من قصص ألف ليلة وليلة وبين خادم الخاتم وعملاق المصباح، كان للبساط الطائر تأثير مختلف، فيكفي أن تمتطيه حتى تحلق بعيداً عن المكان، بعيداً حيث السحر والعلم والمعرفة والجمال، هذا تماماً ما يصنعه الكتاب بقارئه، حيث يذهب بنا بعيداً عن المكان بكل ما فيه، إلى تفاصيل أخرى، قارات مختلفة، تقاليد عجيبة، سلوكيات غريبة، لغات مثيرة، هناك حيث كل شيء يختلف، إلى أفق متسع لعالم بعيد ومختلف، يحمل الجديد لعالمنا الضيق المحدود!
عندما كان يذهب والدي -رحمة الله عليه- بنا (وأنا وإخوتي) إلى معرض أبوظبي الدولي للكتاب، كنت أنتقي قصص ألف ليلة وليلة والمغامرات البوليسية وكتب المعلومات الغريبة وقصص الجن، كانت هذه بوابتي الأولى في القراءة، لم يوجهني والدي أبداً إلى أي نوع من القراءة، حركتني رغباتي من دون رقيب، فتحت أمامي بوابات العالم، سافرت مع «أجاثا كريستي» في قطار الشرق السريع وشاركتها ضفاف النيل، وارتجفت رعباً مع ممارسات الجن في البيوت، شغلت بأفعال المردة والسحرة في قصص ألف ليلة وليلة. فقد اقتنعت دوماً بأنه لا يهم كيف تبدأ، المهم أن تبدأ، عندما تبدأ ستجد في هذا العالم الجميل ما يغنيك عن الكثير، وما يبعد عنك الكثير، وما يجلب لك الكثير، الكثير الذي لا يُحصى من العلم والمعرفة والقوة والإرادة والوعي والسعادة. وحدها القراءة قادرة على الطيران بك في تفاصيل كل هذا العالم، فهل يستحق هذا أن تبدأ؟
في عالم ألف ليلة وليلة لا حدود للدهشة، ولا نهاية للأسئلة، فكل باب يُفتح في القصص، يأخذني إلى دهليز آخر من الغرابة والمعرفة. هناك، تسكن الحكم خلف ستائر الحكايات، وتنبض الفلسفة في قلوب أبطالها، وتتكشف أسرار النفس في حكايات الملوك والسندباد والعفاريت. القراءة ليست مجرد متعة، بل هي مفتاح الأسرار، القراءة كمصباح علاء الدين الذي ما أن تلمسه، حتى يبدأ العالم في التغير. كل كلمة تُقرأ، هي تعويذة خفية تفتح عقلاً وتُوقظ قلباً وتُشعل خيالاً. فكل ما نحتاج إليه هو أن نفتح كتاباً، كما كان يُفتح في قديم الزمان صندوق العجائب، فنجد فيه العبر والعجائب، والضحكة والفكرة، والسحر والمعرفة، متشابكين كما كانت حكايات ألف ليلة وليلة، لا يُعرف أين تنتهي، ولا متى تبدأ الرحلة التالية!