التاريخ معزوفة فنية، تجيد التعامل مع أوتارها أنامل أخف من جناح فراشة، وترتب معانيها مخيلة رجال آمنوا بأن الحياة معنى، والتاريخ قصة لا يجيد قراءتها إلا أولئك الذين بلغوا سن البلاغة، وحققوا فوزاً مدهشاً في التعامل مع الظروف.
وقد أعجبتني جملة لمعالي محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس مؤسسة القمة الحكومية العالمية، هي: «المستقبل هو نتيجة قرارات تصنع اليوم، برؤية تستلهم الماضي، وتستعد للآتي».
كلمات اختصرت جملاً في كتاب، ومعانٍ اختزلت روح المعنى الذي تخط أبياته حكومتنا الرشيدة، وهذا هو ديدن كل دولة تقوم أسسها، وينهض بنيانها على صخرة الاستلهام من الماضي كنبع، والذهاب إلى المستقبل كحقل فيه يتم اقتطاف ثمرات ما زرعته الأيدي المباركة، وما غرفته من ذلك النبع الطيب.
اليوم والإمارات تتصدر العالم برؤى ناصعة كأنها عيون المها، ثابتة كأنها العاديات ضبحاً، مستفحلة كالموريات قدحاً، ذاهبة إلى المستقبل بسلاح الإرادة، وأشرعة الجاريات في العباب، المسهبات حباً بالعميق الأزرق..
في هذا الخضم الواسع، الشاسع، من عالم تتلاطم أمواجه وهجاً أحياناً، وأحياناً تستعر مواقده شظفاً، تقف الإمارات عند مطلع الشمس، وعند غروبها، تستدير حول تطلعاتها بقدرة رجال أوفياء، وسواعد عرقها ماء المكرمات الذي يروي عطش الطموحات، ويفض عنق زجاجة الغامض المجهول، ليصل إلى كواشف الحقيقة، وما تلاها من واقع مأمول، ترقبه العيون، وترصده الخواطر، وتبتغيه القلوب، والعقول تنحت له تماثيل فخر واعتزاز لكون الواقع لا يبدو في متناول اليد إلا إذا طالت أعناق النوق، ووثبت الجياد إلى حيث تكمن القمم الشم، وتكون الحقيقة هي نحن ولا سوانا، نحن أبناء الحاضر المنتمون إلى المستقبل، نحن أبناء الصحراء الذين مهدت لنا الرمال الذهبية فرش الطمأنينة، تحت سماء شمسها من أهداب الحرير، تجدل خصلاتها أنامل الرؤية الذكية، وتجعل من الأيام حبات مسبحة، والإنسان شاهدها، والتاريخ محراب تهجدها.
في قمة الحكومات، تبدو الإمارات نجماً، والعالم كواكب تدور في فلكها، تبدو الإمارات أغنية، والعالم يعزف لحنها، وتبدو الإمارات موجة، والعالم بحر يدوزن ترنيمتها، وتبدو الإمارات وردة، والعالم يلون وريقاتها، وتبدو الإمارات فراشة، والعالم يزخرف أجنحتها، تبدو الإمارات كل ذلك، والعالم يتبع خطاها، ويردد أنشودة ازدهارها والتاريخ يسجل، والنجوم تشعل قناديلها، والغيمة تبلل بريقها شفتي الوجود، وتسفر السماء عن ميلاد أيقونة ما شهد لها التاريخ مولداً إلا هنا، في هذه البقعة من العالم، تبرز اليوم قيثارة الوجود، وبريق الحضارات، ورونق الكون المجيد.
اليوم ومن خلال هذه المهجة المتألقة، هذه النافذة العالمية، هذه الدولة المتطورة نسلاً من مدهشات، مذهلات، قابسات، ناسبات ببوح يملأ الخاطر فرحاً، ويثلج الصدر، بما تبديه العقول الإماراتية من إبداعات في محفل هو الأهم، وهو المتفرد في صناعة الأمل في عيون كل من أسغبهم تعب الجفاف العاطفي، والذي شاع وذاع صيته في أنحاء كثيرة من هذا العالم المكتنز شقاء، وعناء.