جمعة اللامي أحد رموز القصة القصيرة في العراق والوطن العربي، وغصن مهم جداً في شجرة الثقافة العربية يترجل، ويسلم جواد الحلم العربي لعشاق الكلمة، ومرتادي بيت السرد، يترجل اللامي ذلك الفارس الشهم والذي كانت له صولات وجولات في فضاءات جريدة الاتحاد عندما كان يدير صفحة ثقافية تعتني بشؤون وشجون الكتاب الشباب، وكان خير من يمثل هذا الاتجاه التعليمي في التوجيه، والتدريب، والاقتراب كثيراً من تطلعات الجيل الشاب، والجلوس بنفس راضية، وروح رائقة، لتقديم النصح، وتشذيب الأوراق الصفرات في الصفحات التي كان الشباب يملؤونها بخواطر، ونصوص تقترب من الشعر، وتحاذي القصة، وترسم صورة مبهجة لرواية المستقبل.
اليوم برحيل جمعة اللامي القاص، والراوي، والمثقف الموسوعي، يترك غيابه فراغاً، واسعاً، لأن اللامي لم يكن كاتباً عادياً، بل كان من ذوي الملكات المترعة بماء الذهب، المغموسة بفيض من إبداعات مختلفة، ومتنوعة، وكان الرجل يعيش حالة إبداعية في الأربع والعشرين ساعة في نهاره وليله، وكان منغمساً إلى درجة الثمالة في عيون الأدب، وكان سارداً متميزاً في بث روح الحيوية في القصة التي يرويها شفاهياً، وتحريرياً، كان يعيش يومه في مناقشة الزملاء والأصدقاء بما تجود عليه قريحته، الغنية بمختلف صنوف الأدب. رحل جمعة اللامي الصديق، وزميل العمل في جريدة الاتحاد، وها هو يدلي بدلوه في الذاكرة، ويقول أنا هنا فقط لكي أرسم صورة الإنسان العاشق للكلمة ثم أرحل ليأتي من بعدي من لهم علاقة وطيدة بالقصيدة، أو القصة، أو الرواية، أو النص المفتوح على عوالم البهجة، والغرس الإبداعي الطيب. كان الرجل يقضي الساعات عاكفاً على الورقة والقلم متخذاً زاوية قصية، نائياً بنفسه عن الأحاديث الجانبية، مكتفياً بكوب شاي مكثف وأعقاب السجائر المتناثرة في منفضة السجائر مثل جنود مهزومين، وكانت رئته المثقلة بالنيكوتين تتعبه كثيراً، ولكنه يأبى أن يتخلى عن رائحة الدخان، وربما كان يجد علاقة بين إبداعه الجميل، وتلك الدوائر الدخانية المحلقة في الفضاء مثل أجنحة طيور مهاجرة.
كان اللامي يشعر بالمتعة وهو يتحدث مع الزملاء عن فلسفة الكتابة، وعن قصة علاقته بالسهر على كتابة نص إبداعي، أو قراءة كتاب لأهم الكتاب العرب، وكان الرجل معجباً بقصيدة بدر شاكر السياب، وكان يقول عنه إنه بابلو نيرودا العرب، وكان عندما يتطرق إلى الرواية في الخليج العربي، يذكر إسماعيل فهد إسماعيل بخير، ويثني على الرواية الصاعدة في خليجنا، وكنت أشعر بالمتعة في الاستماع إلى شروحاته المستفيضة، والهادئة، في الأدب الصوفي، وكان هو ينسجم كثيراً في تناول أدب الشباب في الإمارات، وكثيراً ما يتنبأ لبعضهم بمستقبلهم كما كان يقول، وبالفعل اليوم بعد أكثر من أربعة عقود أصبح لدى اتحاد كتاب الإمارات رصيد وافر من الإنتاج الأدبي الذي أبدعه شباب، الكثير منهم تربوا على يدي جمعة اللامي، ذلك المعتصم بشيم الأدب الحقيقي.
رحم الله جمعة اللامي (أبو عمار). اللهم ألهم ذويه الصبر والسلوان.