ما يشعرنا بالأهمية الاستراتيجية للمباراتين اللتين سيخوضهما «الأبيض» اليوم أمام إيران، والثلاثاء المقبل أمام كوريا الشمالية، أنهما تقعان في نقطة بالغة الحساسية من خريطة الحلم المونديالي، وأن نقاطهما هي ومضات تضيء ما تبقى من طريق للتصفيات، وأن تحقيق العلامة الكاملة فيهما تفتحان لمنتخب الإمارات أبواب المونديال.
ما كان لجغرافية الحلم أن تتشكّل على هذا النحو، لو لم يسمُ «الأبيض» بمؤداه الجماعي إلى درجات متقدمة في الجودة والإتقان، فحقق في آخر جولتين فوزين بنتائج قوية على قيرغيزستان بثلاثية وعلى العنابي القطري بخماسية، ليمنحه ذلك ست نقاط كاملة صحّحت كل أعطاب البدايات المترنحة، التي جنى «الأبيض» من مبارياتها الأربع، أربع نقاط من أصل 12 نقطة ممكنة، وما كانت هامات «الأبيض» لتنتصب على هذا النحو الجميل، لولا أن المدرب بينتو تدارك ما فاته في التدبير التكتيكي، وأخرج للأبيض النسخة الأفضل والأجمل في اللحظة المفصلية.
يقف المنتخب الإماراتي، بالإحالة على ما شاهدناه في مباراتي قرغيزستان وقطر، على صخرة صلبة يستشرف بطموح كبير الثلث الأخير من التصفيات، لعله يحصل على ما يكفيه من النقاط ليحقق العبور المباشر لكأس العالم، دونما حاجة للمرور من عواصف ومخاضات السدود، فهل يكفيه هذا الطموح ليسقط المنتخبين الإيراني والكوري الشمالي بمعقليهما؟
لا خلاف على أن مواجهة إيران تحديداً اليوم، صعبة ومعقدة وعسيرة، عسير فيها الخروج بنقطة، وشاقة بل ووعرة فيها المسالك التي تقود لتحقيق الفوز، لكن لاشيء في كل هذا مستحيل، أولاً لأنها كرة القدم التي لا نحدس من محتواها إلا اليسير والقليل، وثانياً لأن المستحيل فيها لا يصادر الممكن أبداً، وثالثاً لأن المنتخب الإماراتي بالصورة التي قدم بها نفسه في آخر مباراتين نال منهما العلامة الكاملة، خلال شهر نوفمبر الماضي، تنبئنا بأن هذا الفريق بإمكانه أن يشق على منتخب إيران ويسلبه نقاطاً لو تحصل عليها لأعلن من الآن متأهلاً لمونديال 2026.
ليس بهاجس الثأر من خسارة الذهاب، يذهب «الأبيض» لملاقاة إيران أمام جماهيرها، ولكن بإرادة القبض على النيزك الذي سيضيء ما حوله، بطموح تحقيق الفوز التاريخي والاستراتيجي، التاريخي، لأن «الأبيض» ما تجرأ أبداً على المنتخب الإيراني ليفوز عليه، والاستراتيجي لأن النقاط الثلاث ستركب له أجنحة من نور يخترق بها الفضاء المحظور.
ولأن المنتخب الإيراني، الذي يأتي لمباراة اليوم من ثلاثة انتصارات متتالية في التصفيات، يعتمد في جوهر أدائه على لعب البناء والامتلاك الإيجابي والقوة الانفجارية على مستوى إنهاء الهجمة، فإن «الأبيض» يحتاج إلى ترويض المنظومة الإيرانية، إلى كثير من التركيز الذهني والحصافة في أداء الواجبات الدفاعية، بخاصة في بداية المباراة، وبعدها إلى كثير من الجرأة في بناء الهجمات وإنهائها، بخاصة إن كان هناك نجاح كبير على مستوى الانتقال من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية.
إذا كان «الأبيض» يريد الصعود إلى قمم المونديال، فعليه ألا يتهيّب من صعود جبال إيران وكوريا الشمالية.