تباطأْ، دع الخطوة العجلى تستقر للحظةٍ على الرمل. المستقبلُ ليس فضياً كما أوهموك، فلا تركض للتسابق في تعرجاته فتسقط، وتهشّم الساعة في يدك، وبعدها تغادر المرأة التي انتظرتك عند رصيف الحاضر الآن، وأنت تظنها ستأتي غداً.
تباً للوقت ولاستمراره الوهمي. لقد هزمته الخيول، امتطيناها ترفاً في طفولة الزمن، ثم ركبناها جسراً بين حربٍ وحرب، ثم أطلقنا عليها الرصاص وهي هزيلة وبطيئة وبلا معنى. وكأنما الذي يتأخر في الجري، يصطاده الندم لا محالة، وكأنما الذي تخونه ركبتاه، يُصنّفُ أمياً في أعين اللاهثين وراء السراب. ومثلما تذبلُ الوردةُ سريعاً في المزهرية، يذبلُ الوقتُ أيضاً، ويتساقط ريشه بعد زهوٍ، ويتعكّر صفو الماء الذي يرويه.
خذ بيدي، أيها الرجل الذي رمى مفاتيحه في البحر وقرر أن ينتمي لمزاج الريح. سأهبُّ معك، متجاوزاً حال التنطّع هنا وهناك بانتظار فرجٍ ما. وسأستكين معك إن ذوى شموخ شراعك أو تهتّك خشبُ صواريك. وكما يضعُ المقامرُ قلبه على طاولة الخسران، سأرمي قلمي وقد جفّ حبرُ حكاياته، وصار المحو أبلغ وصفٍ لما يرويه.
اربط حبالك في رقبتي وانتشلني من البئر الضيقة أيها الفنان. كنتُ أريد أن أشرب قطرة من الضوء، لكن الأيادي المريضة دفعتني لأسقط في كادر لوحةٍ لا يكتملُ نشيدها إلا بالأحمر متدفقاً من غليان دمي. وكم خدعتني صورة الأحمر في الوردة والقبلة والعنب المر، وكم بسهولةٍ خضعتُ لإشارات المرور مطيعاً أمرها بالتوقف، بينما تمرُّ من فوقي سريعةً، غيمة الزمن.
تباطأْ، نزفٌ لهاثكَ، عطلٌ في كيان وجودك أن تنتمي إلى وعدٍ، لم يستقرّ بعد، مرورك فيه. وأنا مثلك، سأفتحُ كتاباً يذمُّ فضيلة الصبر، وآخر يفسّرُ العُجالة بأنها: السقوطُ اختيارياً تحت المطحنة. وعلى أرفف مكتبات كثر، سيكون وجهي غلافاً لروايات ينتحرُ أبطالها قبل خط النهاية. ليس لأنني أشبه الرجل الذي يبحث عن ذاته في مرايا الآخرين، بل لأن فمي نداء صامتٌ في الضجيج، وصوتي نغمة انفعال تراخت وانقطع وترُ اهتزازها، وصار عليّ أن أروّض الوقت ليكون إيقاعاً للهمس، الذي أضجُّ فيه وحدي، حيث لا يلتفتُ أحدٌ إلى المعنى الذي يقع خارج ما يتسابق الناس من أجله، وأقصد المعنى متجرداً من زوائده وحواشيه.
تباطأْ، ولكن لا تقف، وتسابق، وفي عرفك أن التوازن هو سر انتصارك على فكرة التيه.