فكل بحسب طاقته وقوته، لافتاً إلى أن بعض مشاهير التواصل الاجتماعي يهرجون ويتكلمون في ما لا يعنيهم حتى أصبحوا يتكلمون في أمور العامة والخاصة من الناس، إذ إنهم ليسوا بأناس متخصصين في علوم الحياة الزوجية.
ودعا المري الرجال من المتزوجين والمطلقين برفع نفقة الأبناء وإكرامهم، لأن في ذلك تأثيراً على حياتهم، مضيفاً أنه من الضروري مخافة رب العالمين واتباع الشريعة الإسلامية والقانون، واتباع الحق والمبادرة بحل المخالفات والمشاكل بين الزوجين، لتنعم الأسر بالأمن والاستقرار الأسري، بعيداً عن الخلافات والمشاكل التي تهدد مستقبل الحياة الزوجية والتي تنعكس سلباً على حياة الأبناء، بحيث يكونون فريسة للعقد النفسية والتي تكون بداية للصراعات الزوجية والتي يتخللها الكثير من العوامل النفسية والمادية والمعنوية لأفراد الأسرة.
فتح بصيرة أحد الزوجين
أكد المستشار والمحامي سعيد محمد الراشدي، أن قصص التوجيه الأسري كثيرة، وقد تكون إيجابية أو سلبية، فهناك القصص والشكاوى التي تنشأ دون الأسباب المطلوبة، نظراً للحب الزائد عن حده من قبل الزوج لزوجته أو العكس، لافتاً إلى أن السنوات الأخيرة شهدت حالات طلاق بسبب أمور غير منطقية وواقعية لطلب الطلاق من قبل بعض النساء.
وتابع أن الإصلاح الأسري يعتبر محاولة لدعم جميع الأطراف وتوجيههم أسرياً، وزيادة توعيتهم للاستمرار والحفاظ على الحياة الأسرية والرابطة المقدسة التي جمعتهم ليكونوا أسرة متماسكة ومترابطة، لتكون لبنة صالحة في بناء هذا المجتمع، ولا شك في أن الإصلاح الأسري قد يوقظ أو يفتح بصيرة أحد الزوجين إلى أشياء أو أمور كان يغفل عنها، أو أمور لم تكن بالحسبان، مؤكداً أن مبدأ الإصلاح هو أمر نابع من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وهو الأساس لكل المعاملات، لافتاً إلى أنه من أبلغ الآيات التي تحدثت عن العلاقة الزوجية وعن حق المرأة في حال الانفصال، قوله تعالى: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، «فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف»، حفظت الآيتان حق الزوج في الاختيار وحفظتا وجوباً كرامة المرأة وحقوقها كزوجة أو طليقة. وتابع أن التعامل بالمعروف قائم على الاحترام المتبادل والمودة والثقة والرقي في الأخلاق، وتحمل المسؤولية لكلا الطرفين، لافتاً إلى أن الإصلاح الأسري لا بد أن يبدأ من المنزل من أولياء الأمور، سواء الزوج أو زوجته، مضيفاً أن معظم العلاقات الزوجية تنشأ لدى الشباب بين رغبات وطلبات لاختيار شريكة الحياة دون الأخذ بالأسباب وأخذ مشورة الوالدين للتعرف على ماهية الحياة الزوجية وثقافة التعامل بين الزوجين والتروي في اتخاذ القرارات، لافتاً إلى أن قرار الهدم أو الانفصال الأسري بين الزوجين، يعتبر قراراً هادماً، ولا بد أن يبنى على أسباب جوهرية وقوية ومنطقية وقوية ترقى للأخذ بها، وأن لا يكون الأمر على مبدأ العجلة والتسرع في الأحكام. وأشار إلى التعديلات التي طرأت في قانون الأحوال الشخصية بالمرسوم رقم 5 في آخر تعديل لعام 2020 والذي قام بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005م، واصفاً التعديل الأخير بأنه قد ساعد وحدّ من حالات الطلاق، مشيراً إلى أن دعاوى طلب الطلاق للضرر يتم رفضها في أول مستوى في حال لم يكن هناك إثبات صريح للضرر، إذ يتم رفض طلب التفريق بين الزوجين، مضيفاً أن التعديلات الأخيرة ساهمت نوعاً ما في الحد وتقليص حالات الطلاق.
ودعا الراشدي جميع الأزواج والزوجات في جميع المراحل العمرية بمخافة رب العالمين في هذه العلاقة الزوجية والالتزام بمبادئ وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف وما أقرته الشريعة الإسلامية للعيش لينعموا بالأمن والاستقرار الأسري، وإضفاء جانب الرحمة والصبر والمودة والثقة لإنجاح العلاقة الزوجية، مشيراً إلى أن عدم الاستقرار الأسري قد يؤدي إلى هدم الأسرة، وبالتالي يؤدي إلى نخر المجتمع والتأثير سلباً على المجتمع بشكل عام. وأكد أن الأسرة المتماسكة تعتبر اللبنة الأساسية لتكوين مجتمع مترابط ومتماسك وصلب لا يعروه نقص للوصول إلى أسرة سعيدة ومتماسكة مبنية على علاقة زوجية منبعها الكتاب والسنة والأخذ بقيم وتعاليم الدين الإسلامي والعرف والعادات والتقاليد.
مفهوم التسامح
وأكد الدكتور عبدالحميد الحوسني، المدير الإداري في إدارة الحلول البديلة لفض النزاعات في دائرة القضاء أبوظبي، أن بسط مفهوم التسامح يهم فئات المجتمع بمختلف فئاتها، ويبيّن مدى قدرة دائرة القضاء أبوظبي في بسط مفهوم التسامح بين المتخاصمين، سواء كانوا متخاصمين من الناحية المدنية أو التجارية أو في الأحوال الشخصية، خاصة التوجيه الأسري.
وأكد الدكتور تركي القحطاني، أنه من ضمن الخطوات العملية التي اتخذتها دائرة القضاء أبوظبي في قسم التوجيه الأسري، إطلاق برنامج الصلح خير والذي قام على إعداده مجموعة من الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين والقانونيين والشرعيين، والذي يعالج أغلب المشاكل العائلية، ويساعد على اختيار أفضل الحلول من واقع عملي وليس من واقع نظري.
الاختيار السليم
أكدت صابرين اليماحي، عضو المجلس الوطني الاتحادي، أنه من المهم في بداية تكوين عائلة وحياة أسرية الاختيار السليم للشريكين، على أن يكونا متوافقين قدر الإمكان في نواحٍ عديدة، مثل السن والتعليم وحتى المستوى المالي، مشيرة إلى أن الاختلاف قد يفسد العلاقة، ولكن التوافق يعطي فرصة أكبر لديمومتها، ومن ثم تصبح الأسرة قادرة على تجاوز ما قد يعتريها من مطبات أو تحديات مع مرور الوقت، خاصة في هذا الزمن، مضيفة أن خروج المرأة للعمل خلق نوعاً من عدم الموازنة بين البيت والعمل، لافتة إلى أنه على سيدة الأسرة أن ترتب أولوياتها من أجل تجاوز هذا التحدي. ومن أهم التحديات التي تواجه الأسرة الوعي بالحقوق والواجبات لمختلف أفراد الأسرة، لذلك كلما كانت درجة التوافق عالية تقلص هذا التحدي.
وعلى الجهات الاجتماعية في الدولة، تكثيف مبادرات وبرامج التوعية الأسرية قبل وبعد الزواج، وتشمل كافة مراحله حتى مع وجود الأبناء، كما عليها التوعية في كل ما يخص الأسرة مالياً واجتماعياً وصحياً وتعليمياً، وتوفير أماكن الاستشارات الأسرية بطريقه تقدم الخدمة بكل أريحية وسرية، والعمل على انتشار مراكز التوجيه الأسرى على مستوى الدولة، ومن دون الطابع القضائي، بمعنى مراكز إرشادية بعيدة عن أروقة المحاكم كما هو معمول به في بعض إمارات الدولة، إضافة إلى تكثيف الحلقات التأهيلية والتي تقدم للمقبلين على الزواج من قبل صندوق الزواج، وألا تقتصر على المستفيدين من المنحة فقط، بل تعمم بشكل إلزامي على كل شخص مقبل على الزواج.
ممارسات مبتكرة
تحرص دائرة القضاء على استمرارية الجهود التطويرية لبرامج الحلول البديلة لفض النزاعات، عبر اعتماد أفضل الممارسات والأساليب المبتكرة للتوصل إلى الصلح والتسويات الودية للخلافات الأسرية والمنازعات المدنية والتجارية والعقارية، وذلك تماشياً مع رؤية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، رئيس دائرة القضاء في أبوظبي، الهادفة إلى تعزيز المبادرات الداعمة لضمان تماسك واستقرار المجتمع.
كما حققت إدارة الحلول البديلة لفض النزاعات بدائرة القضاء، نسب صلح مرتفعة في الملفات المعروضة عليها خلال النصف الأول من عام 2021، إذ وصلت نسبة الصلح في التوجيه الأسري إلى 78% من إجمالي 8 آلاف و439 نزاعاً، بينما بلغت التسويات الودية في النزاعات المدنية والتجارية والعقارية 30% من إجمالي 6225 نزاعاً.
وكشف التقرير الإحصائي نصف السنوي الصادر عن دائرة القضاء في أبوظبي، أن عدد الملفات المعروضة على قسم التوجيه الأسري، بلغ 8 آلاف و439 نزاعاً، تم إنجاز 7 آلاف و515 نزاعاً منها بنسبة 89%، بينما وصل مؤشر الصلح فيها إلى 78%، في حين بلغت نسبة حالات الطلاق المعروضة على التوجيه الأسري والتي تم الصلح فيها 29% في الربع الأول من العام الجاري، ثم ارتفع المؤشر في الربع الثاني إلى 32%.
ولفت التقرير إلى أن انخفاض معدل الطلاق يرجع إلى الجهود الحثيثة للموجهين الأسريين المختصين اجتماعياً ونفسياً وقانونياً، في ظل تطبيق برنامج «الصلح خير» الذي أطلقته دائرة القضاء العام الماضي، وما يتضمنه من استحداث آليات مبتكرة لتمكين الأسر من حل خلافاتها، عن طريق تنظيم ورش توعية وتثقيف باستخدام التقنيات التفاعلية، والتي بلغ عددها 28 ورشة حضرها 4 آلاف و133 شخصاً، خلال الفترة من بداية شهر يناير وحتى منتصف أغسطس الجاري، وذلك بهدف زيادة الوعي بأهمية الحياة الزوجية والتماسك الأسري، مع التركيز على إكساب المهارات في إدارة الحوار وكيفية التواصل الإيجابي للحد من الطلاق وأثره على الأبناء.
كما بين التقرير الإحصائي فيما يتعلق بجهود الوساطة والتوفيق في النزاعات المدنية والتجارية والعقارية، أن عدد الملفات المعروضة خلال ستة أشهر، بلغ 6225 ملفاً، ووصلت نسبة الإنجاز فيها إلى 88% بإجمالي 5487 ملفاً، فيما سجل مؤشر الصلح 30%.