حتى لو خرج ريال مدريد هذا العام، وهو الأخير له تحت إمرة الداهية كارلو أنشيلوتي خالي الوفاض، بأيدٍ فارغة ورؤوس موجوعة، فلا أحد يجرؤ أن يدوس لكارليتو على طرف، وكل قبيلة «البيت الأبيض»، بما فيها صحافته التي تحول أحزان الخسائر إلى خناجر تقطع الأوصال وحتى الآمال، يجب أن تقوم احتراماً للرجل الذي كرر حضوره إلى قلعة سانتياجو برنابيو مديراً فنياً لمرتين، وفي المناسبتين معاً جعل شموس الألقاب لا تغيب عن سماء الفريق الملكي إلا لماماً.
في هذا العرض الثاني لعبقرية أسطورة الميلان، حقق ريال مدريد لقب دوري الأبطال مرتين، لقبين لـ«الليجا»، لقباً لكأس الملك، لقباً لمونديال الأندية، لقبين للسوبر الأوروبي، ومثلهما للسوبر الإسباني، وبين كل هذا، كان كارلو أول متوج بجائزة يوهان كرويف لأفضل مدرب، التي أحدثها الاتحاد الأوروبي سنة 2024.
من الباب الكبير لـ«البيت الأبيض» يخرج أنشيلوتي سعيداً بأنه أسهم في كتابة بعض من صفحات إلياذة الفريق الملكي، لتكون وجهته القادمة بلاد «السامبا» التي تعيش خلال السنوات الأخيرة على وجع، أن «الرقصة البرازيلية» ما عادت تتسيد اللعب مع الكبار.
 في النهاية، المدرب الأكثر تتويجاً بالألقاب يصبح مدرباً لمنتخب «السيليساو» الذي يعتبر إلى اليوم المنتخب الأكثر حيازة لكأس العالم، وعلى صدره تلمع خمس نجمات مونديالية، فهل هي فكرة جيدة أن يصبح كارليتو مدرباً لمنتخب البرازيل؟
هل ما زال بفكر وخيال أنشيلوتي ما يستطيع به أن يحرك مياه الإبداع الراكدة في البرازيل؟، ما به تستعيد رقصة «السامبا» بهجتها التي انطفأت منذ 24 سنة؟
ذلك ما يعتقده رئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، بل ويجزم به، فكارلو ليس مجرد اسم في عقد يوقع عليه، بل هو رسالة إلى العالم، تقول إن المارد الذي نام طويلاً قد أفاق من غفوته، وهناك ببلاد «العم سام» تسمعون بعد عام ونيف نشيده الجديد الذي يضع ألحانه كارلو أنشيلوتي.
مند عشر سنوات، منذ أن أخلى مكان المدرب الوطني الأسطورة البرازيلي دونجا، لم يعرف منتخب البرازيل اسماً يثير وقعه جلجلة في موطن «السامبا»، لذلك ابتهجت الجماهير البرازيلية، ونجح اتحادها في إنهاء مطاردة دامت عامين، لكارلو أنشيلوتي، بأن جلب إلى العرين مدرباً تجعل منه ألقابه العديدة لاعباً ثم مدرباً لا يشق له غبار، مفكراً يستطيع أن يجد لمنتخب الحياة ترياق الحياة ومبعث الأمل والطريق إلى نفس الذهب الذي يلمع على أقمصة منتخب البرازيل.
لو كان كارليتو يعرف أن رصيده التكتيكي قد فرغ وما عاد به شيء، لكان تخلص للأبد من جلباب المدرب، ولرضي بأن يتوسد على جبل الكؤوس والألقاب، الذي بناه حجراً فوق حجر، لكنه يعرف جيداً أنه ما زال به جنون وهوس لكي يطل علينا من بلاد الأساطير، بما يستحق أن يكون خاتمة لقصة جميلة، اسمها كارليتو.