للمثلث ثلاثة أضلاع، ولنجاح الأبناء ثلاث ركائز، الأولى الأسرة، والثانية المدرسة، والثالثة الطالب وبما يختزن من قدرات، وإرادة، ونباهة. 
اليوم.. الكثير من أبنائنا يعانون من قصور في فهم بعض المواد الدراسية، وعلى سبيل المثال عدم قدرتهم على عبور مضيق اللغة العربية بالشكل المطلوب، على الرغم من أنهم متفوقون في المواد الأخرى وبالأخص اللغة الإنجليزية، ويعاني مدرسو اللغة العربية من هذا العطب الثقافي، ويشتكون من العقبة الكأداء التي تعرقل طلاب لا يمكن أن يقال عنهم إنهم «أغبياء» لأن نتائجهم في المواد الأخرى لها بريق المرايا الصقيلة، وهذه تبدو معضلة كبرى أمام أي معلم، بل نقطة إحباط بحجم الدرجات الناقصة في هذه المادة الأساسية، والجوهرية، والمبدئية، وهي السبر، والسر، في تاريخ أمة علمت لغتها من هم في الأقاصي، والأداني، فكيف اليوم تعجز عن أن تصل إلى أذهان الأقربين؟ 
وعندما تتم عملية البحث، والتقصي، والتمحيص، والفحص الدقيق، تبرز مشكلة كان ينبغي لها ألا تكون مشكلة، ولكنها كانت، وأصبحت، وأمسكت بالألباب، وتشبثت باللغة حتى تكاد تخنقها، وهي أن الأبناء وهم في سن النشء، أي مرحلة الطفولة الأولى، لا يجدون من يخاطبهم، ويتولى إنهاء متطلباتهم اليومية إلا من لا يتقن لغتهم الأم، وبذلك تصبح لغتهم في منأى عن الحدث، وبعيداً عن الحديث، ومن ثم تتوارى خلف غلاف سميك من لكنة غليظة، مشوهة، وداكنة إلى درجة أنها تدور على ألسنتهم مثل حبل الأراجيح فتمنع وصولهم إلى المعنى المراد الوصول إليه، وتحجب عنهم لمس أصابع لغتهم الأم، فلا يصلون إلى بحورها وقواعدها، وعروضها، لا يحققون ذواتهم بالشكل الذي يؤكد أنهم على صلة مباشرة بلغتهم، ويعيشون احتفاليتها بنغماتها، ورنين حروفها، وقيثارة ألفاظها والتي جاءت من مشيمة ذلك القاموس الغني بمفردات كأنها فصوص اللؤلؤ، وجمل كأنها عناقيد الرطب وعبارات كأنها أمواج البحر. 
كل هذا يفتقده اليوم معظم أبنائنا، لأنهم لا يحظون برعاية لغتهم، وبيت الضاد، ومنازل الحكمة اللغوية، وبلاغتها، ونبوغها، وإبداعها، وفضولها الجميل، ولمساتها الناعمة بين السطور وهي ترعى غزلان المحبة بين اللسان والشفتين. والأمر لا يحتاج إلى كيمياء، ولا إلى قدرات كهنوتية كي ينجح أبناؤنا، فقط بشيء من الاهتمام والتمسك بزمام العلاقة بين أولياء الأمور، والأبناء، وسوف تمضي القافلة بلا عقبات تلون الشهادة المدرسية باللون الأحمر، فقط الجلوس مع الأطفال، وتخصيص الأوقات المناسبة التي تحمل على عاتقها مسؤولية تذوق لغتنا العربية، والاستمتاع بعطرها، وشكل حروفها، ورونق كلماتها. 
فقط القيام بهذا الواجب المقدس، وسوف يخرج الأبناء من عنق الزجاجة، ويحققون النتائج المرجوة، وينجزون ما يطلب منهم، وهو عقد علاقة الود مع لغتهم، وجعلها صديقة للبيئة الثقافية، والعلمية، وكل ما يتعلق بحياة الإنسان في حاضره وماضيه ومستقبله، لأن اللغة العربية تمتلك جذور العلم والأدب معاً، ولديها الإمكانية الكافية لخلق المصطلحات العلمية ولا داعي للتعلق بمشاجب واهية، ومبررات، خرافية.
 لغتنا هي التي حملت رسالة علماء العرب والمسلمين إلى العالم، ومنها برع ابن رشد، وابن الهيثم، والفارابي، وابن سينا، وغيرهم في سلسلة لا تعد ولا تحصى من العلماء.