في يوم الأرض تزدهر حبات التراب بآيات من الخلق العظيم، وهذه الأرض، أمنا، وحضننا وحصننا، وبيتنا، وكتابنا الذي نحتت عليه أقدامنا صورة الإنسان الأول، كما رسمت خريطة لأمنياته، وتطلعاته، وطموحاته، ويده التي زرعت، وعينه التي رأت، وأذنه التي سمعت طيراً على الأغصان ينشد للأمل، ويرفع التغريد عالياً، لأجل حضارة كونية تملأ وجدان الوجود، وتفيض بالفرح. 
في يوم الأرض، تبدو السماء الزرقاء سقفاً، لخيمة عملاقة، تضيئها بمصابيح الليل، والنهار، وتسكب على خصلات أشجارها وأعشابها، ماء السلسبيل، كي ترتوي أفئدة العشاق، وتنمو القصائد على صفحات الجبين اللجين، وتفصل الرواية عناقيد أمكنتها وأزمنتها، وشخوصها، ويعيش الإنسان محملاً بفرائد من بوح وفوح، وتستمر الحياة بلا غضون ولا شجون، والشؤون هي تلك العيون التي في طرفها حور، تكحل الرموش من أسود العنبر، وسمرة الليل، في يوم الأرض نحتفل بالتاريخ الذي أهدانا وعينا بأهمية أن نكون في الوجود خصلات لجدائل منسحبة على متن، وخاصرة، ويروي لنا كيف بدأ الإنسان على الأرض عفوياً، خاوياً من الإرث، وصار محملاً بأثقال الحضارات، ومنجزات، ومبهرات من الإبداع، والابتكار. في يوم اليوم الأرض تمشي غزلان الأفكار على رمل التأمل، وتسير بخطوات متئدة، وتنظر إلى السماء، فإذا بها تمطره بإلهامات واسعة الحدقات، وتغلقه بأحلام بوسعها أن تجعل الليل نهاراً ينصع بالنور، والتنوير، وقافلة الأيام تخط على الأرض عنوان بهجة لإنسان صنع، واخترع، وأبدع، وأسمع من به صمم، ولم تزل أمنا الأرض، تحض بنيها على البناء والتعمير، وتحثهم على الحب، كون الحب ترياقاً، يحمي الحضارة من الزوال، الحب وحده الذي يبقى وما عداه زائل لا محالة، ولذلك يحتفل الإنسان بيوم الأرض، وأيامها حبلى بمزيد من التلاقي، والتساقي، يوم الأرض هو يوم الناس أجمعين وبلا استثناء، يوم الكبير والصغير ويوم الغني والفقير، يوم الأجناس، والثقافات، واللغات، جمعاً لا فرق؛ لأننا جميعاً أبناء أمٌّ واحدة، أمٌّ جئنا من ترابها وإليه نعود، ومنه نخرج. في يوم الأرض تدخل الأشجار غرفة التجميل، فتشيع وقتاً لتحسين الصورة، وتزيين المنظر، والطير تواق للرفرفة، مشتاق لترابه الذي جاء منه، ومن مائه الذي شرب منه أول قطرة غسلت جناحيه، فحلق، وتعلق بنوافذ الأفق، وصار في الفضاء جملة اسمية مفيدة، خبرها جناح يهفهف، وعنق يغرد، لأجل الحياة، لأجل ألفة تدفئها الأرض وتمنحها حق الوجود. في يوم الأرض، تخرج جل الكائنات من مخابئها، لتصلي عرفاناً لأرض ملكت الألباب، واستولت على ضمير البشر والطير والشجر. وكل خرق لمواثيق الوجود، كل خدش في تراب الأرض، هو جريمة لا تغتفر، في يوم الأرض نتمنى أن تجمع قلوب العالم على حب الأرض، وحمايتها من غث، ورث.